أزمة الدولار تشتعل بين المستوردين والمركزي
قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي في منتصف مارس/ آذار من العام الحالي، ببضعة أسابيع، قام البنك المركزي المصري بالخفض التدريجي لسعر صرف الجنيه المصري تجاه الدولار الأمريكي، في محاولة منه لتوحيد سعر الصرف، في ظل وجود سعر صرف بالسوق الموازية يزيد عن السعر الرسمي، سعيا لطمأنة المستثمرين المرتقبين بوجود سعر صرف موحد.
ورغم أن السعر الموحد كلف المستوردين والمنتجين زيادة بالسعر الرسمي بنحو 7% خلال حوالى الشهر، إلا أنهم تحملوا ذلك الإجراء أملا في توفر العملات لإتمام صفقاتهم الاستيرادية، التي لم تكن البنوك توفرها لهم مما اضطرهم لتدبيرها من شركات الصرافة أو خارجها بسعر أعلى من السعر الرسمي.
وحتى ينجح البنك المركزي في سعيه لتوحيد سعر الصرف، فقد شدد من رقابته على شركات الصرافة بوجود رقيب بها، كما تبع ذلك بخفض قيمة الإيداع اليومي للأفراد والشركات من العملات الأجنبية، إلى عشرة آلاف دولار والحد الأقصى الشهري لها إلى خمسين ألف دولار .
وعندما لجأت بعض الشركات لفتح أكثر من حساب مصرفي للتحايل على القرار، منع البنك المركزي ذلك بوجود حساب موحد للشركة، كما قررت البنوك عدم شراء الدولارات مجهولة المصدر.
لكن قرارات البنك المركزي التي نجحت بالفعل في تضييق الفجوة، ما بين سعر الصرف للدولار بالبنوك وبشركات الصرافة، أربكت السوق بشكل كبير، حيث لم تكف المبالغ المسموح بها شهريا والبالغة خمسون ألف دولار للشركة في تغطية قيمة وارداتها.
وعمت الشكوى قطاعات عديدة سواء شركات الحديد التي تستورد خام البليت، أو الشركات التي تستورد المبيدات والتقاوي والمخصبات والأعلاف والأدوية البيطرية، وقطع الغيار والغذاء والأجهزة الكهربائية والسيارات والهواتف المحمولة والياميش وغيرها، حتى كانت الشكوى من نقص الدولار إحدى أوليات مطالب أعضاء اتحاد الصناعات عند اجتماعهم برئيس الوزراء أوائل الشهر الحالي.
وأصبحت البضائع المستوردة مكدسة بالموانئ، مما زاد من الغرامات المتنوعة عليها لتزيد تكلفتها، كما اضطربت المعاملات مع الموردين بالخارج لتأخر سداد قيمة البضائع، حتى لجأ البعض لتحويل العملات المصرية إلى دولارات في دبى لإرسالها من هناك للموردين.
**وكانت النتيجة نقص تلك المواد الخام والسلع الوسيطة والسلع تامة الصنع بالسوق، مما زاد من أسعارها، ليتواكب ذلك مع مشكلات أخرى تعانى منها تلك الشركات، تخص ارتفاع أسعار الطاقة والعمالة والنقل وصعوبات التمويل والعمالة.
فنقص توريد الغاز الطبيعي إلى مصانع السماد قلل من طاقتها الانتاجية، مما أدى لنقص الكميات المخصصة للسوق المحلية، الأمر الذى دعا وزارة الزراعة إلى استيراد كميات من السماد، لكن ذلك يحتاج تدبير عملات أجنبية غير متوافرة، ليتأخر استيراد السماد فتزيد أسعاره محليا بشكل كبير.
ونفس الأمر حين توقف المصنع الوحيد لإنتاج خام الحديد “البليت” بالسويس، مما اضطر المنتجين لاستيراده، لكن القيود المصرفية تحول دون الاستيراد فقلت الطاقات الانتاجية.
حتى بورصة الأوراق المالية تأثرت بتأخر تدبير العملات الأجنبية الخاصة بتحويلات المستثمرين الأجانب بالبورصة للخارج، مما أدى لقلة تعاملاتهم، وهو ما انعكس على البورصة في انخفاض قيمة التعامل والسيولة، والتراجع السعرى خلال الأسابيع الأخيرة.
**وظن الكثيرون أن وصول ودائع خليجية قيمتها 6 مليار دولار مؤخرا ستساهم في حل مشكلة نقص توفير البنوك للدولار، إلا أن هامش السعر ما بين سعر الصرف بالبنوك، والسعر خارجها قد استمر بعد وصول تلك الودائع.
وكانت تصريحات لمسؤولين بالبنوك ، قد أشارت إلى أن قرارات البنك المركزي قد نجم عنها زيادة الحصيلة من العملات الأجنبية بعشرة أضعاف، إلا أن بيانات البنك المركزي الخاصة بشهر فبراير الماضي، وهو الشهر الذى شهد الخفض التدريجي لسعر صرف الجنيه تجاه الدولار، قد أشارت إلى انخفاض صافى الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي، خلال شهر فبراير/ شباط عما كانت عليه في شهر يناير/ كانون الثاني بنحو 660 مليون دولار، ليستمر صافى الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي في الانخفاض للشهر السادس على التوالي، منذ أغسطس/ آب الماضي وحتى فبراير/ شباط.
أما مقارنة الودائع بالعملات الأجنبية بالبنوك المصرية خلال فبراير الماضي، بشهر يناير فلم تزد سوى بنحو 56 مليون دولار، بينما كان متوسط الزيادة الشهرية لها خلال العام الماضي 177 مليون دولار.
وإذا كانت الودائع بالعملات الأجنبية قد زادت في فبراير عما كانت عليه في يناير بنحو 56 مليون دولار، فلقد كان ذلك بسبب زيادة ودائع القطاع العائلي بنحو 281 مليون دولار، بينما نقصت ودائع باقي الجهات المودعة ما بين الشهرين، لتنخفض بنحو 105 مليون دولار بقطاع الأعمال العام، وتقل 64 مليون دولار لودائع القطاع الخاص، وتنقص 57 مليون دولار لقطاع العالم الخارجي والمتمثل في غير المقيمين بمصر.
وفسر البعض تراجع ودائع القطاع الخاص بالعملات الأجنبية بسبب تدنى عوائده، والتي تدور حول نسبة الربع بالمائة خلال العام، بالمقارنة بمعدلات تضخم رسمية تدور حول نسبة 12 %، وكذلك انتشار شائعات عن احتمال فرض ضرائب على الودائع، وتفضيل البعض الاحتفاظ بتلك الدولار للطوارئ سواء للسفر أو للعلاج تحسبا لعدم التمكن من الحصول عليه.
**ورغم استمرار البنك المركزي المصري في بيع الدولار للبنوك، وطرح الدولار في سوق الانتربنك الدولاري، فما زالت مشكلة نقص الدولار موجودة، حيث يقوم البنك المركزي بتغطية طلبات السلع الاستراتيجية فقط، وهى السلع الغذائية والمواد الخام والأدوية، لتبقى سلع كثيرة خارج أولويات البنك المركزي، رغم أنه ليس لها بديل محلى مثل المنتجات التكنولوجية، وحتى عندما طرح نصف مليار دولار في الرابع من مايو الحالي، فقد خصصها لتمويل استيراد السلع الغذائية استعدادا لشهر رمضان، وانطبق ذلك عندما طرح 300 مليون دولار للبنوك في 7 مايو/ آيار، فخصصها لتمويل استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وقطع الغيار.
وربما يرى البعض أن في اجراءات البنك المركزي فرصة لتقليل حجم الواردات السلعية، التي تزيد قيمتها سنويا بمعدل يزيد كثيرا عن معدل زيادة قيمة الصادرات، سعيا نحو تقليل الفجوة المزمنة بينهما، لكن الواقع يشير الى أن اجراءات البنك المركزي ضارة أيضا بالصادرات السلعية.
فلا يخلو أي نشاط تصديري زراعي أو صناعي من مكونات ومستلزمات مستوردة، وعنما انخفض سعر صرف الجنيه زادت تكلفة المستلزمات المستوردة على تلك الأنشطة فقلت تنافسيتها، وعندما نقص الدولار وقل استيراد المكونات، فقد قل انتاج الكميات الممكن تصديرها من السلع.
**ويظل السؤال الرئيسي .. هل يستطيع البنك المركزي حل مشكلة نقص الدولار؟ والجواب أن المشكلة تتعلق بنقص الموارد الدولارية عن تغطية الاحتياجات من العملات الأجنبية، مما يجعل حلها أكبر من امكانات البنك المركزي، وبما يشير من ناحية أخرى الى أن الاجراءات الإدارية التي يتخذها البنك المركزي، يمكن أن تهدئ من حدة المشكلة وقتيا لكنها لا تحل المشكلة جذريا.
فالاحتياطيات من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي حتى مارس الماضي كانت 15.3 مليار دولار، وأضيف إليها خلال أبريل/ نيسان المليارات الستة من دول الخليج، أي أنها تغطى واردات سلعية لأربعة أشهر فقط، حيث بلغ المتوسط الشهري لقيمة الواردات السلعية خلال العام الماضي 5.3 مليار دولار، وذلك بخلاف أقساط وفوائد الدين الخارجي الذى ارتفع مؤخرا، وعوائد الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر المحولة للخارج والتي بلغت 7.2 مليار دولار بالعام الماضي، وقيمة خدمات النقل بأنواعه المدفوعة للخارج، ونفقات السياحة بالخارج ورحلات الحج والعمرة والمصروفات الحكومية.
في حين أن جملة ما ضخه البنك المركزي من دولارات خلال العام الحالي، وحتى أوائل الشهر الحالي يقل عن 4 مليارات من الدولارات.
** فالسبب الرئيسي للمشكلة هو نقص بعض الموارد خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، وأبرزها الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وأضيف لتلك العوامل تراجع قيمة الصادرات غير البترولية خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 16 % .
هذا بالإضافة إلى التحول من تصدير الغاز الطبيعي إلى استيراده، والتجهيز لاستيراد الفحم، وتوقعات تحول الاستثمار الأجنبي غير المباشر إلى التدفق السلبى متجها إلى الخارج، ومخاوف تأثر حصيلة تحويلات المصريين العاملين بالخارج خاصة بدول الخليج، بانخفاض سعر البترول خاصة وأن تلك التحويلات تمثل المورد الأكبر للنقد الأجنبي لمصر .
ويوضح ذلك بلوغ موارد النقد الأجنبي خلال العام الماضي 81 مليار و607 مليون دولار، بينما بلغت المدفوعات من النقد الأجنبي 83 مليار و145 مليون دولار، ليسفر ميزان المدفوعات الكلى المصري عن عجز بلغ 1.538 مليار دولار.
وجاء ذلك العجز رغم ورود معونات خليجية بنحو 8 مليار و315 مليون دولار خلال العام، وهى المعونات التي لا ينتظر تكرارها خلال العام الحالي، في ضوء تحول شكل مساندة دول الخليج الثلاثة السعودية والامارات والكويت للحكومة المصرية، الى أنماط الودائع والاستثمارات إلى جانب القروض من الصناديق العربية والبنك الاسلامي للتنمية.
ولهذا تتجه الحكومة المصرية للاقتراض الخارجي في شكل سندات، رغم زيادة الدين بعد وصول الودائع الخليجية، ويتسق ذلك مع توقعات صندوق النقد الدولي بزيادة الدين الخارجي خلال السنوات المقبلة، وزيادة نسبة العجز بالميزان الجاري خلال السنوات المقبلة، من عجز جارى بنسبة 0.8 % بالعام الماضي إلى عجز 3.3% بالعام الحالي يزيد إلى 4.3% بالعام القادم وإلى 4.8% عام 2020، وذلك بسبب العجز المزمن والمتزايد بالميزان التجاري المصري، والذى يزيد عما يتحقق من فوائض بالميزان الخدمي وميزان التحويلات.
وخارج حسابات البنك المركزي التي أشارت إلى وجود عجز بميزان المدفوعات بالعام الماضي بلغ 1.5 مليار دولار رغم المعونات الخليجية، فهناك احتياجات أخرى للنقد الأجنبي، منها احتياجات البعض للاحتفاظ بتلك العملات تحسبا لزيادة قيمتها مستقبلا، واحتياجات الأنشطة غير المشروعة لاستيراد النوعيات المختلفة من المخدرات واستيراد السلاح واستيراد السلع المهربة، وهى احتياجات ضخمة في قيمتها، يقبل العاملين بها أسعار صرف عالية للعملات، نظرا لما يحققونه من أرباح طائلة.
وحتى يتحقق الاستقرار لسعر صرف الدولار، فلابد من توافر قدر من المعروض من العملات الأجنبية، يغطى الاحتياجات منها سواء المشروعة أو غير المشروعة، وبدون ذلك يتوقع استمرار اضطرار البنك المركزي لخفض قيمة الجنيه المصري للحاق بالسعر الأعلى بالسوق الموازية.
——-
نقلاً عن (الأناضول)
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …