‫الرئيسية‬ مقالات حفيد “نمرود” يقابل حفيد “فرعون”
مقالات - أبريل 30, 2019

حفيد “نمرود” يقابل حفيد “فرعون”

أظلمت السماء بسواد كثيف، وعند المنحدر المتواري ما بين الجبلين الشاهقين إلتقي الطاغيتين علي غير موعد بينهما، وإنما ساقهما إلي هناك سعي كل منهما وخطته في الحياة..

وقف كل منهما يلتقط أنفاسه ويتحدث مع الآخر ليتعرف منه علي ماهية السُبل الجديدة التي يتخذها ويسير فيها..

*****

قال حفيد فرعون: ظني أنك لست مثل جدك بالطبع، ولا تسعي لأن تتأله أو تجلب الناس تحت قدميك ملبين خاضعين..؟

أجابه حفيد نمرود: ولماذا أتوقف..؟!! أتظن أن رسالة جدي قد فنيت برحيله، أم أني سأعدم الفرص والحيل التي أحقق بها ما كان يصبو إليه “نمرود الأول”! إنه كان في عمر الزمن مجرد جولة..ولي ولآبائي من قبلي بعده جولات وجولات..ظني أنك أنت الذي نكصت وآثرت العيش بسلام وسط العامة والبسطاء، أو.. ربما مختبئا تسحق أفكار جدك وتراجعها لتنقضها وترفضها..؟

حفيد فرعون ضاحكا بسخرية واستهزاء: ومن ذا يمكنه أن يرفض ولو في نفسه أو يراجع قرار الاستخفاف بالجماهير ونصب شباك المذلة لهم. فإذا كان من حولي هم من يعطوني أذرع القيادة لعقولهم..فلماذا أتركها لهم ثانية إذن؟! بل إني أستمتع أيما استمتاع بدحرهم وقهرهم عبر تلك الأذرع والأيادي التي يسلموها لي، فأشد منها وثاقهم وهم مستسلمون وإن كانوا يصرخون ويتألمون، فلا أعرف حينها علي أيهما أضحك، علي استسلامهم، أم علي دموعهم ونحيبهم الذي هو من أصل فعلهم في الأساس. إنه مشهد إذا رأيته يا عزيزي فلن يسعك معه كل ألوان الضحك. فهل تظن أنه بإمكاني عندئذ أن أترك تكرار هذا المشهد الخلاب وأفر إلي المراجعة والفكر والندم..! ولكن اسمع يا عزيزي، ما رأيك أن تترك لي أنت الساحة وتأخذ قسطا من الراحة، ربما تري بعدها كم كان بالفعل طريقك مهلكا وعاقبته وخيمة علي من كان قبلك. فاترك لي هؤلاء البسطاء فلي معهم خبرات وخبرات، وسأسمح لك أن تأتي في أي وقت تريد لمشاهدة العديد والعديد من مشاهد اللهو الصاخبة..

حفيد نمرود: هل تحسب أنه يمكنك إقناعي أن أعود من هذا الطريق الذي اخترته رغم قسوة ما لاقاه أجدادي فيه من قبل؟! إن مهارات ذاتية لديّ هي ما تثبت لي أني سأحقق ما عجز عنه السابقون ولن أجد مثل ما لاقوا من مصائر مروعة..

حفيد فرعون:..اصمت ..اصمت..لا تذكرني بتلك المصائر، فلم يأتي بي إلي هنا إلا الركض خلف هذا المصير، قبل أن يركض هو نحوي..

حفيد نمرود: لم أفهم..وماذا يعني أنك تركض أنت خلفه، ألم يغرق جدك في بحر متلاطم من الأمواج، وعجز أن يفز بالكتيبة المؤمنة رغم كل ما بذله لهم ولغيرهم من ذل وهوان، فكيف تحاول أنت الآن الفكاك من مصير مشابه؟

حفيد فرعون: إن خوفي ليس من الناس في الحقيقة؛ فكما حدثتك قد أعطوني مختارين سبل قيدهم وكسرهم والعصف بهم. لكن قلقي يبقي من تلك الأفعال التي تتحرك بلا ضابط أو ناظم من بين يديّ؛ أمور تأتي فجأة، أو تتسلل من أبسط الأشياء أو ما لا يمكن أن يتخيله عقلي أبدا. وأظن أنك أعلم مني بمثل تلك الحادثات..أوَ ليس كذلك؟!

حفيد نمرود: أها.احم..احم..أعرف إلي ماذا تلمح وأدركه تماما، فأنت تريد أن تعايرني بأن بعوضة صغيرة ضعيفة هي ما عصف بجدي الأكبر وأهلكه..والحقيقة أن ما أردت أن أقوله لك..هو ذلك الذي عبّرت أنت عنه، فخبرتي ومن قبلي آبائي تؤكد أن زرع الاستبداد والتسلط علي رقاب الناس ليس هناك أيسر أو أسهل منه، لكن تظل دوما تلك الأمور الغير مرئية..والغير مفسرة..أمور تجعلني مهما حاولت تعيسا متألما، ومهما طعمت جائعا لا تشبعني أطنان من اللحم وحقول من الزراعات، ظمأ لا ترويني معه أنهار من الماء، وصفاء وراحة لا أراها ولو في كوب واحد من الحليب رغم أن من يحضره لي هم أوثق الخدم وأخلصهم عندي..ولكن تبقي شوائب الكوب فيه لا تبرحه، فأشربه وأتظاهر بالري والاستعذاب، وأُخفي عن الجميع ما تراه عيناي من تلك الأكدار التي أتجرعها علي مرأي ومسمع من نفسي..ونفسي فقط..في حين يغبطني علي شربتي تلك كل من حولي..إنه..ها..ماذا..هل قلت شيئا..هل سمعت مني شيئا الآن…كنت أريد أن أسألك عن خطتك تلك التي حدثتني عنها..نعم..نعم…ماذا قلت..!!

حفيد فرعون مطرقا واجما: لا تقلق يا عزيزي، أنت لم تتحدث عن شيء أغفله أو لا أدركه..ولهذا قلت لك أني خرجت الليلة لأركض أنا خلف تلك الأشياء التي تباغتنا لتقضي علينا، فسأتعقبها بنفسي وأباغتها أنا قبل أن تفعل هي..

حفيد نمرود: وهل تظن أن هذا ممكن، حدثني أكثر، ماذا ستفعل تحديدا؟

حفيد فرعون: البداية عندي ستكون من نفس نقطة نهاية جدي الأكبر..فإذا كان هذا البطل الكبير قد لقي مصرعه غرقا في البحر..فإن كل ما يجب عليّ فعله، هو أن أجفف تلك البحار ذات الأمواج العاتية، وبهذا أنجو من مثل هذا المصير الأليم..وقد بدأت هذا بالفعل وسخرت فيه هؤلاء البسطاء ممن لا عمل لهم سوي الإئتمار بأمري والوقوف عند هوي نفسي، وها هم قد بدأوا منذ أمد في تجفيف مياه البحر بمناشف عملاقة..وقد تركتهم في عملهم هذا يؤدونه خاضعين. وجئت إلي هنا لأصعد فوق تلك القمة التي لا مثيل لإرتفاعها وعلوها لأتابع عن كثب ما أنجزه هؤلاء البسطاء من تلك المهمة؛ تلك التي قد بدأوها منذ عقود طويلة ولم ينتهوا منها بعد..!

حفيد نمرود ضاحكا: لم أتخيل في حياتي أن هناك من بدأ في تنفيذ خطتي التي قد شرعت في تنفيذها عما قريب، وجئت إلي هنا أيضا من أجل إحدي خطواتها، فقد أخبرني رجالي الذين جندتهم في صيد كل البعوض وقتله وإبادته عن آخره أن هناك بعوضة تستعصي عليهم، فما إن يهموا بضربها إلا وتفر وتقفز وتحلق بعيدا، حتي وصل بها الركض إلي هذا الجبل، فجئت أيضا كي أصعد فوقه وأعمل علي قتلها بنفسي وبقوة ساعدي تلك..

ضحكا الرفيقان كثيرا؛ فقد أدركا أن بغيتهما واحدة، وأن عليهما صعود قمة الجبل سويا، فاتخذ كل منهما من ذراع صاحبه عونا له يتكيء عليها، وتعاضدا كي يصعدا، حتي وصلا إلي القمة..وهناك..

قال حفيد فرعون في نفسه: إن أنا تركت حفيد النمرود يحقق مأربه فسيصل إلي قمة ما يريد من تسلط وقهر وجبروت، ولن يبقي أمامه بعدها سوي محاربتي للإستئثار بحكم العالم، أما الآن فالفرصة سانحة أمامي للنيل منه دون أن يدري، وحينها لن يكون لي منافس علي كرسي العرش..

انتبه من شروده، فإذا بصوت حفيد نمرود يحدثه من خلفه في سعادة ومرح، قائلا له: أنه نظر من عنده فإذا البحار قد جفت، وإذا المحيطات الصاخبة قد خفت خريرها وجف سيل الماء فيها، وهنا أدرك حفيد فرعون أن الفرصة قد واتته، فصاح به متظاهرا بالفرح هو الآخر قائلا: وأنا هنا وتحت قدمي تلك قد وجدت بعوضتك العندية صرعي قتيلة..

ثم اندفع كل رفيق منهما في الاتجاه الذي حدثه عنه الآخر ليري كيف استقر عرشه وساد استبداده وطغيانه في العالمين. وفور أن اندفع حفيد “نمرود” ليري مصرع بعوضته إذا بحجر ثقيل يتدحرج من تحت قدميه فيسقط من أعلي الجبل الشاهق العالي! وعلي الضفة المجاورة نظر حفيد “فرعون” من المكان الذي أشار إليه صاحبه فإذا به قمة غير متزنة يتمايل من يعلوها أو يطالع من لديها؛ فقد فاته أن حفيد “نمرود” لن يفرح ويناديه إلا لينفذ خطة مثيلة لتلك التي دبرها هو له، ومن ثم فقد اختلّ اتزانه وسقط قتيلا مضمخا في دمائه بجوار صاحبه..

الغريب أن البسطاء في شعبيهما مازلوا يبحثون عن البعوض ليقتلوه، وعن البحار ليجففوها خشية من غضب هؤلاء الفانين الصرعي..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …