“إسلام خليل” يروي عن : “عواصم جهنم” التي يتمنى روادها الموت بسبب التعذيب
التعذيب في مصر أصبح كالماء والهواء، لا بد أن يتعرض له كافة الذين يتم القبض عليهم، خاصة لأسباب سياسية، وهو تعذيب غير معقول لا يطاق، يضطر معه المعتقل إلى الاعتراف بتهم لا يعرف عنها شيئا، ومعلومات يسمعها للمرة الأولى في حياته، وعلى أشخاص ربما لم يعرف عنهم إلا أسماءهم.
ولا يخلو مقر من مقار الاحتجاز من التعذيب؛ سواء في أقسام الشرطة، أو مقار الأمن الوطني أو معسكرات قوات الأمن، ولا يتوقف التعذيب إلا إذا أوشك الضحية على الموت، أو إذا مات بالفعل تحت أيدي زبانية الداخلية ومليشياتها التي لا تعرف الرحمة، وتستمتع بأصوات المعذيبين وصراخ الأطفال والسيدات تحت نير التعذيب.
وما أكثر الذين تعرضوا للتعذيب خلال السنوات الثلاث التي أعقبت الانقلاب العسكري الدموي، ولكل منهم حكاية لا تختلف كثيرا عن حكايات الباقين، سوى في حجم التعذيب، والمعلومات التي كان مطلوبا أن يعترف بها، والمدة التي ظل فيها أسيرا داخل أقبية القهر وعواصم جهنم.
ومن هؤلاء الشاب إسلام خليل الذي ظل معتقلا لمدة تجاوزت الـ400 يوم، منها 122 يوما مختفيا لا يعرف عنه أحد شيئا، كان خلالها أقرب للموت منه إلى الحياة، وتعرض للتعذيب في عدة أماكن، مستعرضا في حوار أجراه مع موقع “الطريق” جانبا من صور التعذيب التي تعرض لها.
الموت تعذيبا
يقول إسلام: “في هذه الفترة تعرضت للكثير من الانتهاكات، ولكن ما أزعجني أنه في ناس كتير ماتت في المكان اللى كنت فيه، وأطفال وبنات أكتر كانوا بيتعذبوا، وبداخل مقر الأمن الوطنى بطنطا لم أكن أرى أحدا، فقط أسمع أصوات خارج الزنازين، حيث كنت حينها معصوب العيينين، ما عدا الـ10 ايام الأخيرة التى كنت موجودا خلالها بمقر معسكر قوات الأمن”.
ويضيف: “احنا بنتعامل مع ناس أغبياء مش عارفين يعملوا شغلهم، فبيشتغلوا بشكل عشوائي، بيخدوا ناس كتير وأطفال، ومرضى، وشباب، يتضربوا ويتعذبوا وفيه ناس بتموت، وفي النهاية بيكتشفوا أن الناس دي جات غلط، وأصعب حاجة أنى أسمع صوت بنت بتتعذب، أو طفل يتاخد من جنبى، يتعلق ويتعذب، دا غير أني كنت بشوف أطفال بين الحياة والموت وأنا مش عارف أعمل حاجة ليهم ولا لنفسي، مش قادر حتى أطّلع صوت”.
وبداخل جهاز الأمن الوطنى بطنطا، دار الحديث بين إسلام والضباط كالآتي:
“الضابط قالي ازاي أنت أخو نور ومنعرفش عنك حاجة، قالي أنت عارف جاي هنا ليه، قولته طب عرفني أنا جاي هنا ليه، وقضيت 4 أيام ضرب وشتيمة وواقف على رجلي ومبنامش، وبييجي عليّ وقت بتخيل أنه هيغمى عليّ، بيبقى نفسي يغمى عليّ بس مبيحصلش”.
وعن تفاصيل ما بعد اليوم الرابع قال إسلام: “خدوني طلعوني للدور الرابع تقريبًا، في مبنى غير اللي موجود فيه الزنازين، دخلت مكتب فيه سجاد وهناك واحد قالي بص هتلخص وهتجيب معايا من الآخر هترتاح، كله بيجي هنا وبيقول كل حاجة، قولتله هقولك اللي عايزة بس سبني أمشي، وطلب أني أحكيله من يوم ما اتولدت لحد يوم القبض عليّ، حكتله كل حاجة حتى أدق التفاصيل كنت عايز امشي بأي طريقة بقا، بس برضوا مقتنعش وفجأة اتحول لحد تاني”.
لا أملك إلا الصراخ
وبداخل مقر الأمن الوطني يروى إسلام طرق التعذيب والتنكيل به: “علقوني ومكنش معايا غير أني أصرخ من كتر الألم والكهربا، على كدا أكتر من مرة، ولما أغمى عليّ ادوني حقنة وشربوني لبن وبيقولولي اشرب علشان الكهربا مضره، طيب لما هي مضره بتكهربوني ليه، وبدأ بعدها يقلعني هدومني”.
وأضاف إسلام في صوت متهدج ونبرات متقطعة ما تعرض له: “بعد ماعلقني وقلعني هدومي، فضل يعيد نفس الأسئلة تاني، ويكهربني في أماكن حساسة، وهو بيضحك وبيهزر، وبعد شهر نقلوني لمكان تاني، فكوا الكلبش والغماية، عرفت بعدها إنهم حطوني هنا لمدة 10 أيام، علشان مسمحولي بعلاج بسبب التعذيب، تاني يوم من الـ10 أيام فضل يسألني عن ناس معرفهاش، لدرجة أني قولتله اكتب اللي عايزة وأنا همضي عليه، عايز أمشي وكنت خلاص تعبت، راح قال الواد دا مدرب واتحقق معاه قبل كدا، قولتله مدرب على إيه قالي أنت اتحقق معاك قبل كدا، فرديت عليه دي أول مرة يتقبض عليّ”.
وعن استمرار التنكيل به يقول خليل: “ربطوا إيدي بقماش، وخلوا إيدي قدام ركبتي، وحطوا حديدة فوق الإيد وتحت الركبة، وبحبل بيرفعوا الحديدة وعلقوني، وفضلوا يضربوا بعصاية على رجلي، نزلني وحط مية ساقعة على الأرض وقالي اتنطط، خرجنا قبل ما أترحل بيوم.. وقالي أنا هوديك لناس هينفخوك وهيسلخوا جلدك من على لحمك، قولتله انت لو عايزني أقول حاجة هقولها بس خرجني من هنا”.
فنون أخرى من التعذيب
وبدأ إسلام الحديث عن مرحلة جديدة بدأت معه بعد قرار ترحيله من طنطا إلى القاهرة: “حطوا غمامة على عيوني وخرجوني على عربية، مشينا مسافة طويلة عرفت بعدها أننا رايحين القاهرة، لما نزلت كان صدري تعبان وطلبت بخاخة، وطلبتها واحد قالي صدرك تعبان هتطلع الدور التالت وهتحط حجر على صدرك وتغني مع نفسك، ونزل فيا ضرب وشتيمه”.
وأكمل: “بداخل الزنزانة رفعت الغماية بسيط، ولقيت ناس كتير متغمية ومتكلبشة، أطفال جميع الأعمار، فضلت واقف وقولته تعبان عايز أقعد، قالي 3 حاجات متعملهمش، متهمسش مع اللي جنبك، مترفعش الغماية من على عينك، متنمش إلا بإذن، فجأة لقيت حاجة بتخبط في وشي، لمستها لقيتها رغيف عيش، كنت جعان أوي فكلته، قولته ممكن تفك الكلبش إيد واحدة أكل، ضحك بسخرية”.
وبدأ إسلام يومه الثاني بعد الترحيل بالتحقيق وقال: “فضلوا يعيدوا عليّ نفس الكلام بنفس الأسلوب والطريقة، قولتله شوف انت عايز إيه وصورني وأنا هقول، مش قادر أتعذب تاني هموت، قالي هنعذبك على أد طاقتك متقلقش مش هنموتك أنت غالي عندنا عايزينك، بعدها فكلي الكلبش وربط إيدي ورا ضهري ورفعني من إيدي، وأقل من 15 ثانية كان الألم في كل جسمي وفضلت أصرخ لحد ما نزلني مدة مش طويلة، ربط إيدي وفضل يلف حوليا بالإلكتريك وفضل يكهربني في جسمى كله”.
وواصل إسلام حديثه: “زاد التعذيب وفضلوا ينيموني على ضهري، ويطلع بالجزمة على صدري، بعدها كنت بتعلق طول اليوم لو همست للي جنبي، احنا حاولنا نعرف أسماء بعض علشان في ناس كانت بتموت ومحدش يعرف عنها حاجة، يوم 21 سبتمبر ندهوا عليّ، وكنت فاكر أني مروح، بس اترحلت لإسكندرية، ولقيت نفسي متهم بتهم معرفش عنها حاجة، وكيل النيابة قالي عارف أن التهم دي ملفقة، هما لسه بيحتجزوا في مقرات الأمن ومش مكتفين بالمقرات عندهم”.
وعن أسباب الاحتجاز في مقرات الأمن قال إسلام: “بيحتجزوا في مقرات الأمن، لأنه المكان الموجود فيه أعداد كبيرة من العساكر اللي بينفذ بيها واللي بيربيهم على الطاعة، العسكري منهم لما يشوف ناس بتتعذب طول الوقت وبتتشال وهي ميتة لازم ينفذ الأوامر حتى لوغلط علشان ميحصلش فيه اللي بيحصل في الناس دي”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …