هل دشن انقلاب السيسى عصرا جديدا من انقلابات أفريقيا؟
سواء نجح انقلاب بوروندى الأخير – الذى جرى أول أمس الأربعاء، وأعلن قائد الجيش فشله رغم استمرار المعارك – أو فشل، فالملاحظ هو أن الانقلابات التى توقفت فى القارة الأفريقية بعد أكثر من 180 انقلابا منذ الاستقلال حتى عام 2012، عادت لتنشط بعد انقلاب “سيسى مصر” 3 يوليه 2013، وتدشن لعهد جديد من الانقلابات ضد حكومات ورؤساء منتخبين ديمقراطيا، وكانت كل المؤشرات تشير لنقلهم لأفريقيا لمرحلة جديدة من التنمية ومكافحة الفساد.
صحيح أن الانقلابات لا تزال شائعة فى أفريقيا، و6 من هذه الانقلابات وقعت قبل انقلاب مصر، بينما 4 وقعت بعد انقلاب السيسي، ولكن اللافت أن انقلابات ما بعد انقلاب مصر استفادت من صمت الاتحاد الأفريقى وقبوله الأنظمة التالية للانقلابات، عقب انتخابات سريعة، أقصى – في أغلبها – المعارضين، بينما انقلابات ما قبل مصر، استفادت من موجات الربيع العربى فى التمرد على رؤساء حكموا عشرات السنين.
فـ”الربيع العربي” الذى انتعش بصورة أكبر فى الجانب الأفريقى من العالم العربى (تونس – ليبيا – مصر) منذ عام 2011، شجع على انقلابات على حكام ديكتاتوريين فى أفريقيا عقب الربيع العربي، وتوجه القارة نحو المزيد من الديمقراطية.
ولكن “الانقلابات المضادة” أو “الثورات المضادة” أو “مغامرات العسكريين”، كما يطلق عليها محللون سياسيون تسميات مختلفة، عادت لتنتعش ضد رؤساء منتخبين عقب انقلاب مصر العسكرى على الرئيس المنتخب، وشجعها على ذلك قبول الاتحاد الأفريقى لعضوية مصر بعد الانقلاب ومن قبلها موريتانيا بالمخالفة لميثاق الاتحاد الأفريقي.
ويرى مراقبون أن تعامل الاتحاد الأفريقى مع الانقلابات العسكرية الأخيرة وتولى عسكريين للسلطة وعزلهم للرؤساء المنتخبين، خصوصا فى موريتانيا وغانا ومالى ومصر، جاء بصورة غير حاسمة، ما أثار تساؤلات حول مخالفة الاتحاد لميثاقه، وجعل خروج القارة السمراء من دائرة الانقلابات أمرا صعبا.
وقالوا: إن أبرز إخفاق واضح فى هذا الصدد هو التعامل مع الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس العسكرى فى موريتانيا التى شهدت 16 انقلابا عسكريا، برغم مخالفة هذا للميثاق الأفريقى الخاص بالحكم والديمقراطية، حتى أصبح هو رئيس الاتحاد الأفريقي، ثم سماح الاتحاد الأفريقى فى عهد الرئيس الموريتانى بعودة عضوية مصر المجمدة عبر مجلس السلم والأمن الإفريقى، بعد تعليقها منذ 5 يوليه 2013 بما يخالف ميثاق الاتحاد الأفريقي.
وينص “الميثاق الأفريقى للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد” الذى أقر عام 2007 ودخل حيز التنفيذ فى 15 فبراير 2012، (وأعفيت موريتانيا ومالى منه لوقوع انقلاباتها قبل هذا التاريخ)، على أنه يحظر تولى قادة الانقلابات فى أفريقيا أى مناصب سياسية لعقابهم على ما فعلوه من قلب للحكومات الديمقراطية بقوة السلاح.
حيث نص الميثاق الأفريقى فى المادة رقم 25 فقرة 4 على أنه: “لا يجوز لمرتكبى التغيير بطرق غير دستورية، المشاركة فى الانتخابات التى تجرى لاستعادة النظام الديمقراطى أو تولى مناصب المسؤولية فى المؤسسات السياسية للدولة”، وهو ما يعنى أن القادة العسكريين الذين قاموا بانقلابات عسكرية بعد عام 2012 تاريخ بدء تنفيذ الميثاق، “غير شرعيين”.
وآخر هذه الانقلابات الأفريقية كان انقلاب الأربعاء 13 مايو الجاري، فى بوروندي، حينما أعلن اللواء (جودفرويد نيومباري) الإطاحة بالحكومة والرئيس المنتخب؛ بسبب سعيه الترشح للرئاسة للمرة الثالثة بالمخالفة لاتفاق سلام سبق إبرامه فى البلاد، ولا يزال القتال مستمرا، وقائد الجيش أعلن فشل الانقلاب ولكن الأمر لم يحسم تماما حتى الآن.
ويعتبر الرئيس البوروندى هو أقل الفائزين فى “نادى أرقام التسعينيات الرئاسية”، بحسب صحيفة (سليت أفريك) الفرنسية،؛ حيث فاز فى انتخابات 2010 بنسبة 91.6%، (مقارنة بـ96.9٪ للسيسي، و94.5% لرئيس غينيا الاستوائية، و94% للرئيس السوداني، و93% لرئيس رواندا)، وعندما أعلن الرئيس البوروندى الترشيح لفترة رئاسة ثالثة وقعت اضطرابات شديدة يوم 26 إبريل الماضى، فى العاصمة بوجمبورا، وقتل ثلاثة أشخاص؛ رفضا لسعيه الترشح لفترة رئاسية ثالثة.
وقالت المعارضة: إن سعى الرئيس لفترة رئاسية ثالثة “خطوة غير دستورية”، وتنتهك اتفاق “أروشا” الذى ساعد على إنهاء الحرب الأهلية الطويلة فى بوروندي، وأنه كان على الرئيس الحالى عدم ترشيح نفسه لفترة ثالثة، ولكنه خالف الاتفاق وأصر على الترشح، وبعدما تفاقمت الأمور بالانقلاب العسكرى والاضطرابات ربما تتأجل عملية الاقتراع المقررة فى 26 يونيو 2015.
الانقلابات منذ الربيع العربي
وفى نوفمبر الماضى 2014، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، تسلسلا زمنيا للانقلابات منذ الربيع العربي، مشيرة لأن الثورات التونسية والمصرية والليبية “فتحت الباب على مصراعيه للثورات والانقلابات ليس فى الدول العربية فحسب، بل فى أفريقيا أيضا”.

وتغيرت جراء تلك الأحداث مفاهيم كثيرة، فقد وضعت الانتفاضة الشعبية فى بوركينا فاسو والتى أطاحت خلال أيام بالرئيس البوركينى بليز كومباورى – كما يقول البعض – حدا لمفهوم الرئيس مدى الحياة.
ورغم أن نظام كومباورى كان يوصف بأحد أكثر الأنظمة الأفريقية استقرارا، فإنه وخلال أيام قليلة جدا سارع بالإعلان عن التخلى عن السلطة مجنبا بلاده وشعبه مجازر كان بالإمكان أن تحدث لو تمسك الرجل بالسلطة.
فمنذ الربيع العربى شهدت القارة السمراء ثمانية انقلابات ومحاولات انقلاب، بعضها وصل الانقلابيون فيها إلى الحكم، وأخرى عاد العسكر إلى ثكناته وسلم الحكم إلى سلطات مدنية على النحو التالي:
(الأول): الكونغو الديمقراطية: شهدت يوم 27 فبراير 2011 محاولة انقلابية للإطاحة بالرئيس جوزيف كابيلا، ولكنها فشلت.
(الثاني): فى مالى التى شهدت يوم 22 مارس 2012 انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس أمادو تومانى توري، وبعد إدانات دولية للانقلاب العسكري، تنحى القادة العسكريون وسلموا السلطة لحكومة مدنية، ومهد الانقلاب للانفصاليين الطوارق باستغلال الفراغ فى السلطة والسيطرة على شمال البلاد وإعلان دولة (أزواد المستقلة).
(الثالث): وقع فى ملاوى فى 5 إبريل 2012 بعد وفاة الرئيس بينجو وا موثاريكا، جنب نائبه جويس باندا البلاد الانقلاب بعد تواصله مع قائد الجيش الذى أبدى دعمه لباندا ليتولى الرئاسة.
(الرابع): فى غينيا بيساو التى شهدت يوم 12 إبريل 2012 اعتقال الجيش لرئيس الوزراء السابق كارلوس غوميز، الذى فاز بالمركز الأول فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التى نُظمت بعد وفاة الرئيس السابق مالام باكاي، وسيطرت على المقر الرئيسى للحزب الحاكم والإذاعة الرسمية، لكن قوات الجيش عادت وأفرجت عن غوميز، وسلمت السلطة بعد وساطات أفريقية لرئيس البرلمان نحمادجو لقيادة الحكومة الانتقالية.
(الخامس): كانت محاولة انقلاب فى السودان يوم 22 نوفمبر 2012،؛ حيث أعلنت الحكومة السودانية أنها أحبطت محاولة انقلابية، وألقت القبض على 13 مدنيا وضابطا فى الجيش بتهمة التخطيط للإطاحة بالرئيس عمر البشير الذى يحكم البلاد منذ أكثر من 25 عاما.
(السادس): جمهورية أفريقيا الوسطى التى استولى زعيم الانقلاب وقائد تحالف متمردى السيلكا على السلطة بعد سيطرته على العاصمة بانغي، يوم 24 مارس 2013 ليؤدى بعدها القسم رئيسا للجمهورية حتى يناير 2014، ولكنه استقال من منصبه؛ إثر تواصل أعمال العنف الطائفى فى البلاد وعجزه عن السيطرة على الوضع، ليقيم بعد ذلك فى المنفى فى بنين، وتقع مجازر طائفية ضد المسلمين.
(السابع): وقع فى مصر فى 3 يوليو 2013، عندما قام وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي، واستولى الجيش على الحكم، وعين رئيسا مؤقتا، ثم رشح قائد الانقلاب نفسه فى انتخابات رئاسية حرمت منها المعارضة الإسلامية القوية؛ لاعتقال وسجن قادتها ومطاردتهم، وانتخب السيسى رئيسا بدلا من الرئيس الذى انقلب عليه فى يونيو عام 2014.
(الثامن): فى 30 أغسطس 2014 هرب رئيس وزراء ليسوتو إلى جنوب أفريقيا بعد أن اتهم جيش بلاده بالانقلاب عليه؛ حيث قامت وحدات من الجيش باحتلال مقر الشرطة وأحاطت بمقر إقامة رئيس الوزراء، الذى حل البرلمان فى يونيو 2014 ليتجنب اقتراعا بسحب الثقة وسط خلافات فى حكومته التى مر على تشكيلها عامان.
وقد أدانت جنوب افريقيا تحركات جيش ليسوتو قائلة إنها “تحمل علامات انقلاب” وطالبت قائد الجيش بإعادة الوحدات إلى الثكنات، ثم نفى جيش ليسوتو محاولته الانقلاب، وقال إن القوات تحركت ضد عناصر فى الشرطة يشتبه بأنها تخطط لتسليح فصيل سياسي.
وأضاف أن القوات المسلحة فى ليسوتو “تدعم الحكومة المنتخبة ديمقراطيا”، وذكر دبلوماسيون أن معظم أفراد الجيش يوالون موثيتجوا متسينج نائب رئيس الوزراء الذى تعهد بتشكيل ائتلاف جديد يطيح بثابانى وقالت المصادر إن قوات الشرطة تؤيد بشكل كبير رئيس الوزراء.
وأدان كومنولث الدول الافريقية الانقلاب أيضا وقال الأمين العام للكومنولث كاماليش شارما فى بيان: “لا تسامح البتة فى الكومنولث مع أى إطاحة غير دستورية بحكومة منتخبة”.
(التاسع): عندما أعلن الجيش فى بوركينا فاسو، 30 أكتوبر 2014 حل الحكومة والجمعية الوطنية، وفرض حظرًا للتجول وشكل هيئة انتقالية، وذلك فى مؤتمر صحفى فى ختام يوم من أعمال الشغب ضد الرئيس بليز كومباورى الذى حكم البلاد 27 عامًا، بعد إحراق الجمعية الوطنية واقتحام مقر التليفزيون العام، وأعمال عنف، وانتشار دعوات لاستقالة الرئيس، ومن ثم تدخل الجيش.
وعلى غرار الحالة المصرية، رفض المتظاهرون الترحيب بخبر تولى الجيش السلطة، ودعا بضع مئات منهم إلى اعتصام فى العاصمة لتجنب هذا الانقلاب، وجاء هذا فى أعقاب أزمة الإعلان فى 21 أكتوبر 2014 عن مشروع تعديل دستورى يرفع من اثنين إلى ثلاثة العدد الأقصى للولايات الرئاسية المحددة بخمس سنوات، بينما كان الرئيس كومباروي، سينهى هذا العام 2015 رئاسته بعد ولايتين من سبع سنوات (1992-2005) وولايتين من خمس سنوات (2005-2015).
(العاشر): محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقعت فى جامبيا يوم 30 ديسمبر2014 ضد نظام الرئيس يحيى جامع، والتى تُذكرنا بمحاولة انقلاب فاشلة أخرى قادها المرتزقة فى غينيا الاستوائية قبل نحو عشر سنوات خلت، ففى كلتا الحالتين تم التخطيط والتدبير للانقلاب من الخارج مع احتمال تورط شركات وجهات دولية.
وأطلق على هذه النوعية من الانقلابات كلمة “وونجا” (Wonga) التى تعنى بالعامية الإنجليزية “المال الوفير”، وقد استخدمت لتصف سلسلة من الانقلابات والمحاولات الانقلابية التى قام بها مغامرون أجانب للاستيلاء على السلطة فى بلدان أفريقية غنية بثرواتها الطبيعية، أو تنصيب حاكم آخر يسمح لهم بالوصول إلى الحقول النفطية الهائلة فى البلاد.
وقاد هذه المحاولة الانقلابية سايمون مان، وهو أرستقراطى وضابط سابق فى القوات الجوية البريطانية الخاصة، كما أنه تلقى الدعم من العديد من الممولين أمثال السير مارك تاتشر (ابن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر).
وأبرز دلالات محاولة انقلاب جامبيا الفاشلة تتمثل فى كونها تكرس ليس فقط عودة النمط الانقلابى فى السياسة الأفريقية، ولكن أيضا استخدام المرتزقة من قبل جهات دولية لتغيير نظم الحكم فى أفريقيا؛ من أجل تحقيق مصالح خاصة.
(الحادى عشر): هو الانقلاب الأخير فى بوروندي، 14 مايو الجارى 2015، عندما أعلن إعلان الميجر جنرال جوديفرويد نيومبارى – الذى تم فصله من رئاسة المخابرات فى فبراير الماضى – إقصاء الرئيس المنتخب (بيير نكورونزيزا)، الذى كان فى تنزانيا، بسبب سعيه لتولى فترة رئاسية ثالثة، يرى كثيرون أنها “غير دستورية”.
وقد أعلن قائد الجيش البوروندى، أمس الخميس، أن محاولة الانقلاب على الحكم فشلت، وأن القوات الموالية للرئيس لا تزال تسيطر على الوضع، وعلى جميع النقاط الاستراتيجية، برغم استمرار إطلاق النار حول مبنى التليفزيون والإذاعة فى العاصمة.
واستنكر زعماء دول شرق أفريقيا محاولة الانقلاب على الرئيس البوروندى ودعوا للعودة إلى النظام الدستورى، كما شجب الاتحاد الأفريقى محاولة الانقلاب، وقالت نكوسازانا دلامينى زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الافريقى فى بيان: “رئيس الاتحاد يستنكر بأقوى العبارات محاولة الانقلاب فى بوجومبورا ويدعو إلى العودة للنظام الدستورى ويحث جميع المعنيين على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.”
انقلابات على التشبث بالسلطة
ومع أن الحالة المصرية انقلب فيها الجيش على الرئيس المنتخب لأسباب أيدلوجية تتعلق بالتوجس من حكم التيار الإسلامي، وبعد عام واحد من حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، وحرمانه من حقه فى 4 سنوات رئاسية، فقد رأت “مجلة الإيكونيميست” فى تقرير نشرته، أمس الخميس 14 مايو الجارى، بعنوان “بوروندي.. عقلية الانقلاب”، أن حالة انقلابى بوركينا فاسو العام الماضي، وبوروندى العام الجاري، جاءت للحد من تشبث رؤسائهما بالسلطة وتحديدهم لعدد الولايات المحددة للرئاسة.
فقد جاء الانقلاب فى بوروندى عقب أسابيع من الاحتجاجات الشعبية ضد سعى الرئيس بيير نكورونزيزا لتولى فترة ولاية ثالثة بما يعد انتهاكا للدستور، فكان الرئيس خارج البلاد أثناء تنفيذ الانقلاب، واستشار نظرائه فى شرق أفريقيا بشأن كيفية حل الأزمة، لا سيما أن الحكومات الغربية هددت بقطع المساعدات عن بلاده إذا تمدد حكم الرئيس الحالي.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …










