‫الرئيسية‬ أخبار وتقارير الضرب على “القفا” مؤشر للمقاومة الشعبية للظلم
أخبار وتقارير - أكتوبر 9, 2015

الضرب على “القفا” مؤشر للمقاومة الشعبية للظلم

جددت عودة فيديوهات ضرب إعلاميين رسميين مرافقين لعبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة لنيويورك الجدل الساخر في مواقع التواصل وعلى المدونات حول علاقة “القفا” – مؤخرة الرأس- بالسخرية لدى المصريين، وما يمثله من دلالات على الإهانة، وعلى رد الظلم في الثقافة الشعبية المصرية عبر السخرية.

ويقول مؤرخون إن الضرب بالقفا يعود تاريخه في مصر إلى الدولة العباسية، وزمن الفتنة حينئذ، فيما تنتشر عشرات الأمثال الشعبية حول “القفا”، وأيضا أغان شعبية، أبرزها أغنية “آه يا قفا يا قفا” للممثل محمود عبد العزيز في فيلم “الكيف”.
وتضمن الفيلم جملة قالها بطل الفيلم كمقدمة لأغنية “آه ياقفا” في فيلم “الكيف”، توضح مدى أهمية “القفا” في الثقافة الشعبية المصرية، وفيه يقول: “كلهم بيغنوا للعيون وللرموش مع إن القفا دا مهم جدا.. ودايما مظلوم.. مع انه بيتحمل كتيير قوي”.
وللسخرية، حرف شبان على مواقع التواصل، أغنية سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم “صعبان عليا جفاك”، عبر تعليقاتهم على تويتر لتصبح “صعبان عليا قفاك”.
ويعنى القفا في “معجم المعاني الجامع”: مؤخّرُ العُنُقِ، ويقال: “قَفا الدَّهر: آخره، وقفا كُلِّ شيء: أي خلفه، عكس وجهه، وقَفا العُمْلة: أي سطحها الذي لا يحمل التصميم الرئيسيّ والتاريخ، و”عيناه في قفاه”، أي: منهزم، خائف.
وتعتبر منطقة “القفا” عند المصريين رمزا للمهابة (رفع الرأس) أو الإهانة (الضرب)، وهي “إهانة كبرى” عند الطبقات الشعبية والريفية يقول بعضهم أنه لا يغسلها سوى “الدم” لأنها “مساس بالشرف” والكرامة “وعار”، ويقول مؤرخون أن الضرب بالقفا ينتشر أيضا في أوقات الظلم والبطش معا، حيث يسعي من تعرض للظلم للانتقام بالسخرية ممن ظلمه بضرب القفا، فيما تستغله أجهزة الامن في أوقات البطش.
ويرتبط الضرب على “القفا” في كثير من الأحيان برمزية عند المصريين وليس بالضرورة تنفيذ الشيء عمليا فيقال “ضربونا على قفانا” بمعني “خدعنا”، وفي تاريخ الدولة العباسية نصوصا تربط بين الاضطراب المجتمعي والسياسي وبين عادة الضرب على “القفا”.
وقبل ثورة 25 يناير كان الضرب على القفا هو وسيلة النشطاء لفضح ظلم النظام، عبر بث فيديوهات تبين عنف الشرطة مع المعتقلين، ولكنه تحول بعد الثورة لثأر متبادل بين السياسيين وتعبيرا عن الخلافات، حيث انتشرت ظاهرة الضرب على القفا أو محاولة فعل ذلك بالعديد من السياسيين البارزين والشخصيات العامة، وتطورت إلي ضرب الإعلاميين في الخارج، وهو ما يبدو وسيلة لإهانة السياسي أو الإعلامي المقصود.
أبرز حالات ضرب سياسيين وإعلاميين
•    ومن أشهر الحالات التي انتشرت في صورة فيديوهات لضرب سياسيين، كانت ضرب الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد، على “القفا” خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي في ميدان التحرير عندما دخله للمشاركة في مليونيه “الثورة شعب يحميها”، حيث فوجئ وهو وسط حراسه بشخص مجهول ينهال عليه بالضرب على “القفا” وسط أنصاره ويفر هاربًا وسط الزحام.
•    أيضا تعرض الناشط السياسي أحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل، المسجون حاليا على ذمة قانون التظاهر، لنفس الواقعة من قبل أحد مؤيدي الرئيس السيسي، أثناء تسليم نفسه إلى محكمه عابدين، بعد قرار ضبطه وإحضاره الصادر من النيابة العامة، على خلفيه دعوته الي التظاهر أمام مجلس الشورى، احتجاجًا على قانون التظاهر، دون إخطار الجهات الأمنية.
•    وكان الصحفي والمذيع أحمد موسى، أحد من تعرضوا للضرب علي القفا العام الماضي في أحد شوارع العاصمة الفرنسية باريس، حينما نظم وقفة للجالية المصرية بفرنسا خلال زيارة الرئيس السيسي لباريس ضمن جولته الأوربية، حيث قام أحد الأشخاص المجهولين بضربه على ” قفاه” وفر هاربًا.
•    وتعرض الإعلامي يوسف الحسيني خلال زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لمدينة نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، للاعتداء بالضرب بالقفا وألفاظ نابية، مرتين متتاليتين على مدار يومين، ما دفع الخارجية المصرية للاحتجاج لدي شرطة نيويورك.
•    أيضا تعرض ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، المقرب من جماعة الاخوان المسلمين، لنفس الواقعة أمام مبنى نقابة الصحفيين أثناء فتحه باب سيارته، من قبل أحد المجهولين.
•    كما قام أحد أفراد رابطة “وايت نايتس” بالاعتداء بالضرب على القفا ايضا علي المستشار مرتضي منصور، رئيس نادي الزمالك، أمام النادي وإلقاء أكياس فضلات عليه، بسبب عدائه مع رابطة مشجعي النادي ودعوته الشرطة للقبض عليهم.
•    وفي 4 أغسطس 2013، وفي ذروة الفوضى في ميدان التحرير، تعرض الشيخ الأزهري محمود شعبان، صاحب المقولة الشهيرة “هاتولي راجل”، لواقعة مماثلة، وذلك أثناء مروره بسيارته بالقرب من ميدان التحرير، ليوقفه عدد من معارضي الرئيس السابق مرسي، واحتجزوه بإحدى الخيام لمدة 4 ساعات، ثم ضربه أحد الأشخاص على قفاه.
•    أيضا تعرضت الراقصة سما المصري التي رشحت نفسها لانتخابات البرلمان الحالي للضرب على مؤخرة رأسها، حيث قام أحد المواطنين بضربها بـ “القفا” عند اقتيادها لقسم الشرطة، في قضية غلق قناة “فلول”.
•    وسبق أن كتب الصحفي المصري الراحل محمود السعدني يقول أن “ضابطًا رقيعاً في سجن الفيوم قام بلزقي علي قفاي، ما أثار أزمة بينه وبين الصحفي الراحل جمال بدوي رئيس تحرير صحيفة الوفد.
حيث كتب جمال بدوي: “تنكدت غاية النكد حين قرأت أن محمود السعدني تعرض للصفع على قفاه، وهممت أن أكتب برقيات استنفار إلي نقابة الصحفيين واتحاد الكتاب وجمعيات حقوق الإنسان احتجاجاً علي ما أصاب الزميل من إهانات لا تغتفر لولا أنني تسمرت عندما وجدت الأستاذ يشيد بهذه الإهانات المزرية ويستحسنها ولا يجد أي غضاضة في اللزق علي قفاه ويصف الضابط الذي ضربه علي قفاه في معتقل الفيوم «بأنه رقيع وحليوة ورشيق ويتقصع في حديثه حبتين”.

ولم يصمت السعدني وكتب تحت عنوان «القفا في خدمة الشعب»: لا أعرف من أين استنتج الأستاذ جمال بدوي أن العبد لله تلذذ بهذا اللزق علي القفا، وأنني فخور به إلي الدرجة التي أباهي بها الآخرين، وأضاف: “ونحن في السجن نلزق علي أقفيتنا، خصوصًا وأنت من جيل العبد لله.. فلماذا لم تكتب سطراً واحداً يا أستاذ جمال عن عمليات التعذيب؟!.
أمثلة شعبية على ضرب القف

وتنتشر أمثلة شعبية مصرية عن “القفا” منها ما يرمز للكرامة مثل: “اصبر على الجوع والجفا، لكن كله إلا ضرب القفا”، ومنها ما يرمز لسوء السلوك مثل: “في الوش مراية وفي القفا سلاية”، عمن يتحدث في غيابك لا يتحدث عنك بكل سوء.

كما يُقال “خدنا أيه من وشك عشان تدينا قفاك”، للسخرية من المغبون، و”شايفني مختوم على قفايا” للتدليل على صعوبة خداع الاخرين.

و”الراجل ده قفا” دلالة علي أنه شخص إمعه و«أديله علي قفاه» و«الواد ده قفاه مغري» و«اللي النهاردة ماتحتجش وشه بكره تحتاج قفاه» و«هجيبه من قفاه و«علي قفا مين يشيل» و«رجع قفاه يقمر عيش» و«سيب حبيبك علي هواه.. ولما ييجي اديله علي قفاه» و «لولاك يا لساني ما انسكيت يا قفايا».

و«وشك للحيط وقفاك ليا» التي يعرفها أغلب طلاب مدارس مصر.

الضرب على القفا في السينما
وتمتلئ مكتبات وشرائط السينما المصرية، بمشاهد الضرب على القفا في الأفلام والمسلسلات المصرية، أبرزها فيلم “الفتوة”، للفنان الراحل فريد شوقي الذي كان بدايته ضربًا للقفا ونهايته كذلك، كذلك الأمر ما حدث في فيلم “البريء” من ضرب المعتقلين على القفا وضرب الجندي “البريء” أيضا في قريته كدلاله على ضعفه.

وفي مشاهد تمثيلية عديدة كان يظهر كل رئيس عصابة وهو يضرب “صبيانه” علي القفا، كما ظهر عدد كبير من الفنانين وهم يتعرضون للضرب علي «قفاهم» في الأفلام.

القفا في علم نفس
ويرجع دكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، دلالة ضرب “القفا” إلى “ضعف الشخص المضروب ووصمه بالضعف، وكأنه لا ظهر له أو أخذ على خوانة”.

ويؤكد دكتور “عبد الله” أن تعدد مستويات الإهانة يجعل الشخص يتقبل مستوى أدنى من الإهانة في سبيل عدم التعرض للمستوى الأعلى، مشيرا إلى أن المواطن المصري يعيش في الوقت الحالي حالة بائسة سببها لا يرجع فقط للحكومة الحالية أو الوضع الاقتصادي فحسب، بل يعتمد على مفاهيم وأوضاع اجتماعية خاطئة.

وتقول الدكتورة فيفيان أحمد أستاذة علم النفس في تصريحات لصحف مصرية: “إن الضرب علي القفا له تأثير نفسي كبير في سلوك الإنسان بصفة عامة، فالأطفال إذا تعرضوا للضرب علي «قفاهم» تحدث لهم عقد نفسية لذلك يجب الابتعاد عن هذا النوع من العقاب، لأن الأطفال يتأثرون به بدرجة كبيرة ويظل في ذاكرتهم، أما الشباب فضربه علي قفاه يجعله أكثر ميلاً للعدوانية خاصة إذا لم يستطع أن يسترد حقه ممن ضربه لذلك يجب إصدار قانون يجرم الضرب بهذه الطريقة مثلما حدث في أستراليا”.

وتضيف د. فيفان قولها: الضرب على القفا يسبب اضطرابات في الخلايا العصبية المتحكمة في مراكز الإبصار الموجودة في قاع المخ وبالتالي إذا تم ضرب شخص علي قفاه فإن ذلك يتسبب في حدوث انفصال شبكي يبدأ «بزغللة» وينتهي بفقدانه بصره، لذلك ربما يكون الضرب علي العين «أرحم» من الضرب علي القفا، وكلاهما كارثة يجب التصدي لها بكل الوسائل الممكنة.

ويقول الدكتور على ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن “القفا من خصوصيات الثقافة المصرية البحتة، حيث قابل المصريون قصور هذه المنطقة عن الدفاع باعتبارها إهانة كبيرة حتى يتجنب المساس بها”.

وتروي بعض كتب التاريخ عن فترة الدولة العباسية عبارة تقو: ” وفي يوم عاشوراء عام (421هـ / 1030م) أغلق أهل الكرخ أسواقهم وعلقوا المسوح على دكاكينهم وقام البعض بتزوير العملات، وكثر الاستقفاء (أي الضرب بالقفا في الشوارع) وفتح الدكاكين وعمل العملات ليلاً”، وذلك للدلالة على الصراع السني الشيعي في الدولة العباسية وانتشار عادة الضرب على القفا على المستوى الشعبي بين الطرفين امعانا في الإهانة والإذلال.

ولقي الاعتداء على الإعلاميين المصريين في نيويورك مؤخرا بالقفا ردود أفعال مختلفة على مواقع التواصل.
https://twitter.com/hala_moo/status/649069545844572160
https://twitter.com/Meid0o/status/649186426668642304
https://twitter.com/AbdelMAbdalla/status/649178527749812224

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …