حادث سيدة المطار يختزل الصراع المكتوم الدائر بين أركان حكم السيسي
بعد أيام من انتشار مقاطع فيديو مصورة لواقعة اعتداء سيدة على أحد ضباط مطار القاهرة الدولي، وانشغال المغردين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالبحث عن تفاصيل هذه الواقعة التي عُرِف لاحقا أنها وقعت في أواخر أيام شهر أبريل الماضي، قبل أيام من انتشار مقطع الفيديو بشكل جنوني على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكننا الآن اختصار كل هذا الجدل الدائر حول واقعة سيدة المطار أو ياسمين النرش، إلى كونه رمزًا صغيرًا عن الصراع الدائر حاليًا تحت السطح بين رجال أنظمة دولة السيسي الجدد، الذين يحاولون توسيع رقعة امتيازاتهم على حساب بعضهم البعض، مكونين طبقة لا تختلف كثيرًا أو ربما تكون امتدادًا آخر لدولة رجال مبارك وابنه القديمة؛ مثل الأجهزة الأمنية التي تنتظر الفرصة لتستعيد مكانتها الأعلى منزلة فوق بعض رجال النظام الحالي والمحسوبين عليه.
رجال الأعمال الذين عادوا للواجهة من جديد، إلى جانب الصراع الأكبر مع دولة حسني مبارك القديمة، أو كما يقول الناشط تامر وجيه: “هذه المعركة جزءًا من منظومة المعارك السرية بين أطراف التحالف السيساوي المضاد للثورة، والتي بدأت بين مؤيدي السيسي الأساسيين وبين بعض من الجناح الديمقراطي الذي حاول التغيير مع استمرار التأييد، لكنه لم يفلح في ذلك وتم طرده من الصورة شر طردة، وبعدها، بدأت باقي الأجنحة في المعارك المكتومة، ما بين القضاء، الشرطة، الجيش، المخابرات، ورجال الأعمال”.
وقد نعتقد أن الأمر لا يتجاوز “خناقة” بسيطة بين امرأة شعرت بالظلم وبين ضابط أحب الثأر لإهانته كما يحدث كل يوم في مصر، لكن اللافت كان رد الفعل المختلف تمامًا، بين تعامل الشرطة مع من لا ظهر لهم، وبين تعاملها مع المواطنين “الخمس نجوم” إن جاز لنا التعبير.
فرأينا في مقاطع الفيديو التي انتشرت كانتشار النار في الهشيم، امرأة تعتدي على ضابط، تهينه، تلقي بالماء في وجهه، وتهدد “بخلع” ملابسها على الملأ، وتتحدث بثقة عن موقفها، وما يمكن لها أن تفعله، بل وتهدد تهديدات جوفاء على شاكلة “سأفجر المطار بمن فيه”، دون أن يتم اتهامها بالإرهاب، أو على الأقل دون أن تلحق بها “صفعة خاطفة”على وجهها، أو اعتراض غاضب من الضابط أمامها، وهي المشاهد التي تتكرر مع كل من يجرؤ على المطالبة بحقه سواء كان له حق أو لا، أمام ضابط شرطة ولو بكمين على الطريق، أو حتى يجرؤ على تنظيم مظاهرة سلمية تضع بعض الزهور على النصب التذكاري بميدان التحرير.
لكن الاندهاش تبدد قليلًا عندما علمنا أن السيدة هي ياسمين النرش، ابنه محيى الدين النرش رجل الأعمال والسياحة الأشهر في مصر، ومالك العديد من القرى السياحية بالجونة في الغردقة في شمال شرقي مصر، وأن السيدة -التي يمكن أن تكون بريئة-، لم تفعل سوى المطالبة باللحاق بطائرتها إلى الجونة حيث تقيم ابنتها، طالما كانت لا تزال على أرض المطار، لكن الضابط رفض بلا سبب، لتفقد أعصابها وتعتدي عليه، فيلحق بها بعض عناصر الشرطة النسائية في المطار، ليفتشوا ملابسها، وكما تدّعي، يتم دس كمية من مخدر الحشيش، لا تتجاوز الـ200 غم، لتلفيق تهمة إتجار لها، مع العلم وطبقًا لما يقوله العارفون بهذا الأمر، فإن المكسب من هذه الكمية لا يتعدى بأي حال الـ 200 جنيه مصري، وهو مبلغ لا يغطي سعر حقيبة يد السيدة، أوفستانها الفاخر الذي هددت بخلعه.
ياسمين لم تتوقف عن الصراخ والغضب والدفاع عن حقها بصورة بدت استفزازية ومقززة، لأنها تعلم أنها “مسنودة”، والضابط الذي حاول معالجة الأمر، والذي تم إظهاره بالذات أمام الكاميرات لأنه معروف بأدبه وأخلاقه الدسمة، كما قال عاملو المطار بعد ذلك لعدة صحفيين، تحدث بهدوء وصبر، جعل الكثيرين يرونها هي المخطئة، وهو الطرف المهذب الراقي، والحقيقة أن كليهما ليسا مظلومين ولا ظالمين لبعضهما البعض على الأقل، أو كما قال بعض النشطاء المصريون على الفيسبوك “الضابط تحلى بضبط النفس قدام ياسمين في المطار، إنما لو شافني في كمين بهرش في دقني هيضربني بالرصاص”.
الكاتب محمد طلبة رضوان، عبر عن رأيه في الحادث بجملة في مقالة المنشور بموقع مصر العربي ” ذهبت السيدة ياسمين مع الضابط إلى القسم، فالنيابة، 4 أيام حبس، ثم إفراج فورًا، وبدون كفالات، أو ضمانات، أو أي شيء، يبدو أن القرار من “فوق”، وهي الآن في بيتها، أحد الضباط الذين حضروا الواقعة، لم أتأكد إن كان هو نفسه ضابط الفيديو أم لا، لما رأى الوضع آل إلى لا شيء، غضب لكرامة الضباط التي مسحت بها “النرش” بلاط المطار، فرفع الفيديو على مواقع التواصل، ثم جاءه تهديد، فمسحه، بينما الشرطة المصرية تقتل شبابًا في عمر 16، 17 سنة، في الميادين، وأحيانًا في مدرجات كرة القدم، لمجرد أنه يهتف ضد “الباشا” بدعوى الحفاظ على هيبة الدولة، كلمني أكثر عن هيبة الدولة .. عندك فكرة عنها؟”
أما ما حدث بعد ذلك، وأوصل الأمر للرأي العام، أن الإعلام وجدها فرصة سانحة لتبييض وجه الداخلية وإظهارها بالشكل المثالي الذي نحلم به، ليتم استضافة الضابط المهذب، ثم تتولى بعدها الصحف المصرية مهمة الإشادة بالشرطة ودورها، والتنكيل بياسمين لدرجة نشر وتسريب أرقام هاتفها الشخصي وصورة هويتها.
وعبرت “النرش” عن أسفها لحال البلد حتى بعد وصول السيسي للحكم، عبر صفحة لم يتم التأكد من أنها صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك:
لكن كل هذا لم ينطل على الناشطين المستقلين، على مواقع التواصل الاجتماعي عبر هشتاقات متعددة من بينها #سيدة_المطار #ابنة_الملياردير #ياسمين_النرش #الحريه_لياسمين_النرش، الذين فهموا الأمر كما هو بالضبط، رمزًا -كما ذكرنا في بداية المقال- عن الصراع بين أجنحة نظام السيسي المتصارعين على الامتيازات في الدولة الجديدة.
واعتبر الناشطون أن الداخلية تحاول تلميع صورتها، إذ إن ذراعها الإعلامي لميس الحديدي ووائل الأبراشي، وبقية الأذرع كالت له المديح، كدليل على ملائكية الجهاز، وأنه يتعامل بحس قانوني، واستضافت الحديدي الشرطي صاحب الواقعة على الهاتف، ليعطي درسًا في ضبط النفس واحترام القانون والمواطنين.
المدون وائل عباس قال إن “النرش” كانت ضمن حملة السيسي:
ومن بين الصور المتداولة على مواقع التواصل، والتي قارنت بين تعامل ضابط المطار مع “النرش” التي وصفت بـ “المسنودة” وبين طريقة تعامل ضباط الأمن مع المتظاهرين، صورة للحظة مقتل شيماء الصباغ، عضو حزب التحالف الشعبي، التي قتلت على يد الشرطة، في تظاهرة بالورود، خلال الذكرى الرابعة
للثورة المصرية.
كما تداول المغردون مقطع فديو يظهر شخصًا يبدو أنه من المباحث واضعًا قدمه فوق صدر مواطن، وهو ملقى على الأرض، فيما أشار مستخدمو موقع التواصل الاجتماعي أن المتهم تم إلقاء القبض عليه بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان.
هذا، وتقول الناشطة الحقوقية غادةشهبندر، إن المقاطع المتداولة للنرش هي من تسريب الداخلية المصرية لتحسين صورتها، لافتة أن هذا الأسبوع كان حافلًا بانتهاكات الداخلية للمعتقلين.
يوافقها مجدي خليل ويعتبر أن الداخلية هي من روجت هذه الدعاية لنفسها، وعن النرش يقول:
الناشط اليساري خالد عبد الحميد، يقول بسخرية كيف أن قضية “النرش” أصبحت رأيًا عامًا في حين أن أحد البسطاء يبحث عن “بامية” بسعر أرخص لأجل حفيده.
وتشير هبة صالح إلى أن: “الملاحظ إن أى حد بيعتدى أو بيضايق ضابط شرطة بيبقى إخوان أو بلطجى أو رقاصة .. وبالصدفة لازم يبقى معاه حشيش .. وبيبقى لازم لازم بغرض الإتجار”.
محمد يثني على تصرف الضابط متمنيًا للجميع أن يحذو حذوه: “باختصار الضابط عمل شغله صح ونتمني كل الضباط يبقوا زيه مع كل الناس ! بطلوا هري بقي وتوليع ف الموضوع. #سيده_المطار”
واستنكر الصحفي محمد الجارحي تعامل النرش مع الضباط، وكذلك ونشر خصوصيتها ومعلومات مغلوطة عنها، حيث قال: “غير مقبول اللي عملته، لكن عدد كبير من المواقع الإخبارية أساء للسيدة وقال إنها شغالة رقَّاصة ولم يعتذر موقع واحد عن المعلومات الغلط اللي نشرها”.
…………………….
المصدر: موقع التقرير
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …