طارق الغندور.. الطبيب القرآني الذي قتله الانقلاب ثم برأه
في مثل هذا اليوم قبل عامين رحل أحد الذين حبسهم الانقلاب بين الأقفاص الحديدية إلى أن مات ، فهو لم يعتد على الحبس ومنع الحرية ، بعد أن أستاذا جامعيا يلتقي طلابه نهارا لينقل لهم الخبرة التي اكتسبها طول حياته العلمية ، وفي المساء يتوجه إلى عيادته محاولا التخفيف من آلام المرضى الذين يلجؤون إليه ليكون البلسم الذي يخفف عنهم الأوجاع وينهي آلامهم من الأمراض الجلدية ، وهم لا يعلمون أنه سيعاني آلام المرض دون أن يسعفه أحد مرتدي البالطو الأبيض الذين طالما وقف بينهم طالبا وأستاذا وزميلا .
قبل عامين استشهد الدكتور طارق الغندور أستاذ الأمراض الجلدية بكلية طب عين شمس ، صاحب الابتسامة العذبة والوجه المشرق ، الذي كان يحبه كل من تعامل معه مهما كان مختلفا معه في الآراء والرؤى . حيث قضى ظلام السجن وبرودة جدرانه وقسوة سجانيه على النضارة التي كانت تميز “الغندور” ، ولم يتحمل جسده الرقيق تلك الأوضاع ، فاعتل ، إلى أن أسلم الروح لباريها ، شاكيا ظلم الانقلاب ، وصمت أبناء الوطن على قتل خيرة أشقائهم بدم بارد ، وتصفية المخلصين ؛ لا لشيء إلا أن لهم رأيا مختلفا وفكرا مغايرا.
وكما كانت حياته مؤثرة فيمن حوله ، بسلوكه ودعوته وحبه للجميع ؛ فقد كان موته درسا ، كما كان حصوله على البراءة بعد وفاته بعام ونصف أحد النوادر التي أثبتت أن القضاء المصري في غيبوبة طويلة .
ابني بخير ووفى بوعده !
والدته بعد أن تلقت صدمة الفراق استجمعت قوتها ، قائلة في عزائه : “ابني بخير ، ابني وعدني إنه هايثبت لآخر نفس ..والحمد لله وفي بوعده . قال لي يا أمي قفلوا علينا الزنازين عشان يمنعونا نصلي العيد ..كل زنزانة كبرت وحدها وصلينا العيد” .
وتضيف : “لوكان طارق راح .. فمكانه 1000 طارق .. كل الميادين هاتتملي طوارق .
وأثارت صورة ابنه الذي اختار أن يرقد إلى جوار والده للمرة الأخيرة في حياته ، بعد أن مات ، الأسى . وهي الصورة التي كانت كفيلة بأن تقيم الدنيا ولا تقعدها “إن كان في القلب إيمان وإسلام” ، وإن كان في الدولة أخلاق وقانون . حيث صمم الطفل أن يشعر بالأمان ، وينام إلى جوار والده الذي حرمه الانقلاب ، قبل عام من وفاته، من رؤيته وملاطفته التي تعود عليها منذ أن وعى على الدنيا . كما انكبت زوجته على جسده المسجى ، باكية لوعة الفراق لزوجها الذي لم تر منه إلا الخير وحسن العشرة .
توفي الدكتور طارق الغندور ، الذي كان من أفضل 10 أطباء أمراض جلدية في مصر ، متأثرا بتليف الكبد ودوالى المرئ ، ظل ينزف لمدة 6 ساعات ، ولأنه طبيب طلب منهم دواء لوقف النزيف ، ولكن سجانيه في سجن شبين الكوم رفضوا ، إلى أن مات ، ودفن بقرية سنفا بميت غمر مسقط رأسه .
عمر الظلم ما أخر بكرة
وكانت آخر كلماته التي أرسلها لأحبابه من داخل السجن :
عمرالظلم ما أخر بكرة .. عمر السجن ما غير فكرة
قولوا للـ cc ويا عصابته .. لازم يوم هتفوقوا م السكرة
مهما تقتل فينا وتحبس .. مهما هتغسل مخ وتكره
لازم هنحرر أوطانى .. م الظالم وبطانته الماكرة
على يلا وعد سجونك .. واحشر فيها اصحاب الفكرة
خلى الشرطة تواجه شعبى .. بسلاحها ووشوشها العكرة
احنا إلهنا شايف سامع .. مش هيضيع جنده الشاكرة
أبدا مش هيوفق ظالم .. ولا أعوانه وخليها فاكرة
إنه بيهمل يوم والتانى .. مكره هنشوفه فيهم بكرة
يا شهيد سايرين على دربك .. عمرك يوم ما هتبقى ذكرى
وهتافنا راح يعلى ويعلى .. رغم أنوف كل اللى بيكره
عمر الظلم ما أخر بكرة .. وعمر السجن ما غير فكرة
وقال عنه زميله محمد البنا :”رأيت كثيرين ممن حفظوا القرآن ودرسوه وعلت به أصواتهم ولكنه – رحمه الله – كان مختلفاً جداً ، علاقته بالقرآن كانت عجيبة. الأمر ليس فقط ذاكرة لا تكاد تخطيء أو تنسى . كان يتعامل مع آيات القرآن وكأنها أصدقاؤه المقربين ، وحروف وكلمات كل آية تعني له تفاصيل رئيسية في حياة صديق مقرب لا يصح أبداً أن ينساها أو يتلعثم فيها، وإلا كيف تكون الصداقة . كان يبدو لي أنه يستمد احتياجاته الرئيسية للحياة من القرآن ، بدا لي وكأنه إذا استبد به العطش قرأ سورة الكوثر ليرتوي ، وإذا اقترب منه الهم والحزن تناول سورة “ألم نشرح لك صدرك” ، وإذا اشتكى ألماً لجأ إلى سورة فصلت . أنا لم أقابل أحداً يتلذذ بتلاوة القرآن مثله” .
ونعاه أيمن عبد الغني أمين الشباب بحزب الحرية والعدالة قائلا :”نحتسب عند الله الاخ الحبيب الداعية طارق الغندور بعد أن توفاه الله وهو معتقل صامد وثابت ضد الظلم والطغيان ، توفي بعد الإهمال الجسيم في علاجه خلال عام من الاعتقال وهو يعاني من غيبوبة الكبد” .
كان أحد رموز المستشفى الميداني بميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير 2011، وأحد أعمدة المستشفى الميداني باعتصام “رابعة العدوية” .
بقي أن نشير إلى أن “الغندور” أشرف على أكثر من 100 رسالة ماجستير ودكتوراه وبحث علمي ، وله العديد من المؤلفات في مجال الأمراض الجلدية والعقم ، كما كان يحفظ القرآن الكريم وحاصل على العديد من الدرجات العلمية في الدراسات الإسلامية .
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …