هل عانقت المؤسسات الإسلامية حكم البيادة في عام السيسي الأول؟
تحولت المؤسسات الدينية الرسمية فى مصر إلى ظهير قوى لمؤسسة الرئاسة خلال العام الماضي؛ حيث رصد مراقبون أن “الأزهر والإفتاء والأوقاف” سخَّروا إمكانياتهم لدعم وتأييد النظام الحالي؛ ما أدى إلى فقدان ثقة قطاع كبير من الشعب المصرى فيها.
وأضافوا أن المؤسسات الدينية الرسمية عملت على تنفيذ ثورة عبد الفتاح السيسى الدينية، التى دعا إليها أكثر من مرة خلال خطاباته، مدعيا أن هناك نصوصا مقدسة، وصفها بأنها تعادى الدنيا بأكملها وتجعل المسلمين مصدر قلق وخطر وتهديد للعالم كله.
الأزهر
وساند شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عبد الفتاح السيسى فى مواقف عدة؛ حيث أعلن دعمه وتأييده للسيسي، فى مواجهة ما أسماه بالإرهاب، ودعا “جميع المصريين ومؤسسات الدولة للتعاون فى دحر الإرهاب”، بحسب بيان له صدر فى يناير الماضي.
كما أعلن أحمد الطيب عن عقد جلسات عمل متواصلة لاستكمال عناصر “ثورة التصحيح” التى دعا إليها السيسي، فضلا عن عزمها على تغيير المناهج وتنقيحها من نصوص سبق أن وصفها العلمانيون بأنها محرضة على العنف والإرهاب.
وصرح الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، أن اللجنة التى شكلها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لإصلاح المناهج، انتهت من هيكلة الخريطة الجديدة للمناهج، وأن العام الدراسى الجديد سيشهد تغييرًا لجميع مناهج الأزهر فى التعليم ما قبل الجامعي، لافتًا إلى أن تطوير المناهج شمل تنقيحها من أى نص يمكن استغلاله من أى متطرف للتحريض على العنف.
كما وقف الأزهر صامتا – وبحسب مراقبين – على عشرات من الانتهاكات التى تعرض لها طلاب وطالبات الأزهر داخل ساحات الحرم الجامعي، ومن بين ذلك حالة الاغتصاب لإحدى طالبات الأزهر داخل مدرعة شرطة، وهى الحادثة التى وثقتها العديد من المنظمات الحقوقية.
وصمت أيضا على محاكمة العديد من رفقائه من مشايخ ورموز الأزهر الشريف؛ حيث يقبع المئات من علماء الأزهر الشريف خلف أسوار السجون، منذ الانقلاب العسكرى ، أبرزهم الدكتور عبد الله بركات، عميد كلية الدعوة والثقافة الإسلامية السابق، والدكتور محمود شعبان، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، ويواجه الدكتور عبد الرحمن البر، عميد كلية أصول الدين بالمنصورة، تهمًا عديدة.
ورغم ذلك، لم تسلم مشيخة الأزهر وشيخها من هجوم شرس شنه عدد من الإعلاميين المؤيدين للانقلاب العسكري؛ حيث وصفوها بـ”الداعم للإرهاب” و”المتطرف”.
ووصف الإعلامى إبراهيم عيسى، الأزهر الشريف بـ”الفاشل”، ولا يعبر عن الإسلام الوسطي، وأنه مخترق ومتسلف، مضيفًا: “إن تاريخ الأزهر عريق ومؤسسة علمية عظيمة، ولكنه الآن مغيب عن دوره”.
كما اتخذ وزير الأوقاف العديد من القرارات التي استهدفت “محاربة التشدد والإرهاب”، كما قال، حيث أصدر قرارًا بغلق الزوايا التى تقل مساحتها عن 80 مترًا، إلى جانب توحيد خطبة الجمعة على مستوى الجمهورية في جميع مساجد مصر، وتهديد المساجد المخالفة بضمها إلى الوزارة، ومحاسبة أي إمام أو خطيب لا يلتزم بها.
شاهد مهاجمة إبراهيم عيسى لـ”الأزهر” ووصفه له بـ”الفاشل:
وقال عيسى إن الأزهر لا يتوانى عن تكفير الأدباء والعلماء، وقال عبر برنامجه: “إذا نظرت لكتاب الأزهر بالصف الثالث الثانوى ستجد أن منهج “داعش” موجود فى الكتاب، ويدرِّسه الأزهر لطلابه، فكيف يختلف الأزهر مع داعش؟”، وتابع: “لماذا نغضب من طلبة الأزهر إذا خرجوا علينا وحرقونا إذا رأوا أننا كفرة من وجهة نظرهم، وهذا ما يدرّسه لهم الأزهر فى الثانوية العامة؟”.
كما نشرت جريدة “اليوم السابع” مؤخرًا موضوعًا صحفيًّا تحت عنوان “مناهج الأزهر.. البوابة الخلفية للإرهاب” استطلعت خلاله آراء عدد من العلمانين وشيوخ السلطة حول خطورة الاستمرار فى تدريس مناهج الأزهر الحالية، والذين طالبوا بدورهم بضرورة تغيير المناهج الحالية وتنقيحها، ويمثل تنقيح مناهج الأزهر وتغييرها ما يتوافق مع التوجه العلمانى الذى يسعى الانقلابيون لتطبيقه, بمثابة مرحلة ثانية سبقتها مرحلة سابقة وهى “تغيير المناهج الدراسية فى التعليم العام قبل الجامعى وتفريغها من النصوص الدينية؛ ففى دراسة حديثة أعدها الدكتور حسان عبد الله، الخبير التربوي، تحت عنوان “علمنة التعليم المصرى وتزييف التاريخ نسخة الانقلاب” رتب خلالها شواهد علمنة المناهج بحسب أهميتها، فكان أولها انزواء الدين فى المناهج والمقررات؛ حيث ندرة النص الدينى فى مقررات اللغة العربية.
دار الإفتاء
ووأصبحت دار الإفتاء الذراع الأيمن لمؤسسة الرئاسة للتخلص من معارضيها؛ من خلال التصديق على أحكام بالإعدام فى قضايا سياسية؛ حيث اطلع على أكثر من 865 قضية، أصدرت المحاكم المصرية خلالها أحكامًا بالإعدام، منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وذلك بحسب تقارير حقوقية محلية ودولية؛ مثل “العفو الدولية”، منها 15 تم تأكيدها، ونفذ حكم واحد فقط.
وكان آخر هذه الأحكام الـ126 حكمًا فى قضيتى “التخابر مع حماس والهروب من سجن وادى النطرون”، التى من المفترض أن يبدى فيهم “علام” الرأى الشرعي، بعد قرار إحالة أوراق المتهمين إليه، وأبرزهم: “الرئيس محمد مرسي، ومحمد بديع مرشد الإخوان، وخيرت الشاطر، وأحمد عبد العاطي، وسعد الكتاتني، ومحمد البلتاجي، ومحمود عزت، وصلاح عبد المقصود”.
ويأتى رأى شوقى علام، مفتى الجمهورية، غالبا بالتصديق على الإعدام، وذلك رغم أن التهم والقضايا التى يحاكمون عليها بها شبهات كثيرة، وبها ثغرات وفجوات واسعة تطعن فى نزاهتها، بحسب مراقبين وحقوقيين.
ولم يقتصر دور المفتى على التصديق على أحكام الإعدام؛ حيث قام بإصدار عدد من الفتاوى، التى وصفها المراقبون بـ”المفصلة” لمباركة سياسات السيسي، ففى نوفمبر الماضي، أصدر د. علام فتوى أجاز فيها التهجير والقتل لأبناء سيناء، وترحيلهم من بيوتهم التى قضوا فيها أعمارهم؛ بحجة أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، وأن حماية الأمن القومى تستدعى ذلك.
كما أعلنت “دار الإفتاء المصرية”، فى فبراير الماضي، تأييدها المطلق للحرب التى شنها عبد الفتاح السيسى على ليبيا تحت داوفع الحرب على الإرهاب.
ووصف الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، حرب السيسى ضد ما يصفه بالإرهاب، سواء فى داخل مصر أو خارجها، بأنه “جهاد فى سبيل الله”، مطالبًا جميع المصريين أن يدعموا القيادات السياسية والعسكرية فيما يتخذونه من قرارات للحرب على الإرهاب.
كما أعلنت الإفتاء تبنيها دعوة السيسى لتجديد الخطاب الديني؛ حيث أقرت الدار خطة مكثفة لنشر ما أسمتها بـ”الثقافة الإفتائية الصحيحة” لمواجهة فتاوى التكفير والمقولات، مؤكدة أن ذلك يأتى فى إطار الاستجابة لدعوة السيسى للثورة الدينية.
وتسببت مواقف علام فى ملاحقته قضائيا فى عدد من الدول الأوروبية؛ حيث نصحته وزارة الخارجية بعدم السفر لبريطانيا، فى ديسمبر الماضي؛ خشية الملاحقات القضائية.
وكشفت مصادر دبلوماسية، أن إبلاغ المفتى بإلغاء الزيارة، لحضور جلسة نقاش بشأن “الشباب المسلم والتطرف الإسلامي”، بناء على دعوة من حزب “الاستقلال” البريطانى اليميني، جاء قبل سفره مباشرة، ودون توضيح أسباب رسمية، غير أن الإلغاء جاء عقب تظاهرات حاشدة معارضة لزيارة عبد الفتاح السيسى لإيطاليا وفرنسا، وأعقبت قرار محكمة بريطانية بمنع الحصانة عن أعضاء الحكومة المصرية والمسئولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وفى إبريل الماضي، تعرض مفتى الجمهورية لعدة مواقف محرجة، خلال الجولة التى قام بها فى عدد من العواصم الأوروبية، من بينها هولندا وفرنسا؛ حيث هاجمه بعض أعضاء الجاليات المصرية المقيمة فى العاصمة الهولندية “أمستردام”، متهمين إياه بالمشاركة فى دماء المصريين التى أسيلت فى مصر منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وحتى اليوم.
ويظهر بالفيديو “علام” وهو يفر من أمام امرأة مصرية، وهى تهاجمه وتدعو عليه وتسبه بعدد من الشتائم؛ لتأييده قتل المصريين، بحسب وصفها.
شاهد إهانة مفتى الجمهورية على يد امرأة مصرية واتهامه بتأييد مقتل المصريين:
الأوقاف
وتحولت وزارة الأوقاف برئاسة مختار جمعة من الدور الدعوى والدينى إلى الدور الأمني، وذلك من خلال التضييق على الأئمة والمساجد؛ حيث أصدرت الوزارة قرارات مثل: “عدم استخدام مكبرات الصوت فى غير الأذان أو شعائر صلاة الجمعة، وعدم ترك مفاتيح المسجد أو أى من ملحقاته مع غير الموظف المختص، ومنع الدعاة والخطباء المنضمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو أى تحالف معارض للسطات الحالية، مثل “علماء ضد الانقلاب” أو “علماء تحالف دعم الشرعية” أو “الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح”، هذا إلى جانب العلماء والخطباء الذين شاركوا فى فعاليات مناهضة للانقلاب العسكري”.
وفى رمضان الماضي، قامت وزارة الأوقاف بتحديد 150 مسجدًا فقط بمختلف محافظات الجمهورية لصلاة التروايح، وكذلك 165 مسجدًا للملتقيات الفكرية، كما قاموا بتخصيص قصور الثقافة لتنظيم ندوات ولقاءات تثقيفية إسلامية بالمحافظات.
وتستمر السلطات الحالية فى غلق عدد من المساجد منذ أكثر من عام ونصف؛ خوفًا من انطلاق مسيرات معارضة منها، وأبرز هذه المساجد: “مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، ومسجد الفتح برمسيس، والقائد إبراهيم بالإسكندرية”.
كما قامت الوزارة أيضا بالاستيلاء على عدد من المساجد التابعة للجمعية الشرعية والجميعات الأهلية؛ بحجة الترويج للأفكار الإرهابية، والسيطرة على الخطاب الدينى الذى يتم تصديره من أعلى منابر هذه المساجد، ففى سبتمبر الماضي، ضمت 5 مساجد تابعة للجمعية الشرعية بعدد من المحافظات، وهى “الجلاء برمسيس، والنور المحمدى بالمطرية، والاستقامة بالجيزة، والمشارى بالهرم، والسيوف بالإسكندرية”.
وكانت وزارة الأوقاف قد قررت، فى أكتوبر 2013، قصر صلاة الجمعة على المساجد الكبرى ومنعها فى الزوايا، وتقديم أى إمام يقيم الصلاة فى هذه الزوايا للمحاكمة بحكم القانون، وذلك بدعوى أن “صلاة الجمعة تعنى اجتماع الناس، وأن رسالة الوزارة هى إعمار المساجد لا إغلاقها”، وكلفت مديرى الأوقاف والمفتشين بأن يتم أخذ تعهد مكتوب على صاحب الزاوية بألا تقام صلاة الجمعة بها.
ولم يقتصر تضييق وزارة الأوقاف على الخطباء المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين فقط، بل امتدت هذه الممارسات لتطول مشايخ الدعوة السلفية، المؤيدة للانقلاب العسكري؛ حيث قامت بمنع قادتها من اعتلاء منابر المساجد لأكثر من عام، أبرزهم نائب رئيسها “ياسر برهامي”، و”يونس مخيون” رئيس حزب “النور” السلفي، وذلك قبل تراجعها عن القرار وإصدارها تصريحا لأكثر من 400 شخص من الدعوة السلفية بالخطابة.
ومن ناحية أخرى، عملت الوزارة على الامتثال لتعليمات السيسى فى ثورته الدينية؛ حيث أعلنت فور خطاب السيسى عن أن اجتماعًا موسعًا سيعقد، بمقر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لمناقشة آليات تجديد الخطاب الدينى ودراسة توجيهات السيسى فى كلمته بذكرى المولد النبوي، والإعداد لصالون ثقافى حول تجديد الخطاب الديني.
كما توسعت الوزارة فى قراراتها الهادفة لملاحقة الدعاة والتضييق عليهم، والتى كان آخرها إجبارهم على الإمضاء على إقرارات بأنهم لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم يرفضون العنف والتخريب، هذا بجانب قرارات توحيد الخطبة، وإغلاق الزوايا، ومنح الضبطية القضائية لمفتشى الأوقاف وغيرها من القرارات السابقة.
اقرأ أيضا:
مستقبل السلمية في مصر بعد عام من حكم السيسي
4 أسباب وراء تشييع السياسة إلى مثواها الأخير في عام السيسي
الأقباط في عام السيسي الأول .. 7مكاسب وقتية و3 خسائر استراتيجية
الداخلية في عام السيسي “الشعب في خدمة الشرطة”
السيسي في عامه الأول .. اتهامات بالفشل ودعوات لانتخابات مبكرة
لماذا بحث الكونجرس مصير مصر بعد عامين من مرسى لا عام السيسي؟
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …