ورحل “السيد ياسين..” الذى حارب الإسلاميين حتى آتاه اليقين
لا تكاد تخلو صحيفة من صحف الانقلاب، من نعي مثقف مبارك المنحاز للانقلاب السيد ياسين، 84 عاما، صاحب “الفضل” الأول، في تحويل مسار مراكز البحوث والدراسات الرسمية في مصر إلى محاربة الإخوان المسلمين، وفضلت صحيفة “صوت الأمة” أن تصدر في مانشيت عريض “..وحارب الإخوان حتى النهاية”، فالرجل الذي لم تفارق مقالاته صحيفة الأهرام حتى مات، معبرا عن السلطة بتمامها، لم يفتأ يحارب الإخوان حتى أتاه اليقين.
وامتلك الراحل ياسين -وهو عم الممثل محمود ياسين- لسانا عربيا مجودا، ومصطلحات من النوع الثقيل عرف بها في عالم الصحافة، ولكنه وظفها ليس فقط في حربه على الإخوان، بل في محاربة الفكرة الإسلامية، ووظف في ذلك المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الذي أنشأه “خالد الذكر”، وفي “معهد الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية” الذي كان أحد مؤسسيه الكبار، بل المركز العربي للبحوث والدراسات.
لقاء “السيسي”
وفي آخر لقاءاته بالسيسي في أغسطس الماضي اتهم السيد ياسين، الكاتب والمفكر السياسي، أن جماعة الإخوان مفلسة فكريًا، وأثار جدلياته التي لطالما عاش عليها، قائلا: “جماعة الإخوان لن تعود لحكم مصر على الإطلاق، موضحًا أنها جماعة لا تؤمن بالحدود أو الوطنية، بل تؤمن بالأممية الإسلامية”.
أما حواراته الصحفية فلم تكن إلا تمجديا لطاغية من مثقف أدمن نفاق السلطة وهو يعلم باعتباره من أصحاب الأفكار اليسارية، بل منظر لهم أن ما حدث في 3 يوليو 2013 انقلاب مكتمل المعايير السياسية.
ولكنه فضل التواطئ فيصرح للشروق في 11 سبتمبر 2015، أن “السيسى تفوق على عبدالناصر فى التنمية”!.
وبعدها بأشهر في نوفمبر من العام نفسه يؤكد لـ”الوفد” أن “السيسى يؤسس الدولة التنموية”!.
وقبلهما يعتبر أن ما وقعه السيسي بشأن سد النهضة نجاحا فيقول لـ”اليوم السابع” في مارس من 2015، أن “زيارة السيسى لإثيوبيا تفتح آفاقا جديدة لدور مصر إفريقيا”.
الإخوان أصحاب فضل
وبنفسه يعترف ياسين في أحد مؤلفاته وفي متون تصريحاته، أن الإخوان أصحاب فضل عليه ولكنه “نضج” فانفصل عنهم، يقول «ياسين» عن تجربته مع الإخوان: «عام 1950م يمثل نقطة تحول بارزة في حياتي، كان لها أثر بالغ في بناء شخصيتي وفي تكويني.. ففي هذا العام استطاع أحد زملائي بالمدرسة أن يضمني إلى الإخوان المسلمين، وسرعان ما أصبحت أخًا، وكنت نشيطًا وحيويًا وموضع انتباه من الإخوة، وقد أمل فيَّ الكثيرون الخير على هذا الطريق، وعلى ذلك فقد رشحت لأكون دارسًا في مدرسة الدعاة بشعبة محرم بك في العطارين بالإسكندرية، وكان المشرف على المدرسة شيخًا أزهريًا ضريرًا يعمل مدرسًا في المعهد الديني بالإسكندرية وهو المرحوم الشيخ مصطفى الشمارقة. كنا ندرس القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه والسيرة في مدرسة الدعاة، كما كنا ندرس المذاهب السياسية المعاصرة، وقد طالعنا في هذه الأثناء كتابات أبي الحسن الندوي وسيد قطب والشيخ الغزالي. كان الشيخ الشمارقة ذا أثر بالغ في حياتي كلها، وأذكر جيدًا أنه كان معجبًا بالدكتور طه حسين وكان يهفو إلى تقليده في الجمع بين الدراسة الأزهرية والدراسة الحديثة، فالتحق بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، واختارني الشيخ الشمارقة مع مجموعة من الأصدقاء فأصبحت قارئًا مستديمًا له. قرأت مع شيخي كل مقرراته، ودرست معه كل المناهج، وكانت كلية الآداب وقتها زاخرة بمجموعة رائعة من الأساتذة الموهوبين، وتخرجت في مدرسة الدعاة خطيبًا إسلاميًا معتمدًا، وكنت أمارس الخطابة باقتدار في مساجد الإسكندرية حسب التكليفات التي تصدر من قبل الإخوان المسلمين وكان تقليد الإخوان تنمية القدرة على الارتجال المدروس».
وتابع في تصريحات سابقة: “قد استطاعت مدرسة الدعاة أن تغيرني بالكامل، من صبي خجول منطو يقبع بالساعات في غرفة منفردة لكي يقرأ إلى صبي يتسم بشخصية انبساطية لديه القدرة على مواجهة الجماهير في صلاة الجمعة من كل أسبوع.. أفادني هذا التدريب المبكر على الخطابة فيما بعد حين أصبحت باحثًا ألقي البحوث في المؤتمرات العلمية أو محاضرًا في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة”.
واعتبر أن “هذه محطة نجاح بقدر ما هي محطة فشل، وقد نجحت في أن أكون محاضرًا واضحًا وقادرًا ولكنني بالطبع فشلت في أن أبقى خطيبًا وفي أن أكمل مسيرة الجمعة من كل أسبوع.. واليوم وأنا أتذكر بدايتي في الدعوة ثم استكمال حياتي في البحث، فإنني لم أكن أتوقع أبدًا هذا التحول.. كان ارتباطي بالإخوان المسلمين وصعودي على المنبر قد ملأني، واعتبرته بداية ونهاية الطريق بالنسبة لي، والعادة أن خطباء المساجد يتطلعون إلى التجويد والامتياز وإلى الشهرة والذيوع، وهم على ذلك يرون مستقبلهم في مهنتهم أو رسالتهم.. بمعنى أدق الخطيب يهفو إلى أن يكون شيخًا والشيخ إمامًا وهكذا، ولو أنك سألت أيًا منهم ماذا ترغب أن تكون، سيجيبك بمثال من الماضي، حيث كان أئمة الدعاة والفقه وعلماء الدين هم سادة عصرهم، أو بمثال من الحاضر من أئمة الدعوة المشاهير وذوي السطوة عند الجمهور، ولكنني إذ فشلت في أن أكمل الرسالة أو أحافظ على المهنة فقد أبقيت اهتمامي بأئمتها وقادتها ومفكريها في كل زمان”.
سفرية فرنسا
سافر السيد ياسين إلى فرنسا لإعداد رسالة الدكتوراة في القانون، لكنه اكتشف بعد عام ونصف أن لديه ميولا لدراسة علم الاجتماع، ليبدأ رحلته الطويلة في علم الاجتماع السياسي.
ثم عاد وأسس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية عام 1975، وظل يرأسة حتى عام 1994، كما شغل عضوية المجلس الأعلى للثقافة، وظلت مقالاته الأسبوعية تنشر في جريدة الأهرام، تدوي على مدار التسعينيات والألفينيات، كرس أغلبها لمهاجمة الإخوان والفكرة الإسلامية عموما وغاظه انتشار الفكرة وسط الشباب وفي الجامعات والمنابر.
رجل مبارك
وخلال مسيرته، نال “ياسين” العديد من الجوائز والأوسمة، من بينها وسام الاستحقاق الأردني من الطبقة الأولى عام 1992، ووسام العلوم والفنون والآداب عام 1995، وجائزة أفضل كتاب في مجال الفكر من معرض القاهرة الدولى للكتاب 1995، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1996.
ناعون ورافضون
وكان في مقدمة من نعاه الممثل اليساري نبيل الحلفاوي، فعزاه وعزى زميله الممثل آسر ياسين، وقال “رحم الله الكاتب والمفكر الكبير السيد ياسين. الذي طالما أثرى عقولنا بمقالاته ودراساته.. عزاؤنا لأسرته وتلاميذه ولزميلنا العزيز”.
كما نعاه عبدالرحيم علي، الذي استضافت بوابة الإمارات -التي يرأس تحريرها- كتابات السيد ياسين، وقال: “رحل المفكر والإنسان”.
غير أن المفكر والكاتب الإسلامي الدكتور محمد عباس قال: “السيد ياسين.. لا أعرف له موقف صدق يغريني بالدعاء له بالرحمة.. بل لا أدري هل تجوز عليه الرحمة أم لا تجوز”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …










