‫الرئيسية‬ عرب وعالم “المسألة الإخوانية” تفجر التوتر المكتوم بين القاهرة والرياض
عرب وعالم - يونيو 1, 2015

“المسألة الإخوانية” تفجر التوتر المكتوم بين القاهرة والرياض

مؤشرات عديدة ظهرت منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية على توتر العلاقات بين القاهرة والرياض بدأت بتقليص المملكة خطة “الإغراق المالي” التي كان يقوم بها الملك الراحل “عبد الله” لنظام السيسي؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية طاحنة، ألجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي مؤخرًا بحسب تقرير لشبكة (بلومبرج) الأمريكية، وانتهت بخلافات كبيرة حول “أولويات كل بلد” فيما يتعلق بقضايا إقليمية تشتبك في كل منها “جماعة الاخوان المسلمين”.

مؤشرات الأزمة في القضايا الإقليمية ظهرت في الخلاف حول التعامل مع حركة حماس، وظهرت دلائل واضحة على هذا في تقارير نشرتها صحف عالمية عن تراجع مصر عن اتهام حماس بأنها “حركة إرهابية” بفعل الضغط السعودي، وانعكست على تدخل “هيئة قضايا الدولة” – محامي الحكومة – لنقض حكم قضائي باعتبار القسام وحماس “إرهابية” عقب يوم واحد من عودة السيسي من آخر زيارة للرياض.

وتكرر الأمر في الأزمة اليمنية عندما اضطرت السعودية لتصحيح خطأ القيادة السابقة في التعاون مع الحوثيين على حساب إخوان اليمن (حزب الاصلاح) ما انتهى لانقلابهم وسيطرتهم على كل اليمن وتهديد الأمن القومي السعودي، فأعاد الملك سلمان التواصل مع الإخوان وقبائلهم هناك والتعاون معهم ضد الحوثيين.

وجاء الخلاف الأخير في ظل سعي القاهرة للحفاظ على نظام بشار الأسد والسعي لإيجاد دور له في مستقبل سوريا؛ خشية أن تسيطر على الحكم حكومة يشارك فيها الإخوان المسلمون في ظل الانتصارات التي بدأ يحققها “جيش الفتح الإسلامي” وتوقعات اقتراب انهيار نظام الاسد، ورفض السعودية أي دور للأسد في مستقبل سوريا وتعاونها مع المقاومة؛ ما أغضب السيسي وجعل أذرعه الإعلامية تهاجم السعودية بعنف وتقول إن السيسي حذر الملك في آخر زيارة له من أنه سيدفع ثمن سياسته في سوريا، كما قالت المذيعة أماني الخياط.

تسريبات رسمية 

وضمن التسريبات الرسمية من أذرع النظام الإعلامية في مصر والتي تضم صحفيين ومذيعين من صحف وفضائيات خاصة، أثبتت تسريبات مكتب السيسي التي تم بثها مؤخرًا أنهم يتلقون تعليماتهم من مكتبه، نشرت صحيفة “الشروق” الخاصة الأحد 31 مايو 2015 عما قالت إنها “مصادر مصرية رسمية” إن القاهرة أبلغت الرياض خشيتها من أن ما تصفه مصر بــ”المبالغة” في الانفتاح على أذرع جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية و”محاولة الاعتماد عليها لإنهاء الأزمة” في اليمن أو لملمة الوضع في سوريا ــ سيؤدي حتمًا لعواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي؛ لأن الإخوان إذا ما وصلوا للحكم في بلدان عربية بدعم سعودي لن يهدأ لهم بال وسيسعون للسيطرة على جميع العواصم العربية.

وبحسب أحد (الرسميين) ممن تحدثوا لـ”الشروق” “فإن السعودية نفسها ورغم السياسة الأمنية الداخلية الصارمة يمكن أن تجد نفسها في مواجهة مأزق مرتبط بالإخوان ـ مثل كل دول الخليج العربي ــ وفي هذا فإننا نتحدث مع الإخوة في الإمارات لمحاولة إثارة الأمر بهدوء في إطار مجلس التعاون الخليجي”.

وتزعم “مصادر القاهرة” أن “هناك حالة استياء في أوساط المعارضة السورية لتسارع وتيرة الاتصالات السعودية مع الإخوان في سوريا بدعم تركي متواز مع الدعم التسليحي التركي لفصائل سورية محسوبة على الإخوان بصورة أو بأخرى”.

الاوروبيون يريدون الاخوان

الغريب أن صحيفة “الشروق” نقلت أيضًا عن “مصادر دبلوماسية أوروبية” أن العواصم التي يمثلونها “أبلغت القاهرة بصورة غير مباشرة أو مباشرة أن تصور المستقبل السياسي لسوريا ما بعد الأسد لا يمكن أن يستثني الإخوان بالصورة التي تريدها القاهرة”!.

فبحسب المصادر الأوروبية ذاتها فإنه “لا يمكن توقع أن تقابل السعودية التزايد في حراك حزب الله اللبناني لدعم بشار الأسد في سوريا دون أن تتحرك الرياض لتجيش ما تراه البديل (السني المحتمل) أي القوى السنية التي لا تنخرط تحت لواء داعش؛ حيث ترى تحرك حزب الله (حراكًا شيعيًا مدعومًا من إيران) العدو الأكبر لها في النهاية”.

وبدلاً من أن ترتكن المصادر الرسمية المصرية في حديثها عن التخوف من التعاون السعودي مع إخوان اليمن مثلاً لمعلومات ذات قيمة، لاحظ “التقرير” أن معلومات المصادر الرسمية المصرية التي نُقلت إلى “الشروق” قالت صراحة إن هذه المخاوف قالتها “مصادر يمنية معارضة” قريبة من الحوثيين!.

فبحسب “المصادر المصرية الرسمية في القاهرة” “تلقت القاهرة رسائل لا لبس فيها عن ارتفاع منسوب عدم الارتياح في أوساط الفصائل اليمنية المعارضة للتمدد الحوثي بسبب تزايد الدعم السعودي لإخوان اليمن”، في إشارة لأن التمدد الحوثي جاء بسبب دعم السعودية للإخوان لا بسبب مطامعهم ومطامع إيران في المنطقة.

وقالت نفس المصادر المصرية إن “قيادات الفصائل اليمنية أبلغت القاهرة عدم ارتياحها للوصفة السياسية التي يمكن أن تخرج بها الاتصالات السعودية الجارية حاليًّا مع إخوان اليمن، وأنهم لا يمانعون في أن يكون للإخوان نصيب ولكنهم يرون أن السعودية تتجه لمنح الإخوان الغلبة وليس مجرد المشاركة”.

السعوديون بدورهم وبحسب مصادر دبلوماسية عربية وغربية لا ينوون تغيير استراتيجيتهم وأفكارهم إزاء اليمن إطلاقًا، ويقول سفير أوروبي في القاهرة “فيما يتعلق باليمن فإننا نعلم بكل وضوح أن الرياض غاضبة مما تراه تقاعسًا من القاهرة عن الدعم، وهم في آل سعود لا ينوون الإصغاء للرأي المصري، أما في سوريا فقد يختلف الأمر قليلاً؛ حيث ستسعى الرياض بالتأكيد لضمان دعم مصري ما، لكنها ستتحرك لصياغة شيء ما وتطلب من القاهرة دعمه ولن تتحرك بالمشاركة مع القاهرة”.

ويقول مصدر حكومي مصري: “إننا نبلغ السعوديين أننا نتفهم قلقهم من التمدد الإيراني وإننا نشاركهم بعضًا من هذا القلق، لكننا في الوقت نفسه لا نريد مواجهة قوى دينية بقوى دينية أخرى”.

ويقول المصدر الحكومي الرسمي المصري: “إن الرياض تتهم القاهرة بمناوأة حراكها لتجميع صياغات سياسية ذات قاعدة إخوانية في كل من اليمن وسوريا، وإننا لا نستطيع أن ندعم وصول الإخوان للحكم في أي دولة عربية، هذا ملف مغلق بالنسبة لنا”، بحسب “الشروق”.

ولا يتوقف المسئولون المصريون في مختلف القطاعات عن ترديد العبارات نفسها حول التوافق التركي ــ القطري لدعم وصول الإخوان للحكم في أكبر عدد ممكن من العواصم العربية، ويقولون إنه “الاصرار على أنه تحرك تقوم به بعض الدوائر السياسية في العاصمة الأمريكية لإيصال الإسلاميين للحكم؛ حيث يدور الحديث عن البيت الأبيض وليس الخارجية الأمريكية في هذا السياق”.

وهو تفسير رسمي مصري غريب استغربه الكاتب المصري فهمي هويدي في ظل اللقاءات الأمريكية المصرية الحميمية الاخيرة برغم استمرار الإعلام المصري في ترويج أن أمريكا تقف مع الإخوان.

حيث استغرب هويدي في مقال نشره بجريدة “الشروق” الأحد بعنوان (أوجاعنا في نشرة الأخبار) ما وصفها بـ”الحفاوة” الرسمية بـ”ليون بانيتا” وزير الدفاع الأمريكي ومدير المخابرات السابق ولقائه بالرئيس السيسي، والحفاوة بالتصريحات الدالة على عمق الشركة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والثناء على دور القوات المسلحة ووزارة الداخلية “دون أن يقارن تلك الأجواء ويستعرض شريط عناوين العلاقات بين البلدين التي يروج لها الإعلام المصري”.

وأضاف أن هذه الحفاوة تتناقض مع “الانطباع الذي يجرى تسويقه في الداخل حينًا بعد آخر أن الولايات المتحدة لم توقف مؤامراتها على مصر، وأنها منحازة إلى الإخوان وتسعى لإعادة حكم الدكتور محمد مرسي، وأن الأخونة لم تخترق المؤسسات الأمريكية فحسب، ولكنها طالت البيت الأبيض ذاته، إلى غير ذلك من الانطباعات التي تقف على النقيض تمامًا من التصريحات الوردية التي احتفت بشهر العسل الحاصل بين البلدين”.

تصريحات رسمية متناقضة

واللافت أن المصادر الرسمية المصرية حرصت على تسريب هذه الأنباء عن غضب مصري من سعي الرياض لما تقول إنه إشراك الإخوان في الحلول المستقبلية في اليمن وسوريا، في الوقت الذي ظهر فيه وزير الخارجية المصري مع وزير الخارجية السعودية ليؤكد تطابق وجهتي نظر البلدين فيما يخص دعم المعارضة السورية ضد الرئيس بشار الأسد على عكس التصريحات الرسمية المصرية السابقة تمامًا!.

فخلال زيارة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي للقاهرة أمس الأحد 31-مايو 2015، قال نظيره المصري سامح شكري إنها “لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأوضاع في اليمن والمنطقة وقضايا الإرهاب”، حرص شكري على القول إن “مواقف مصر والسعودية متطابقة بخصوص سوريا واليمن”، وإن “مصر تدعم المعارضة السورية”، وأصر عادل الجبير على “رحيل اﻷسد”.

بعد اللقاء أيضًا حرص شكري علي القول “إن مصر هي جزء من تحالف دعم الشرعية في اليمن”، وإنه بحث مع نظيره السعودي الأوضاع في العراق وتفشي الإرهاب، إضافةً إلى مسألة دعم المعارضة السورية” و”عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين مصر والمملكة العربية السعودية”.

هل تدير القاهرة ظهرها للأسد؟

وقد أثار هذان الموقفان المتناقضان من مصر تجاه السعودية والخلافات حول ملفات اليمن وسوريا تساؤلات بين مراقبين في مصر عما إذا كان هذا جزءًا من تناقض وصراعات ونفوذ أصحاب المصالح المتضاربة في مصر، أم أنه محاولة مصرية أخيرة لتحذير المملكة، ولكن القاهرة اتخذت قرارًا بالفعل لإدارة ظهرها لقضية شار الأسد بعدما ظهر لها أنها في طريقة للسقوط؟

فبعد غموض استمر لقرابة العامين منذ انقلاب السيسي وعدائه لثوار سوريا على عكس ما فعله الرئيس محمد مرسي، ومحاولة الظهور بمظهر عدم الانحياز لصالح أي طرف من الأطراف في سوريا مع إطلاق تصريحات تصر على دور للأسد مستقبلاً في حكم سوريا، بدأ الموقف يتغير بشكل جذري عقب تصريحات وزير الخارجية سامح شكري، والذي أكد خلال مؤتمره مع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بأن “القاهرة ستقف إلى جانب المعارضة السورية”!.

ولكن.. لماذا تغير الموقف المصري تجاه سوريا؟ ما سبب هذا التغير المفاجئ؟ وهل هناك ضغوط سعودية مورست على القاهرة؟ وهل القاهرة أدركت قرب سقوط الأسد؟ 

محللون ومراقبون في القاهرة قالوا إن القاهرة ربما وجدت مصلحتها في عدم دعم الأسد مستقبلاً في ضوء مؤشرات قرب سقوطه؛ لأن هذه مراهنة علي جواد خاسر، والنتيجة صراع مع الرياض وخسارة للدعم المالي، وآخرون قالوا إن القاهرة ربما تُمهد للاجتماع التحضيري الذي ستعقده بين المعارضة السورية في الأيام المقبلة.

حيث نقل موقع “مصر العربية” عن الدكتور سعيد اللاوندي الخبير في العلاقات الدولية قوله إن العلاقات الدبلوماسية بين البلدان العربية تتغير وفقًا للمصالح والأهواء، وقد يكون ما يحدث تجاه سوريا شيئًا من هذا القبيل، وأن القاهرة والرياض تأكدتا من قرب سقوط بشار الأسد، لذلك اتجهتا إلى عمل تنسيقات وتشاورات لتحديد خليفة الأسد.

ولكنه أشار إلى أن “كلا النظامين المصري والسعودي لا يريد أن يكون الإخوان هم خليفة الأسد بعد سقوطه”.

فهل أدارت القاهرة ظهرها على مضض للأسد بعدما أيقنت أنه “كارت محروق” مقابل “آمال” في مزيد من تحسن العلاقات المتوترة مع الرياض وربما مزيد من الدعم المالي؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …