خطة “تبريد” الثورة.. إرادة السيسي في مواجهة الثوار
يراهن معسكر الإنقلاب في مصر، منذ عامين ونصف، على كسر إرادة الثورة لدى الطليعة الثورية في داخل الشعب المصري، مستخدما استراتيجيات تبريد الثورة وإطفاء نار الثوار من أن يحدثوا شقا يمكن الشعب في أن يتحرك معهم لزيادته والتخلص من عصابة العسكر، بالمقابل يراهن الثوار على استمرارية ثورتهم وإكسابها زخما جديدا وإكتساب مناطق جديدة مع استغلال عامل الزمن في كشف زيف الإنقلاب وتخلي أصدقاؤه عنه وفشله في إدارة ملفات الدولة الاقتصادية منها بشكل خاص.
ومبكرا بدأ يتردد مصطلح “تبريد الثورة” قاصدين به المط والتطويل حتى يكون الأمر مملا، فيضعف الغضب الثوري بما لا يمكن من الانفجار الذي بموجبه يضغط على تلبية المطالب، وبما يجعل الناس يسارعون بالقفز إلى الظل مجددا تحت شعار المظاهرات أفقدتنا الكثير.
التبريد بالسماح
وتمر مراحل التبريد؛ بالسماح للتكتلات الثورية بالوصول لأقصى درجة غليانها في محيط محدد ويمكن احتواءه من قبل يد العسكر الباطشة، وهي نفسها الدرجة التي تعلمت منها تلك التكتلات أن العودة لها ستقابل بأعلى درجات القمع وهو القتل والإخفاء القسري والتعذيب حتى الموت.
فبعد 4 سنوات من مجزرة بورسعيد يسمح العسكر من خلال مجالس إدارات الأندية الموالية للعسكر بتنظيم احتفال يحضره أسر شهداء الأولتراس في المجزرة وآلاف من شباب الاولتراس في ستاد التتش القريب من ميدان التحرير وإن كان في جزيرة يمكن تطويقها، وميهتف الشباب ضد طنطاوي وكلاب العسكر على خلاف المرسوم لهم مع تفاعل جماهيري وإداري ومن اللاعبين الذين حضروا الاحتفالية.
إجراء السماح يقع في إطار تفريغ شحنة الثورة لدى تكتل التراس “ريد ديفلز” يمكن أن يماثله إجراء ممثل مع شباب التراس “وايت نايتس”، كما يمكن أن يكون في إطار بالونات الاختبار عن عمق وتجذر الدماء في عقول أصدقاء الشهداء والمنتمين للنادي الأحمر.
أما فعل التبريد فكان من خلال استعطاف السيسي لشباب الأولتراس ودعوتهم للمشاركه في لجنة تحقيق لضحايا مجزرة استاد بورسعيد، باختيار 10 من بينهم ليكونوا ضمن لجان تحقيق قضائه الشامخ، متناسيا مشاركته الشخصية وقواته في عشرات المجازر بدءا من موقعة الجمل وليس انتهاء بتصفيات شقق المطاردين من رافضي الإنقلاب العسكري مرورا بمجزرة الحرس الجمهوري، والمنصة والنهضة ورابعة العدوية، ورمسيس الاولى والثانية، وميدان المطرية، وفي كل الأحوال المتهم جاهز فمن قتل ثوار يناير في موقعة الجمل وما بعدها هم الثوار أنفسهم على حد قول مرتضى منصور ولميس جابر، وكذلك يتوقع ألا تخرج مجزرة بورسعيد عن نفس المتهم المزعوم!.
التبريد بالثوار
من طرق تبريد الثورة الحديثة كسر الرموز الثورية أخلاقيا، وتحطيم الإيقونات المتبقية ويتم ذلك من خلال بث تلك روح “مفيش فايدة” على لسان من تعارف عليهم الشباب بأنهم صانعي الثورة، تماما كما حدث مع سعد زغلول، وكمثال لذلك في ثورتنا؛ كتب الكاتب الأمريكي اليهودي توماس فريدمان مقالا قبل أيام عن وائل غنيم أدمن صفحة “كلنا خالد سعيد” عبر فيه عن حسرة وائل غنيم من (ضياع الثورة)، بكلمات وائل غنيم نفسه يقول فيها: “للأسف نشوة الفرحة تبخرت، لأننا فشلنا في الالتفاف حول قضية واحدة، وعصفت بنا التحديات السياسية فقادتنا إلى حالة من الاستقطاب، وساهم الإعلام الاجتماعي في تأصيل الاستقطاب، حيث كان له دور ف تسهيل نقل الشائعات والمعلومات المغلوطة بصورة سممت البيئة السياسية في مصر”.
مع وضع أسفين متجدد بين الشباب وبين وسائل استخدموها من قبل في إنجاح ثورتهم ولكنها لم تعد تجدي نتيجة فيقول وائل “تحول عالمي الإليكتروني إلى ساحة مواجهات مٌلأت بالكراهية والأكاذيب وسط حالة من الترقب وتصيد الأخطاء، فمؤيدي الجيش والإسلاميين كلاهما استخدم الإعلام الاجتماعي لتشويه الآخر، وتم تهميش الديقمراطية التي قامت الثورة من أجلها”.
منطق النمرود
يستخدم الطغاة نفس المنطلقات أحيانا لتحقيق مجموعة من الأهداف تتعلق بإظهار قدرتهم في التحكم بالأمور فهو من يقتل، ويسجن، ويحكم بالأعدام ويلغي الأحكام، إضافة إلى استغلاله الترغيب المتمثل في إطلاق سراح السجناء والغاء الأحكام في تبريد الثورة، ودب الخلافات والانشقاقات بين الثوار، وإشاعة التخوين بين الصف الثوري، وتحسين طفيف لصورة النظام امام الغرب لجلب المساعدات أو إقامة العلاقات.
وقبل أيام، اعتبر سياسيون ومحامون مصريون ل”الجزيرة” أن إلغاء أحكام الإعدام في أحداث مكتب الإرشاد، وإلغاء أحكام إعدام 149 شخصا في أحداث كرداسة؛ وإلغاء أحكام الإعدام في قضية ما يعرف بغرفة عمليات رابعة ومن قبلهما قضية الاتحادية، سعيٌ من النظام الحاكم للتصالح مع الإخوان المسلمين على بعد أيام من الذكرى السنوية لثورة 25 يناير، وبمثل تلك العناوين إلى تحقيق جانبا من أهدافه، غير أن الهدف الأكبر يتمثل في تبريد الإخوان عند وضعهم الحالي باستخدام خبراء ومحللون من عينة يسري العزباوي الباحث بمركز الأهرام للدراسات والمتحدث الدائم مع الجزيرة على أنه يمثل “النظام” الإنقلابي، فيقول مستبعدا :”لجوء النظام الحاكم إلى إجراءات أخرى إذا رغب في إبقاء الإخوان داخل السجون، إذ يمكن اتهامهم بتهم أخرى يحاكمون بها بحيث يدرجون على قائمة الإرهاب”، متوقعا أن يكون “إلغاء أحكام الإعدام مقدمة لصدور أحكام خفيفة على أعضاء الإخوان”.
التبريد بالتعليق
“فلا تذروها كالمعلقة” هكذا تحدث ربنا عن أخلاقيات اجتماعية، وبعكس الأمر الرباني يستغل الإنقلاب البغض الفطري من الحكومات الغربية تجاه الإسلاميين والإخوان المسلمين في القلب منهم، محاولا من خلال الذراع الإماراتي المؤثر في الملف الخارجي للإنقلاب بشكل الدعم الخططي أو اللوجستي، تشكيل ضغط على الإخوان المسلمين لكي يسيروا في إتجاه معين.
الحكومة البريطانية عبرت عن ذلك في تقريرها الأخير والوحيد عن الإخوان المسلمين في الربع الرابع من العام 2015، وقالت إن “الارتباط بالأخوان مؤشر محتمل عل التطرف لكن الجماعة لن تُحظر، بحسب البي بي سي.
خطوة ديفيد كاميرون هي أولا لإرضاء الإمارات التي باتت تتخذ مواقف عدائية تجاه الجماعة، حتى قبل الإنقلاب، ثم الخطوة يقصد بها توجيه الإخوان المسلمين نحو مسار معين يؤدي في النهاية للمهادنة، بسبب إعتبار الإخوان رغم ما هم فيه من مواجهة للنظرة الأخلاقية لهم من قبل الغرب، وفي التقرير ظلم بيّن بحقهم، ومن ثم تبريد الثورة في مصر (هذا هو تفكير أصحاب القرار في الحكومة البريطانية)، “يعني محاولة نزع أنياب الإخوان وإفقادهم قوتهم التي يمتلكونها” بحسب آيات عرابي.
التبريد بالتضخيم
ينفخ إعلام الإنقلاب في المناسبات الثورية وهو يعلم أن حجم الحراك غير مماثل لحجم الانفجار الذي تحقق في ثورة 25 يناير، وتحديدا في 28 يناير، بسبب تصاعد القمع والضرب بالرصاص الحي من 400 ألف جندي نشرهم السيسي في عموم البلاد نصفهم في ميادين القاهرة.
ويعتمد إعلام الانقلاب على المبالغة وإظهار الخوف والإرتعاد من 25 يناير وهو ما يصل بطبيعة الحال لمعسكر الثورة بفصل السوشيال ميديا التي تنشر خطاب إعلامييهم وهم يحذرون من النزول في التحرير وإلا الضرب بالنار الحي، كما ركز على ذلك مصطفى بكري وأحمد موسى وغيرهم والإيحاء بأن 25 يناير هي نهاية العسكر وأم المواجهات، وهو خطاب يهدف دون شك إلى رفع سقف الآمال لدى معسكر الثورة، إلا أنه يستهدف الروح المعنوية عبر سلسلة المبالغات.
صناعة المسارات
فكر أحد الحاخامات يوما لرجل يسكن وزوجته وحماته وأبنائه السبعة في غرفة واحدة بها سرير وكنبة ولا تسع شيئا آخر والمشكلات تتصاعد فيما بين الأبناء والزوجة والحماة بفضل ضيق المكان فاوصاه الحاخام بأن يضيف كنبة أخرى ويرى ماذا سيتم فزادت المشكلات لأعلى حد، فذهب إلى الحاخام ثانية فقال له ماذا أفعل؟ فنصحه الحاخام أن يزيل الكنبة التي أضافها ثم مر اسبوع وسأله هدأت الأمور قال نعم.
يستخدم الإنقلاب نفس الفكر الصهيوني في صناعة أزمات وصياغة مبادرات وإيهام الشارع الثوري بإن مجموعات مسلحة من غير أنصار الشرعية ستنزل لتواجه النظام في 25 يناير وأن النظام منقلب على نفسه، وأن صراع الأجنحة في تصاعد ويشغل الثوار في قضايا هامشية غير قضية الثورة والحشد والمشاركة مثلما شغلهم بأحكام تتعلق بإعادة النظر في قضية رئاسة 2012، وإحتمالات عودة الجنرال شفيق.
إضافة لصناعة مناخ مواز بادواته من برلمان وشرطة وقضاء، بما يمكنه من شغل الرأي العام بعيدا عن الانضمام للثورة ولعل تصريح هشام جنينة بانه لن يرد على اتهامات وجهت له بسبب استعدادات الدولة ل25 يناير خير دليل على ذلك.
مراهنة الثوار
راهن الإنقلابيون والعسكر على مدى 5 سنوات حقيقة على تبريد الثورة، وفي كل مرة يخرج الشعب عندما يتاح له ذلك فيؤيد بنعم للاستفتاء على الدستور ويمنح الثقة لبرلمان منتخب بغرفتيه شعب و شورى، ثم يختار الدكتور مرسي المرشح البديل للثورة ويعود فيعطي الدستور 64 % من اصواته للدستور وبالتالي فإن الدكتور أحمد البيلي كانت له مقولة قبيل الإنقلاب “فإن توفر فرصة للشعب للتعبير عن رأيه لن يقف عرضه لابتزاز العسكر، ولن يسمح بسرقة الثورة، دروس التاريخ علمتنا أن الساعة الذي يبلغ فيها الباطل ذروه قوته ويستخدم كل أسلحته ويبلغ الحق فيها أقصى محنته هي الساعة التي تسبق انتصار الحق وبزوغ الفجر”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …










