رحيل الشيخ عمر عبدالرحمن.. “رهين المحبسيْن”
غادر الدنيا الدكتور عمر عبدالرحمن، الأمير التاريخي للجماعة الإسلامية، بعد أن تصدر الأخبار لفترات طويلة، سواء من خلال دروسه في مساجد الدقهلية والفيوم وأسيوط، أو عقب القبض عليه عام 1981، أو في الفترة التي ظل فيها رهين السجون الأمريكية التي ظل خلفها حتى وصل نبأ وفاته إلى أبنائه، اليوم، من جانب المسئولين عن تلك السجون التي ضمته في ظلماتها منذ العام 1993 وحتى اليوم.
ورحل الشيخ الأزهري عن الدنيا مغتربا؛ بعد أن فشلت كافة المحاولات للإفراج عنه أو تسليمه إلى مصر ليكون قريبا من أبنائه وأنصاره الذين لم ينقطع تأثرهم به، رغم مرور 27 عاما على غيابه خلف قضبان السجون الأمريكية، في تهم تتعلق بتفجيرات نيويورك سنة 1993، بالإضافة إلى اتهامه بالضلوع في محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك. وهي التهم التي حصل بموجبها على حكم بالسجن مدى الحياة.
معارض شرس
كان الشيخ عمر عبدالرحمن، الذي ولد بمحافظة الدقهلية عام 1938، معارضا شرسا لنظامي حكم السادات ومبارك، ودخل السجن في عهديهما، ورغم أنه فقد البصر في وقت مبكر من طفولته، عقب 10 شهور فقط من ولادته، فإنه لم يفقد روح المعارضة والتصميم على الدفاع عن رأيه، مما أدى إلى وقفه عن العمل في هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالقاهرة عام 1969، وتم نقله من التدريس بالجامعة إلى إدارة الأزهر دون عمل، وكانت تلك بداية المضايقات، التي وصلت ذروتها في أكتوبر 1970 حين تم اعتقاله عقب وفاة جمال عبد الناصر.
وعقب الإفراج عنه واصل رحلته العلمية، فحصل على درجة الدكتوراه، عن “موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة”، إلا أن ذلك لم يشفع له في العودة إلى التدريس بالكلية مجددا، إلى أن اختار التدريس في كلية البنات وأصول الدين بأسيوط، والتي استمر فيها حتى عام 1977، ومنها إلى كلية البنات بالرياض، التي ظل يعمل بها حتى عام 1980. ورغم أنه كان غائبا عن مصر منذ سنوات، إلا أنه اعتقل في أكتوبر 1981، وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، حيث اتهم بأنه أفتى لخالد الإسلامبولي بتنفيذ عملية اغتيال السادات، إلا أنه حصل على البراءة في القضيتين وخرج من المعتقل في 2 أكتوبر 1984.
اعتقال حتى الوفاة
سافر إلى الولايات المتحدة ليقيم في ولاية نيوجرسي، واعتقل هناك بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، بتهمة التحريض على العنف وارتكاب جرائم ضد الحكومة الأمريكية، منها التحريض على تفجير مركز التجارة العالمي، والتي لم يكن عليها دليل سوى تحريات مخبر مصري يعمل بمباحث أمن الدولة، مما ثبت التهمة عليه، ولم توافق السلطات المصرية في ذلك الحين على تسلمه، رغم عرض أمريكا ذلك أكثر من مرة، ما دعا قطر إلى طلب استقباله، إلا أنها لم تحصل على ردود.
ولم تكن صحة الشيخ على ما يرام؛ حيث كان يعاني منذ القبض عليه من سرطان البنكرياس والسكري، والروماتيزم والصداع المزمن، وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة إلا على كرسي متحرك، إلا أن تلك الأمراض لم تشفع له.
أما المحامية التي دافعت عن حقوقه “إلين ستيورات”، فتم القبض عليها بتهمة مساعدته في توصيل رسائله إلى أسرته وتلاميذه. وكان محاميه هو الحقوقي البارز رامزي كلارك، وكانت إدارة السجن تسمح له فقط بمكالمة لمدة ربع ساعة كل أسبوعين.
محاولات للإفراج
هنأ الشيخ عمر عبدالرحمن المصريين بنجاحهم في اختيار الرئيس المنتخب الأول، وذلك في 29 يونيو 2012، وتعهد الرئيس محمد مرسي في أول خطاب له بميدان التحرير أمام المتظاهرين ببذل جهده والعمل على تحرير عمر عبدالرحمن. إلا أن الانقلاب عليه بعد عام واحد لم يتح للرئيس أن يقوم بذلك.
وللشيخ مجموعة من المصنفات التي أثرت المكتبة الإسلامية، ومنها: موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة، كلمة حق، تفسير سورة النجم، بالإضافة إلى مجموعة من المقالات التي توضح عناوينها منهجه في الحياة الذي لم يتخل عنه حتى توفي، ومن مقالاته: قولوا للظالم لا، الشريعة الإسلامية شريعة كاملة، وصية إلى أمة الإسلام، نظرات في سورة غافر.
كما قام الشيخ عمر عبدالرحمن بتسجيل عدد كبير من التسجيلات التي تداولها أنصاره سرا، بسبب حظر كل ما يتعلق بالشيخ من جانب السلطات المصرية، ومنها: القرآن الكريم كاملا، صحيح البخاري، تفسير سورة غافر، الدعوة والعقيدة في سورة الكهف، الدين الإسلامي دين شامل، مجموعة من المحاضرات الدعوية في أوروبا وأمريكا.
وقبل وفاته بفترة تواصلت المخابرات الأمريكية مع أسرة “عبدالرحمن” لإعادته إلى مصر، ليقضي باقي مدة الحبس فيها؛ بسبب تردي حالته الصحية، إلا أن ذلك لم يتحقق.
ومنذ أيام، تلقت الأسرة اتصالا من والدهم يبلغهم فيها بتدهور حالته الصحية ونقص العناية الطبية له، ما قد يتسبب في وفاته. متنبأ بأنها قد تكون المكالمة الأخيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ متزوج من السيدة “عائشة حسن”، وله منها ثمانية أولاد بالإضافة إلى بنتين، ومتزوج أيضا من المهندسة “فاتن شعيب”.
وهي الأسرة التي حاولت إحياء قضيته بعد ثورة يناير، حين نصب بعض أفرادها خيمة أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة للمطالبة بالإفراج عن والدهم، كما دعا عدد من منظمات حقوق الإنسان المجلس العسكري، عقب الثورة، إلى السعي للإفراج عن والدهم. إلا أن ذلك لم يتحقق، وضاعت فرصتان لتبادل الشيخ في مقابل مسجونين أمريكان أو صهاينة، ليستمر الشيخ الكفيف في محبسه، مع نحو 500 مصري، حتى أنفاسه الأخيرة .
السجن بـ”النية”
وفي تصريحات صحفية، سخر عبدالله، نجل الشيخ عمر عبدالرحمن، من الأحكام التي صدرت ضد والده قائلا: “أمريكا أخذت الشيخ لإرضاء نظام مبارك وحكمت على نيته، وهو ما لم نسمع أن أحدا حوكم حسب نيته، فقد قبض عليه بتهمة أنه كان يحرض على اغتيال مبارك خلال زيارته إلى نيويورك عام 1993، رغم أن “عبدالرحمن” لم يذهب إليها، وحكموا عليه بالحبس 285 سنة. وذكروا فى حيثيات الحكم أنهم وجدوا من كثرة كلامه عن مبارك أنه يريد اغتياله في الأراضي الأمريكية”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …