‫الرئيسية‬ عرب وعالم مدفع رمضان في القدس إرث إسلامي يقاوم سياسات الاحتلال
عرب وعالم - يونيو 18, 2015

مدفع رمضان في القدس إرث إسلامي يقاوم سياسات الاحتلال

مع اقتراب موعد رفع أذان الفجر أو أذان المغرب في مدينة القدس يترقب المقدسيون صوت ذلك الانفجار الذي يهز أرجاء المدينة.. انفجار يؤذن ببدء الإمساك أو الإفطار… وصوت لا بد من سماعه ليؤكد معلما من معالم المدينة في شهر رمضان وهو متوارث منذ رمن العثمانيين.

مدفع رمضان المقدسي الذي تنطلق منه كرة النار أو القنبلة لتنفجر في سماء المدينة يقع في مقبرة باب الساهرة مقابل البلدة القديمة، وهو يحمل حكاية طويلة لا تنتهي عند انفجار القنبلة فحسب بل هو مجموعة من التحضيرات والإجراءات التي ورثها المواطن المقدسي “رجائي صندوقة” عن أجداده لتنقلها الى أولاده وأحفاده.

وحفاظاً منه على تراث مدينة القدس التاريخي وحفاظاً على هويتها الإسلامية يقوم “صندوقة” بإطلاق مدفع رمضان في تقليد يعود لأكثر من مئة وعشرين عاماً مضت، وهي مهمة ليست سهلة وشاقة اضافة لما يتحمله من مسؤولية، فيتوجب عليه الحصول على تصريح من قبل بلدية الاحتلال وخبير المتفجرات والأمن والشرطة لمواصلة ضرب المدفع.

رجائي صندوقة، سيترك عائلته كالمعتاد، وسيرابط عند “مدفع رمضان” في مقبرة باب الساهرة في شارع صلاح الدين، حتى ينتظر الدقيقة والثانية كي يطلق المدفع في أول يوم من أيام الشهر الفضيل.

منذ أكثر من 25 عاما وصندوقة صامد في وجه سياسات الاحتلال التي تحاول بشتى الطرق منعه من إتمام هذه المهمة أو استمرار العمل بها، فكل عام تأتيه شرطة الاحتلال بحجة جديدة، إما بالترخيص، أو الدورات التدريبية لإطلاق المتفجرات، أو المادة المسموحة وغير المسموحة، لكن صندوقة يثبت في كل مرة بأنه قادر على مواجهتهم لأجل إسعاد المقدسيين بما تبقى لهم رغم عربة التهويد السريعة.

مضايقات الاحتلال

في جولة لـ “قدس برس” مع صندوقة، قال “أعلم أن مهمتي وعملي هذا يحرمني من عائلتي والإفطار معهم، لكن في الوقت ذاته أكون سعيدا بأن المقدسيين ينتظرون سماعه، وحتى المؤذنين أيضا، ما إن يسمعوا جميعا صوته حتى تسمع الآذان يصدح في جميع مساجد القدس إيذانا بموعد الإفطار”.

ويضيف أن سلطات الاحتلال تضيق الخناق عليه بشكل كبير، لردعه عن هذا العمل، فالعملية لم تعد كالسابق، موضحا “كنت أستخدم مادة البارود مع أنها كانت تأخذ وقتا وجهدا، إلا أنها اليوم بسيطة، فسلطات الاحتلال منذ عام 2001 منعتني من استخدام تلك المادة”.

وأضاف “سيارة خاصة وشخص متخصص وحراسة مشددة يجتمعون من أجل إحضار المادة المستخدمة في عملية إطلاق المدفع” بالإضافة إلى عدد من الإجراءات التي تقيد “صندوقة” ويجب أن يقوم بها بشكل إجباري، كالاتصال في مركزي شرطة لإعلامهم بموعد الإطلاق بالدقيقة، وبعد الانتهاء من العملية عليه الاتصال بهم مرة أخرى، ويشير إلى أن شرطة الاحتلال تمنع أي أحد بمرافقته، وعليه أن يفتح باب المقبرة ويغلقه دون وجود أحد، وهناك مراقبة وحراسة من قبل الاحتلال، حيث أن مركز شرطة صلاح الدين قريب جدا من المقبرة.

ويوضح أن عملية إطلاق المدفع كانت تحتاج إلى تصريح واحد فقط مما تسمى “وزارة العمل” ويصدقها خبير متفجرات إسرائيلي، أما الآن فيحتاج إلى 7 تصاريح من مؤسسات احتلالية مختلفة.

بدأ في العهد المملوكي

فكرة مدفع الإفطار في رمضان، بدأت في العهد المملوكي حينما جاء المدفع كهدية للسلطان “خاشقجي”، حسب الروايات، قيل إنها كانت في فترة رمضان، حيث قاموا بتجربته فسمع دويه جميع الناس، فقدموا إلى السلطان في اليوم التالي وشكروه حيث اعتقدوا بأن صوت المدفع هو لإعلامهم بموعد آذان المغرب والإفطار.

يذكر أن مدفع رمضان في مدينة القدس المحتلة، يطلق مرتين عند الفجر والمغرب، وتمنع شرطة الاحتلال أي أحد من دخول منطقة المقبرة في هذا الوقت مع وجود مراقبة وحراسة مشددة من جميع الجهات.

وفي لقاء آخر مع (وكالة معا) قال صندوقة: “طُلب مني الالتحاق بدورة لنيل تصريح بالعمل، وبالفعل توجهت لتلقي الدورة واصطحبت معي اثنين من أولادي ليبقى ضرب المدفع متوارثاً لعائلتنا منذ زمن العهد العثماني وحتى الآن، وقد حصلت على تصريح مواصلة عمل ضرب المدفع لي ومن بعدي ولدي نبيل ورأفت، ويجب تجديدها كل 5 سنوات”.

وأضاف “معظم أيام شهر رمضان أواظب على ضرب المدفع بنفسي، وفي أيام خاصة وظروف معينة يتوجه أولادي لضربه وقت الإفطار (بالتزامن مع آذان المغرب)، لكن وقت الإمساك (آذان الفجر) أصر على ضربه بنفسي فالمقبرة موحشة ولها رهبة”.

وكغيره من الناس يرغب “صندوقة” بأن يفطر مع أفراد أسرته على سفرة الإفطار ليشعر بشهر رمضان الفضيل، كما يحب تناول طعام السحور بينهم، لكنه يستبدل ذلك بساندويشات تعدها له زوجته ليتناولها بالسيارة بعد ضربه للمدفع، ويقول :”أتناول السندويشات الخفيفة في السيارة بعد ضرب المدفع مساء وقبله وقت السحور، ولدى وصولي إلى المنزل يكون الجميع قد أنهى إفطاره، ورغم ذلك أشعر بالفخر والسرور لأني أحافظ على التراث الإسلامي في القدس”، ويعتبر صندوقة أن عمله هو رسالة عظيمة يقدمها لأهالي المدينة المقدسة، وثروة كبيرة رغم ما يعانيه من تعب وإرهاق طيلة أيام الشهر الكريم.

ويوضح صندوقة أنه كان وأشقاؤه يذهبون مع والدهم إلى المقبرة ويشاهدونه أثناء ضرب المدفع، وفي أحيان كانوا يتوجهون لضربه بعد تقدمه في العمر، مشيرا إلى أنه تعرض وشقيقه للاعتقال قبل 25 عاما، بينما كانا يضربان المدفع، بحجة عدم حوزتهما لتصريح، حيث كان التصريح حينها مع والده فقط، وردت الشرطة بأن والدي هو الشخص الوحيد المخول بضرب المدفع، ويقول:” ثم حولت التصريح باسمي وأصبحت منذ ذلك الوقت أعمل بمفردي على ضرب المدفع، ومؤخرا أصبح ولدي يشاركونني بذلك”.

وأشار إلى أن المدفع كان يضرب في عدة مدن فلسطينية (نابلس وبيت لحم ورام الله)، لكن بالتسعينات توقف المدفع لمنع الجهات الإسرائيلية استخدام مادة البارود، وكذلك بالقدس لم يضرب مدفع رمضان 18 يوما، وقال:”إصرارا مني على بقائه ومن خلال الضغط الإعلامي تم إرجاع المدفع، ولكن استبدلت مادة البارود بالقنبلة الصوتية”.

وأضاف “أنه كانت توضع القنبلة الصوتية داخل المدفع، لكن في العامين الآخرين رفضت بلدية الاحتلال استخدام المدفع، بحجة الحفاظ على سلامة المواطنين، ووضعت صندوقا أسود بين القبور، ويضع يوميا داخل الصندوق قنبلة الصوت ثم يطلقها في السماء”.

وأشار إلى أن رجال الأمن يحضرون يوميا إلى المقبرة ومعهم قنبلة الصوت قبل آذان الفجر وموعد آذان المغرب، ويبقون ينتظرون بجانب الصندوق حتى إطلاق القنبلة، وفي ساعات الفجر يحضرون مرة أخرى ومعهم قنبلة الصوت لإطلاقها، كما تقوم سيارة شرطة بالوقوف بمحطة الحافلات بمحاذاة المدفع حتى الانتهاء من ضربه (لحجج أمنية).

ولفت صندوقة إلى أنه كان يقوم بضرب المدفع في وقفة العيد (7 ضربات)، إضافة إلى ضربه أول أيام عيد الفطر والأضحى، والإسراء والمعراج، لكن الجهات الإسرائيلية رفضت مؤخرا ذلك بحجة الأمن وتشكيله خطرا على حياة الناس.

وختم صندوقة حديثه بتأكيده على إصراره بضرب مدفع رمضان طوال حياته، ليبقى صوته يدوي بمدينة القدس حفاظا على إرث تاريخي ينتقل من جيل لآخر.

44

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …