مستقبل السلمية في مصر بعد عام من حكم السيسي
نهاية مايو الجاري، يمر عام كامل على حكم عبد الفتاح السيسي منذ توليه الرئاسة في انتخابات مثيرة للجدل، لم يحصل أي رئيس إفريقي على الأرقام التي حصل عليها، كما قال تقرير سابق لصحيفة “سليت إفريك”، بحصيلة قتل على الهوية لمعارضيه من الإخوان وقمع لكل القوى المعارضة من التيارات المختلفة، وتعذيب وإعدامات جماعية وقتل في السجون والأقسام، ومع هذا رصد مراقبون وصحف أجنبية استمرار “السلمية” على الساحة المصرية، وعدم انجراف شباب التيار الإسلامي والإخوان لتيار العنف والسلاح، إلا حالات تُعد على أصابع اليد.
ورغم تأكيدات جماعة الإخوان المستمرة بالتمسك بالسلمية، أثارت التصريحات الأخيرة لمحمد منتصر، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، تساؤلات واسعة حول “السلمية” التي يتمسك بها الإخوان في ظل الحملات القمعية ضدهم.
وكان محمد منتصر قد أكد- في أحدث بياناته الإعلامية- أن إعدام الشباب الطاهر البريء في قضية “عرب شركس” لن يمر ولن تمر دماؤهم، مضيفا أنه لا صوت يعلو فوق صوت القصاص، وأن الثورة لن تسكن حتى تبيد الظالمين وتقتص منهم.
وقال، عبر صفحته على موقع “فيس بوك”: “ملعونة أي كلمات تُقال في هذا الموقف.. ملعونة أي محاولة للتعبير أو أي بيان يقال..”، موضحا: “فلا صوت يعلو فوق صوت القصاص، لا صوت يعلو فوق صوت دماء الشهداء التي سالت ظلمًا وفجورًا من قتلة لا يُجدي معهم سوى القصاص.. لا تجدي معهم سوي ثورة تجتث الرءوس من فوق أجساد عفنة”.
ودعا منتصر شباب الثورة في مصر إلى التقدم في كل الميادين قائلا: “يا كل ثوار مصر، يا كل ثائر حر شريف، تقدموا في كل ميادين مصر، تقدموا في ثورة لا تُبقي ولا تذر ظالمًا على أرض مصر، تقدموا وثوروا واثبتوا، أو تكفنوا بأكفانكم، أو نرتدي ثوب المذلة والهوان”.
وتسببت تصريحات “منتصر” في موجة تساؤلات واسعة حول مصير السلمية، في الوقت الذي تشتعل فيه صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي بمئات الغريدات من قبل شباب الجماعة، التي تطالب بالتصدي لعنف الأجهزة الأمنية والدفاع عن النفس والقصاص لدماء الشهداء، إلا أن الجماعة حتى اللحظة لا تزال تعلن تمسكها بالسلمية كاستراتيجية في التعامل مع الوضع الحالي في مصر رغم كل ما تتعرض له من ضغوط.
وخلال عام السيسي الأول في السلطة، تعرضت جماعة الإخوان المسلمين لعشرات المحاولات وربما المئات؛ بهدف جرها إلى مستنقع العنف والإرهاب، من خلال محاولات استفزازية مستمرة دائما من قبل نظام السيسي، إلا أن الجماعة لا تزال حتى اللحظة تعلن تمسكها بالسلمية كاستراتيجية أساسية في التعامل مع المشهد الحالي في مصر.
شباب الإخوان واستفزازت الجيش والشرطة
ومن بين محاولات الاستفزاز للجر للعنف والإرهاب التي تعرض لها شباب وقيادات جماعة الإخوان المسلمين خلال عام السيسي الأول على يد قوات الجيش والشرطة، “حملات القمع والتنكيل والتصفية الجسدية لهم”، سواء كان ذلك داخل السجون والمعتقلات، أو داخل المنازل والبيوت خلال حملات مداهمات، أو عن طريق التصفية الجسدية في المظاهرات والاحتجاجات السلمية.
كما تكررت حالات التعدي والضرب والاختطاف والاعتقال بشكل غير مسبوق لفتيات ونساء الإخوان المسلمين، وهو التصرف الذي كان خطا أحمر بالنسبة لنظام المخلوع مبارك على مدار سنوات مضت.
وفوق هذا تعرضت جماعة الإخوان المسلمين كذلك، خلال عام السيسي الأول في السلطة، لمئات من أحكام الإعدامات، تم تنفيذ 7 حالات في قضيتين مختلفتين بالإسكندرية وبمنقطة عرب شركس بالقليوبية، وهي الأحكام التي خلفت موجة غضب عارم داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين، خاصة وسط الكوادر الشبابية.
وبالإضافة لما سبق، فإن ظهور العديد من الحركات المسلحة في مصر خلال عام السيسي الأول بالسلطة، فسره متابعون بأنه محاولة أخرى لنظام السيسي لإقناع قطاعات شبابية واسعة لدى جماعة الإخوان المسلمين وعموم التيار الإسلامي بالتخلي عن النهج السلمي الذي أعلنه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في خطابه الشهير بميدان رابعة العدوية، والذي قال فيه: “سلميتنا أقوى من الرصاص”.
لماذا فشل السيسي في جر الإخوان للعنف؟
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي علاء بيومي، فإنه “رغم القمع الهائل المتواصل ضد جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن السيسي فشل حتى اللحظة في جر جماعة الإخوان للعنف كما يتمنى، رغم الضغوط السياسية والأمنية الهائلة، والنقد الشديد من أطراف عديدة لجماعة الإخوان، بما في ذلك بعض شبابها، وهناك أيضا غضب متصاعد من بعض الشباب، ولكن من الواضح أن هناك قرارا استراتيجيا راسخا لدى الجماعة وقادتها– يحسب لهم– بعدم الانجرار للعنف”.
وأكد بيومي في مقال له بعنوان “خمسة أسباب لفشل السيسي في جر الإخوان للعنف”، أنه رغم القتلى بالمئات والمعتقلين بالآلاف، والتظاهر المستمر، تظل أكبر جماعة سياسية في مصر بعيدة عن العنف، قد يحدث بعض الاضرابات والشغب، ولكنه تبدو كمحاولات تنفيس وغضب وبحث عن حل سياسي سلمي، ولكنها بعيدة كثيرا وربما كل البعد عن الانجرار للعنف، موضحا أن الأسباب كالآتي:
أولا: نحن أمام جماعة تاريخها بعيد عن العنف، حتى كتابات سيد قطب التي شاب بعضها بعض التشدد، دفعت بعض الشباب للانشقاق عن الجماعة والانجرار للعنف، ولكن بقيت جماعة حسن البنا ملتزمة بالخط السياسي.
ثانيا: الإخوان جماعة ضخمة ذات ثراث وانتشار وتاريخ ومكانة دولية، هي الجماعة الأم لجماعات عبر العالم، وهي تحمل هذا الميراث في قراراتها، ولن تنجر الجماعة الأم لمنزلق العنف.
ثالثا: قادة الإخوان ينتمون للشرائح المتوسطة والعليا من الطبقة الوسطى، أساتذة جامعة وعلماء وأطباء ومهندسون، وهؤلاء ليسوا فاقدي الأمل ولا فاقدي المكانة أو يائسين، هؤلاء لن ينجروا للعنف، هؤلاء لهم مكانة في المجتمع لن يخسروها، هم تقريبا من أعلى الجماعات السياسية في مصر من حيث المكانة الاجتماعية في الطبقة الوسطى والمستوى التعليمي.
رابعا: الإخوان هم المستفيد الأكبر من الصناديق والديمقراطية، ويبدو أنهم يؤمنون حتى الآن، ولهم كل الحق في ذلك، بأن هناك مستقبلا سياسيا كبيرا ينتظرهم، لن يضحي الإخوان بتراث ضخم وجماعة هائلة لها مكانتها الدولية، وتنزلق للعنف بسبب جرائم انقلاب أحمق.
خامسا: الإخوان جماعة ذات مكانة دولية، جماعة لها وجود حول العالم، وتتطلع للحفاظ على اعتراف دولي متزايد ودور بدول مختلفة، ولن يجازف قادتها بالانجرار للعنف وخسارة كل هذا الوجود ومستقبلها حول العالم.
وتابع الكاتب قائلا: “باختصار.. الإخوان في مصر رغم كل ما يتحملونه ليسوا جماعة بائسة، هم لديهم رصيد ضخم يستندون عليه حتى الآن، تاريخ وشعبية ومكانة دولية، ومستقبل ينتظرهم، ولن يضحوا بكل ذلك لينزلقوا في خطة انقلاب أحمق يبدو أنه يسير عكس اتجاه الزمن ولو ارتفع سياسيا لفترة مؤقتة”.
اقرأ أيضا:
هل عانقت المؤسسات الإسلامية حكم البيادة في عام السيسي الأول؟
4 أسباب وراء تشييع السياسة إلى مثواها الأخير في عام السيسي
الأقباط في عام السيسي الأول .. 7مكاسب وقتية و3 خسائر استراتيجية
الداخلية في عام السيسي “الشعب في خدمة الشرطة”
السيسي في عامه الأول .. اتهامات بالفشل ودعوات لانتخابات مبكرة
لماذا بحث الكونجرس مصير مصر بعد عامين من مرسى لا عام السيسي؟
هل تمهد الداخلية لإعدام قيادات الإخوان ببيانات التخلي عن السلمية؟
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …