أصحاب الأرواب السوداء من أمام منصة القاضي إلى خلف الأسوار

يذهب “محمد” إلى مكتبه في المساء ليفحص أوراق موكليه ، وترتيبات القضايا التي سيحضرها في صباح اليوم التالي …”هذا سأطالب بإخلاء سبيله لانتفاء التهمة ، وهذا سأطالب بتأجيل قضيته للاطلاع ، أما هذا فسوف أطعن في حكم الحبس الذي حصل عليه اليوم …. وهكذا إلى أن ينتهي من ترتيب أوراقه وإعداد دفوعه القانونية ، ويستمع إلى صرخات الاستغاثة من أهالي المعتقلين :”يارب يخليك يا أستاذ .. ابني طالب وعاوز أعمل طلب للامتحان حتى لا يضيع عليه العام ، أخويا اتاخد بالليل ومش عارفين ودوه على فين ، محتاجين زيارة لوالدتي علشان تشوف ابنها لأنها من شهور مش قادرة نروح له …” ليتوجه بعدها في الصباح إلى المحكمة ، متذكرا آمال الأسر التي تنتظر “الفرج” لأبنائها على يديه ، والعشرات الذين يصطفون على الكراسي للاستماع إلى مرافعته التي يتطلعون إلى أن يقتنع بها القاضي ويخلي سبيل ذيهم الأبرياء . 

ومن المحكمة إلى قسم الشرطة لإنهاء بعض الأوراق الخاصة بموكليه ، وتوصيل زيارات لم يتمكن الأهالي من إدخالها لأبنائهم . 

وفجأة يفاجأ “محمد” بإلقاء القبض عليه ، بسبب دفاعه عن المظلومين ، ومطالبته التي لم تتوقف بالإفراج عن الأبرياء الذين اعتقلتهم قوات الأمن دون ذنب إلا أنهم يطالبون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية ، وهي المطالب التي راح في سبيلها المئات في ثورة يناير ، والآلاف فيما بعدها . 

وبعد الصدمة يصبح “المحامي” أحد المتهمين في قضية لا يعرف عنها شيئا ، وينضم إلى طابور طويل من المتهمين الذين يصطفون كل 15 يوم أمام وكلاء نيابة وقضاة يجددوا حبسهم دون النظر في الأوراق التي تعب زملاء “محمد” في إعدادها للمطالبة بإخلاء سبيله وبقية المتهمين . 

عقب الانقلاب لم يعد هناك من هو في مأمن الاعتقال طالما لم ينضم إلى “جوقة الطبالين” ، حتى المحامين الذين يعطيهم القانون حصانة ليتمكنوا من الدفاع عن موكليهم . حيث طال الاعتقال الجميع ، وانتقل أصحاب الأرواب السوداء من أمام منصة القاضي إلى خلف الأسوار . 

واليوم ، الأربعاء ، اعتقلت قوات أمن الانقلاب أحدث المحامين في سلسلة إرهاب المحامين ، حيث ألقت القبض على “شاكر محمد شاكر” من على رصيف محطة القطار ، بعد قدومه إلى مسقط رأسه بمحافظة أسيوط ، واقتادته إلى مقر الأمن الوطني بالمحافظة . 

وخلال هذا الأسبوع فقط تم اعتقال 7 محامين هم : عيد توفيق من مطار القاهرة ، أثناء عودته من الإمارات ، وإيهاب محمد سيد مقطاف من أمام محكمة بكفر الشيخ ، وعاطف شهاب من أمام محكمة شبين الكوم بالمنوفية ، كما تم القبض على محمد عبد اللطيف من الجيزة ، بالإضافة إلى طه عبدالمؤمن الذي تم القبض عليه من محكمة البدرشين ، وتم إخلاء سبيله بعد ذلك ، وكذلك وجدي جلال من بشتيل بالجيزة ، والذي عرض على النيابة وتم إخلاء سبيله . 

وشهد هذا الأسبوع أيضا منع المحامي مالك عدلي من السفر . 

وكان محامون دوليون وجمعيات قانون، سلموا رسالة في وقت سابق إلى قائد الانقلاب ووزارتي العدل والخارجية ونقيب المحامين وسفير مصر بالأمم المتحدة، بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حول الانتهاكات تجاه المحامين في مصر.

ودانت الرسالة، استمرار اعتقال واحتجاز مجموعة من المحامين لأسباب تتعلق بأداء وظائفهم المهنية، معربين عن قلقهم لزيادة أعداد القبض في صفوف المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان واحتجازهم لفترات طويلة دون محاكمة.

وأشارت الرسالة إلى أن الحبس الاحتياطي يستخدم كإجراء عقابي قبل المحكمة، معربين عن قلقهم من عدم وجود أعداد رسمية معلنة لعدد المحامين المحبوسين.

وأكدت الرسالة أن اعتقال واحتجاز المحامين من قبل السلطات المصرية أصبحت تشكل ظاهرة وخرقا لاتفاقات مصر الدولية والدستور فضلا عن كونها اعتداء على سلامة النظام القضائي المصري وسيادة القانون.

وطالبت بوقف الاعتقالات للمحامين لأسباب تتعلق بأداء وظائفهم المهنية، وسحب جميع الاتهامات الجنائية ضد المحبوسين منهم، وإطلاق سراح المحامين المحتجزين، والعمل على ضمان الحماية الكاملة دون مزيد من الترهيب والمضايقة والاستجابة لطلب المقرر الخاص المعني باستقلال القضاء والمحامين بالأمم المتحدة لزيارة مصر.