‫الرئيسية‬ أخبار وتقارير أسباب انتشار الإعلام المصري بعد 25 يناير وانحساره بعد 30 يونيو
أخبار وتقارير - أكتوبر 24, 2015

أسباب انتشار الإعلام المصري بعد 25 يناير وانحساره بعد 30 يونيو

“الأزمة التي يعيشها الإعلام المصري حاليًا تُظهر فشل كل الجهود والآمال التي انتعشت بعد ثورة 25 يناير في إصلاح منظومة الإعلام الحكومي والخاص ليصبح أكثر مهنية واحترافية وحرية»، تلك هي النتائج التي خلصت إليها دراسة أجراها مركز «الجزيرة للدراسات»- حول الأوضاع المتردية التي تحاصر الإعلام منذ انقلاب 3 يوليو والتي اعتبرها المراقبون الأسوأ في تاريخ مهنة البحث عن المتاعب.

وأوضحت الدراسة التي أجراها شحاتة عوض -الباحث في العلوم السياسية- أن الواقع العسكري في مصر يفرض على الرأي العام نظرية الأزمة المالية الطاحنة والتي أسفرت عن توقف وإغلاق العديد من الصحف والقنوات وتشريد عشرات العاملين في بلاط صاحبة الجلالة، إلا أن المأساة تتجاوز حدود الضائقة المادية لتكشف الستار عن العديد من الأزمات التي تحاصر الإعلام وتنذر بتفاقم الأزمة.
وأشار عوض إلى أن أزمة إصلاح منظومة الإعلام والتي كانت واحدة من مطالب ثورة يناير، تعود في جزء كبير منها إلى غياب الإرادة السياسية اللازمة في ظل قناعة راسخة للأنظمة المتعاقبة بأهمية السيطرة على الإعلام وجعله خادمًا لمصالحها.
وكشفت الدراسة الحالة العامة للصحافة على الوجه الخصوص منذ الانقلاب، والتي ترفع لافتة المرور بأزمة مالية لدرجة باتت تُهدِّد بتوقف نشاطها بشكل جزئي أو كلي، ولم يعد خبر إغلاق فضائية هنا أو تقليص نشاطها، أو توقف صحيفة ما عن الصدور، أمرًا يثير الرأي العام مع تكرار هذه الأخبار، خاصة بعدما طالت العديدَ من وسائل الإعلام ما اضطر بعضها لتسريح العديد من العاملين فيها وتقليص خريطتها البرامجية.
واعتبرت الدراسة أن مبرر الأزمة المالية ليس سوى رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته جوانب أخرى للمأزق الذي تمر به صناعة الإعلام في مصر حاليًا؛ حيث إنها أزمة متعددة الأبعاد سواء كانت هيكلية وتنظيمية وقانونية واقتصادية، فضلاً عن تراجع المعايير المهنية الإعلامية لدرجة أدَّت لانصراف قطاعات واسعة من الجمهور عن متابعة وسائل الإعلام.
وشدد عوض على أنه لا يمكن النظر إلى هذه الأزمة بمعزل عن المناخ السياسي العام الحالي في مصر، ولا سيما في ظل التضييق على الحريات الصحفية والإعلامية والقيود الكثيرة التي فُرِضت على وسائل الإعلام منذ ما بعد 30 يونيو، وانعكاس ذلك على مستقبل الإعلام كصناعة أو كأحد آليات التحول الديمقراطي والرقابة على السلطة.
ولفتت الدراسة إلى أن السيطرة على الإعلام هي آفة العسكر منذ ثورة 23 يوليو، حيث كان الإعلام في مصر قبلها مملوكًا في معظمه للقطاع الخاص سواء كان صحفًا أو إذاعات، لكن نظام عبدالناصر قام بتأميم الصحافة بالكامل؛ وتم وضعها تحت سيطرة وإشراف السلطة، وهى الهيمنة التي استمرت حتى مطلع الألفية الجديدة قبل أن تتحرر نظريا مع إطلاق نايل سات، إلا أن الخيوط بقيت في يد السلطة الحاكمة والتي عادت لتحتكم المشهد بشكل كامل من جديد.
وتابعت: “لكن العلاقة بين الإعلام الخاص والسلطة، سواء قبل الثورة أو بعدها, اتسمت دائمًا بحالة من الشدِّ والجذب وبطابع التربص والتوتر، فبينما سعت وسائل الإعلام لتوسيع هامش حريتها ومحاولة تقديم مُنتَج لا يجرؤ الإعلام الحكومي على تقديمه، وطرح قضايا وملفات شائكة وإفساح المجال لكل الآراء، فإن السلطة سعت دائمًا للهيمنة على هذا الإعلام وتطويعه لخدمة أهدافها وسياساتها”.
وشددت الدراسة على أن هوامش الحرية بقيت مُقيَّدة بخطوط حمراء لا يمكن لأية فضائية أو صحيفة خاصة أن تتجاوزها، لكن هذا الوضع تغيَّر بشكل كبير في أعقاب ثورة 25 يناير؛ حيث فُتح المجال واسعًا أمام الإعلام ليُمارس حريته بصورة كبيرة، وربما بشكل مُفرِط لدرجة تحوَّلت معها هذه الحرية إلى حالة من الانفلات الإعلامي، وتدفق الاستثمار في مجال الإعلام إذ إن عدد الفضائيات التي جرى إطلاقها خلال الأشهر الثلاثة من مارس إلى مايو 2011 بلغ 22 قناة فضائية؛ وذلك وفقًا لتقرير وزارة الاستثمار.
وكشفت أنه مع إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي عقب مشهد 3 يوليو 2013 بدأت مرحلة جديدة كليًّا في مسيرة الإعلام الخاص الذي تحوَّل بشكل كامل لتأييد السلطة الجديدة وحشد الدعم الشعبي لها بينما كثَّف هجومه بشكل هائل على جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، ولم يعد ثمة فارق يُذْكَر بين الإعلام الخاص والحكومي في هذا الأمر، وتحوَّل الإعلام المصري بجناحيه إلى إعلام الصوت الواحد الذي يغلب عليه الطابع التعبوي والدعائي للنظام الجديد.
وأضاف عوض أن المصاعب المالية التي تعصف بالعديد من الصحف والفضائيات الخاصة أحد التحديات التي تواجه سوق الإعلام في مصر حاليًا بعدما ضربت صحف كبيرة فى مقتل على رأسها المصري اليوم والتحرير والشروق، وكذلك الحال في العديد من الفضائيات الخاصة التي تواجه أزمة مالية أجبرتها على تسريح نسبة كبيرة من العاملين، وإلغاء العديد من البرامج حيث قامت قنوات “سي بي سي” و”الحياة” و”أون تي في”، بتسريح العديد من العاملين فيها وتخفيض رواتب من تبقى منهم، كما أغلقت قنوات “سي بي سي-2″ و”المحور-2″ و”دريم 1”.

نزيف الخسائر المستمر لم يعد بمقدور ملَّاك بعض الصحف والقنوات الخاصة من رجال الأعمال تحمُّل نزيف هذه الخسائر لاسيما في ظل تراجع عائدات الإعلانات، وكذلك التراجع الحاد في توزيع الصحف بسبب انصراف المشاهدين والقرَّاء عنها؛ إذ يُقدِّر البعض حجم توزيع الصحف المصرية مجتمِعة حاليًا بنحو 700 ألف نسخة يوميًّا مقارنة بأربعة ملايين نسخة عام 1974، وهو ما يعكس التدنِّي الفادح في توزيع هذه الصحف في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 90 مليون نسمة، وقد استتبع هذا التراجع في التوزيع تراجعًا أفدح في عائدات الإعلانات التي تجنيها هذه الصحف.
وأوضحت الدراسة أنه لا يمكن فصل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الصحف والفضائيات حاليًا عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد عمومًا في ظل التراجع الكبير في حجم الاستثمارات الأجنبية، وتباطؤ الانتعاش الاقتصادي وتوقف الكثير من المشروعات والتضخم الكبير الذي ألقى بظلاله على مشروعات رجال الأعمال من مالكي الإعلام الخاص الذين تأثَّروا بهذه الأزمة، فضلا عن توقف الدعم المالي الخارجي فى ظل انحسارًا كبيرًا في الدعم المالي الخارجي الذي تدفق بشكل كبير إلى سوق الإعلام المصري خلال السنوات الأخيرة.
وأشارت إلى أنه من خلال رصد أسباب ودوافع إنشاء العديد من الفضائيات والصحف الخاصة لاسيما بعد ثورة 25 يناير أن الجدوى الاقتصادية والحسابات المالية لم تكن هي الحاكمة بقدر ما كانت ثمة أهداف سياسية من وراء إنشائها؛ فعلى الرغم من حالة التراجع الواضح في النشاط الاستثماري في مختلف قطاعات الاقتصاد عقب الثورة فإن الاستثمار في مجال الإعلام الخاص بشقيه الفضائي والصحفي شهد تصاعدًا لافتًا خلال تلك الفترة؛ حيث تم ضخ مليارات الجنيهات في سوق الإعلام.
واعتبرت أن الخلل الهيكلي والإداري في مؤسسات الإعلام المصرية الخاصة، سلط الضوء على جانب آخر من جوانب الأزمة التي تمر بها هذه المؤسسات، وهو الجانب الخاص بنمط ملكية الإعلام، والذي يعتبر أحد المداخل المهمة لفهم طبيعة الأزمة التي يعيشها هذا الإعلام لاسيما في ظل التأثير الهائل للمالكين، سواء أكانوا رجال أعمال أو الحكومة، على أداء الوسيلة الإعلامية لرسالتها وعلى سياستها وتوجُّهاتها، حيث أثبت أنه لا يوجد في مصر حاليًا إعلام مستقل بشكل حقيقي.
وأكدت الدراسة أن ما فاقم من هذا الوضع غياب الإطار القانوني والتنظيمي الذي ينظِّم عمل هذا الإعلام ويضبط أداءه ويحدد نمط العلاقة بين الإدارة والتحرير في كل مؤسسة، وهو ما تسبب في حالة الفوضى الإعلامية الحالية وغياب وتدني القواعد المهنية في عمل هذا الإعلام.
واعتبرت أن الدستور رغم المواد والنصوص التى تؤكد على حرية واستقلال الصحافة والإعلام في مصر وتمنع مصادرة أو وقف أية وسيلة إعلامية بدون حكم قضائي، وتزيل الكثير من العقبات القائمة أمام حرية إصدار الصحف وإنشاء القنوات التليفزيونية، إلا أن كل هذه النصوص بقيت حبرًا على ورق حيث اتجهت السلطة لمصادرة وقمع الحريات الصحفية ما ضاعف مأساة المهنة.
وشددت الدراسة على أنه رغم تصريحات السيسي الوردية حول حرية الإعلام وتباكيه على عهد عبدالناصر، إلا أن السلطة بدت أكثر ضيقًا بأي صوت ناقد، وهو ما تمثَّل في تكرار قرارات وقف طباعة الصحف ومصادرتها والتدخل في محتواها، وتكرر هذا الأمر مع صحف، مثل: صوت الأمة والصباح والمصريون والدستور والتحرير والوطن، بل وصل الأمر حدَّ إتلاف نسخ إحدى الصحف بعد طباعتها، وقد دفع ذلك لجنة الحريات بنقابة الصحفيين للتحذير من عودة الرقابة على الصحف وتهديد حرية الصحافة في مصر.
وخلصت الدراسة إلى أنه حين تلتقي الأزمات المالية مع الخلل الهيكلي وغياب الفصل بين الملكية وإدارة التحرير، وحين يجتمع غياب الغطاء القانوني المنظِّم للعمل الإعلامي مع مناخ سياسي تسلطي، فإن المحصلة النهائية المتوقَّعة لكل ذلك هي أزمة المصداقية التي تعيشها وسائل الإعلام حاليًا، والتي كانت نتيجتها انصراف قطاعات كبيرة من الناس عن متابعة ما يقدِّمه هذا الإعلام.
ومن خلال قراءة الأبعاد والجوانب المختلفة للأزمة التي تمر بها صناعة الإعلام الخاص في مصر حاليًا، أخرجت الدراسة نتائج تؤكد أن الأزمة الحالية أكبر من مجرد نقص أو تعثر مالي، بل في جوهرها أزمة متعددة الوجوه بعضها يتعلق بالأسس الاقتصادية التي قام عليها معظم المؤسسات الإعلامية الخاصة، ولا يمكن فصلها عن المناخ العام الذي تعيشه مصر حاليًا، وهو مناخ يتسم بالتأزم والانقسام السياسي والاجتماعي؛ ومن ثم فإن ما يحدث في المشهد الإعلامي ليس سوى انعكاس لهذا المناخ، وهذا يعني أن إصلاح منظومة الإعلام يبقى جزءًا من إصلاح المشهد السياسي العام وتوفير المناخ المناسب والأكثر استقرارًا بما يساعد الإعلام على أداء رسالته.
http://studies.aljazeera.net/ResourceGallery/media/Documents/2015/10/22/20151022111825281734Privatemedia-crisis-Egypt.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …