السيسي قدم نفسه لأوروبا حاميا من “الإرهاب الإسلامي” مثل مبارك
تلخصت أهداف زيارة الرئيس المصري، الذي جاء عقب انقلاب يوليه 2013، لقبرص وإسبانيا، في مكايدة تركيا، والسعي للرد على رفضها الاعتراف بنظامه، ومناوشته بتصريحات تشكك في شرعيته، والسعي للترويج لنفسه لدي الأوروبيين– على طريقة مبارك السابقة– بأنه هو صمام أمن أوروبا، ومن ثم يجب عليهم دعمه بمشروعات اقتصادية كي يتمكن من الصمود ولا يعود الإخوان المسلمون، وحرص في سبيل ذلك على تكرار عبارة “إذا سقطت مصر ستسقط أوروبا”.
وقالت صحيفة “البايس” الإسبانية El Pais في عناوينها، إن “المشير السيسي يبحث عن شرعية له في أوروبا”، وانتقدت في افتتاحية معنونة بـ”الوهم المصري”، 27 أبريل الجاري، سياسية الدعم الغربي للسيسي ووصفتها بـ”المثيرة للسخرية” و”خطيرة وتغذي التطرف”.
وأكدت أن “مصر السيسي” ستكون أكثر تماسكًا وقوة إذا رسخت سلطة القانون، و”إذا ما دفع بالسياسيات التي تحرك الطاقة، وتلهم تطلعات ساكنة بلاده الضخمة الشابة، بدلا من تقوية الفساد الاقتصادي لجنرالاته وترسيخ الإفلات من العقاب الذي يلاحق عناصر من القوات المسلحة والأمن”.
فقبل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقبرص، وعقد قمة ثلاثية مع رئيسها ورئيس وزراء اليونان، ثم زيارته إلى إسبانيا، كان من الواضح أن الإعلام المصري الذي مهد للزيارة، يعتبر الزيارتين موجهتين لتركيا “أردوغان”، باعتبارها الدولة الوحيدة التي لا تزال تعتبر ما جرى في مصر انقلابا عسكريا، والرئيس مرسي ما زال رئيسا شرعيا.
بل لقد وصل الأمر بصحيفة خاصة داعمة للسلطة (الوطن)، وهي تشير للبعد الأمني والعسكري لزيارة السيسي لإسبانيا؛ للحصول على أسلحة لمصر، للقول “إن أهمية إسبانيا تنبع من أنها “الدولة التي وقفت بجانب مصر في حربها ضد الدولة العثمانية عام 1839″، دون أن تنسى القول “إن مصر تستورد من إسبانيا بعض المعدات والأسلحة، مثل مدرعات “BMR” البرمائية، وشاحنات “بيجاسو 3046″ العسكرية”.
أما زيارة قبرص والقمة الثلاثية المصرية القبرصية اليونانية والحديث عن “تحالف استراتيجي” بين الدول الثلاثة، فقد كان واضحا أنه موجه نحو تركيا، برغم حرص رئيس وزراء اليونان علي نفي أنه موجه ضد أحد، ولكن ما تم الاتفاق عليه خلال هذه القمة لا يعدو أن يكون “علاقات عامة”.
وإذا علمنا أن هذه هي القمة الثانية (المصرية القبرصية اليونانية) بعد القمة الأولى التي عقدت بالقاهرة، في نوفمبر الماضي، أي بعد 6 أشهر فقط من القمة الأولى، لأمكن رصد حرص الدول الثلاث على توجيه رسالة تحالف إلى تركيا.
السيسي منقذ الأوروبيين من الإرهاب
بصرف النظر عن توقيع السيسي بعض الاتفاقيات الاقتصادية الغير مؤثرة بحكم ضعف اقتصاد قبرص واليونان، فقد كان واضحا خلال زيارته لنيقوسيا ومدريد تركيزه على “مكافحة الإرهاب”، وتقديم نفسه على أنه الرجل المناسب، ففي قبرص قال خلال مؤتمر صحفي بعد القمة الثلاثية: “تحدثنا عن محاربة الإرهاب ودحره والقضاء عليه، ووقف إمداد الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح”، وأضاف: “نؤكد تطابق وجهات النظر حيال مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه”.
وكان واضحا خلال تصريحاته، استشعاره لتشكيك الأوروبيين في شرعية نظامه، لذلك كرر تأكيده أن الانتخابات البرلمانية ستجري قبل نهاية العام، وأنه يركز على توفير الطعام للشعب المصري قبل أي شيء، حتى إنه قال في حواره مع صحيفة (إلموندو) الإسبانية: “هل ستدفع أوروبا رواتب المصريين؟”، في إشارة لتقديمه الأمن على الديمقراطية.
وكان من الواضح أيضا أن العلاقات بين البلدين في المجال الأمني أخذت حيزا مهما في ظل احتلال الملف الأمني والعسكري مكانة في الزيارة، حيث تستورد مصر من إسبانيا بعض المعدات والأسلحة، التي تستخدم بعضها في صد المظاهرات، مثل المدرعات وشاحنات، رغم أن الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم، قال إنه لا توجد ملفات أمنية حيوية مشتركة بين مصر وإسبانيا من الممكن أن تشهد تعاونًا مشتركًا، والأمر قاصر على استيراد بعض الأسلحة من إسبانيا.
وخلال الزيارة، وقع وزيرا داخلية البلدين اتفاقا بشأن تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، وفق ما أعلنته الحكومة الإسبانية.
تحذير لأوروبا
وحذر «السيسي»- في حوار مع الصحيفة الإسبانية (إلموندو)- من أن “انهيار مصر سيقود المنطقة إلى الفوضى المطلقة”، وقدم نفسه على أنه ضمانة للاستقرار، في ظل التحديات التي تعيشها مصر ومنطقة الشرق الأوسط، وتعهد بإجراء الانتخابات العامة في مصر قبل نهاية العام، ودافع عن الحل السياسي في كل من اليمن وكذلك سوريا التي يرغب في رؤيتها خالية من الحركات المسلحة.
وراهن «السيسي» بذلك على الأطروحة التي تحذر الغرب من مغبة سقوط مصر، قائلا: «إن مصر ليست سوريا أو العراق، بل هي بلد مكون من 80 مليونا، وإذا سقط عمت فوضى خطيرة”، محذرا من عودة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة، متكهنا بفوضى إقليمية عارمة إذا حدث ذلك.
وعندما سُئل عن قتل الإخوان واعتقال ليبراليين ويساريين دافعوا عن الديمقراطية، تأسف لسقوط القتلى في مصر بعد الإطاحة بـ«مرسي» قائلا: «في الوقت ذاته كنت أود أن لا يكون هناك عنف، ولكن قارنوا أرقام مصر مع سوريا والعراق»، وأحال السؤال عن حبس الليبراليين للقضاء المصري.
وقال «السيسي» للصحيفة الإسبانية: “أواجه معادلة صعبة، دوري هو ضمان الأمن لتسعين مليون مصري يواجهون خطر الفوضى، وإذا سمحت بالقيام بأي شيء، فهل ستدفع أوروبا رواتب المصريين؟ لا ينبغي إصدار أحكام عليَّ قبل الأخذ في الاعتبار الوقائع على الأرض”.
وأضاف “توجد ديمقراطية في مصر، والناس هنا مهيأة للديمقراطية، لقد اختار المصريون بطريقة ديمقراطية محمد مرسي بعد يناير 2011، لكنهم رصدوا خطرا لاحقا ووضعوا حدا له، ويمكن للمصريين وضع حد لي أنا كذلك، إذا رغبوا في ذلك، لو لم أتدخل لحدثت حرب أهلية بين غالبية الشعب والأقلية التي تؤيد مرسي”، بحسب قوله.
وردا على الاتهامات أنه يجمع السلطات كلها في يده، تعهد السيسي» في المقابلة مع صحيفة (الموندو) الإسبانية، بتنظيم الانتخابات التشريعية قبل نهاية العام الحالي، بالرغم من تأجيلها ثلاث مرات منذ انقلاب يوليو 2013.
وفي مارس الماضي، أُرجِئَت الانتخابات البرلمانية في مصر للمرة الثالثة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده «السيسي» على الرئيس المنتخب «محمد مرسي»، وكان سبب التأجيل حكما من المحكمة الدستورية ببطلان مادة في قانون الانتخابات تتعلق بتقسيم الدوائر، وقال معارضون: إن «السيسي» يعمل على تأجيل الانتخابات لكسب الوقت من أجل تحقيق إنجازات سياسية وجمع السلطات في يده، وإنه يستغل المحكمة الدستورية لهذا الهدف.
ويمسك «السيسي» بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية منذ تنصيبه رئيسا في مايو 2014، برغم أن أحد أسباب الانقلاب علي الرئيس السابق مرسي هي اتهامه بإصدار إعلان دستوري في غياب البرلمان، حيث يقول منتقدو السيسي: إنه أقام نظاما سلطويا يُقصي كل المعارضين.
واستقبلت منظمة العفو الدولية بفتور زيارة السيسي لإسبانيا، وطلبت المنظمة في رسالة مفتوحة إلى الحكومة الإسبانية أن تلح على احترام حقوق الإنسان في مصر أثناء الزيارة، وقالت المنظمة “إن حرية تعبير المعارضين والصحفيين تم تقليصها، وتم توسيع اختصاص محاكم عسكرية لمحاكمة مدنيين، وأصبح مسموحا لقوات الأمن باستخدام التعذيب والاستعمال المفرط للقوة دون عقاب”.
ترسيم الحدود البحرية
عام 2004، وقعت مصر اتفاقية مع قبرص بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ترتب عليه اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي، بما سمح لقبرص وإسرائيل باستغلال حقول غاز طبيعي عملاقة داخل المياه الاقتصادية المصرية، المحددة بمعايير اتفاقية الأمم المتحدة، لقانون البحار لسنة 1982.
وكان من الممكن أن تظل هذه الاتفاقية عادية وتسري بدون مشاكل، حتى أعلن الرئيس القبرصي في يناير 2011 عن اكتشاف بلاده أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم، وتقدر مبدئيًا بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار، فيما يسمى البلوك-12 من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجي، وقرر تسميته حقل أفروديت.
لذلك أقام السفير إبراهيم يسري، صاحب قضية إيقاف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري؛ لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، قال فيها: “يقع البلوك- للحقل 12 في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس المغمور في البحر، والذي يدخل ضمن حدود مصر البحرية منذ أكثر من 2000 سنة”، حسبما جاء في الدعوى والتقريرين العلميين المرافقين.
وبعدما أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشافات غاز طبيعي، تعدت احتياطاته نحو 1.22 تريليون متر مكعب، تقدر قيمتها الحالية بنحو 220 مليار دولار، قال خبراء جيولوجيون وقانونيون: إن اسرائيل وقبرص استولتا عليها رغم أنها تقع في مناطق متداخلة مع الحدود الشمالية للمنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة لمصر، ومنها حقل غاز داخل المنطقة البحرية الاقتصادية شمال دمياط.
وخلال زيارة السيسي لقبرص الأخيرة، وقع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع قبرص، وقال المسئولون المصريون: إنه يجرى الآن ترسيمها مع اليونان، وخطورة هذا الاتفاق هو التنازل عن حقوق مصر في غاز “المتوسط”، كما يرى معارضو الاتفاق الأول.
ومع أن خبراء في العلاقات الدولية، قالوا إن ترسيم الحدود البحرية هدف التعاون بين كل من مصر وقبرص واليونان في مجال الاستفادة من غاز المتوسط في ظل تعاظم تنقيب تركيا وإسرائيل عن الغاز هناك، وتشكيل تحالف قوي يضم الدول الثلاث في مقابل مساعي تركيا وإسرائيل واليونان للسيطرة على الغاز في البحر المتوسط، إلا أن الخبراء الجيولوجيون قالوا إن الاتفاق مع قبرص ضار لمصر.
حيث يري هؤلاء الخبراء أن حقلي لفياثان الاسرائيلي وأفروديت القبرصي يمتدان في عمق (المياه الاقتصادية المصرية) ناحية ميناء دمياط المصري، وأن استحواذ إسرائيل وقبرص عليهما، يعني نهب واستغلال غاز يعود إلى مصر.
وسبق أن قال المهندس أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية السابق: “إن كل ما أثير حول انتهاك قبرص وإسرائيل الحدود البحرية من خلال القيام بعمليات تنقيب واستخراج للغاز الطبيعي غير صحيح”.
وقال: “إن الخرائط المقدمة من جانب هيئة عمليات القوات المسلحة وهيئة المساحة العسكرية تؤكد أن حقول أفروديت المكتشف في قبرص وليفاثان وشمشون الإسرائيليين لا تقع ضمن الحدود المصرية الاقتصادية”.
وفي تبريره قال الوزير المصري: إن حقل ليفيثان الإسرائيلي يقع طبقا للبيانات الرسمية وخرائط الحدود على مسافة 136 كيلومتر من إسرائيل مقابل 204 كيلومترات من دمياط، وبالتالي فهو أقرب لهم منا، فيما يقع حقل أفروديت القبرصي على بعد 154 كيلومتر من شواطئ ليموسو القبرصي و187 كيلومتر من مدينة دمياط.
ولكن الدكتور نائل الشافعي، الباحث في جامعة ماساتشوستس الأمريكية، الذي أجرى عملية بحث تصويري على منطقة الحقول الثلاثة، قال إنه اكتشف أن حقلي لفياثان الإسرائيلي المكتشف عام 2010 وأفروديت القبرصي المكتشف عام 2011 يقعان داخل المياه المصرية الاقتصادية الخالصة، على بعد 190 كيلومتر فقط من دمياط، و235 كيلومتر من حيفا في الأراضي المحتلة، و180 كيلومتر من ليماسول القبرصية، كما أنهما يقعان في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس، الذي تتحدث الخرائط القديمة عن مصريته منذ 2200 عام.
وكانت المفاجأة الثانية، بحسب بحوث الدكتور “نائل”، أن الجزء الجنوبي من سفح هذا الجبل الغاطس يدخل ضمن نطاق امتياز شركة شمال المتوسط المصرية، المعروفة اختصارًا باسم «نيميد»، والذي منحت مصر امتياز التنقيب فيه واستغلاله لشركة رويال دتش شل الهولندية العملاقة عام 1999.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …