المثقف في خدمة السلطة المستبدة.. قراءة في مقال “حصار القاهرة”
“حصار القاهرة” هو المقال الذي كتبه المثقف خالد سيد أحمد بـ”الشروق” في عددها الصادر أول أمس السبت 23 فبراير 2019م، وفيه يعلق على رد فعل سلطة الانقلاب على الحملة التي شنتها فضائيات الثورة التي تبث من تركيا، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي امتلأت بتعبيرات النشطاء الحزينة التي تعكس حجم الغضب الشعبي المتصاعد ضد سلطات الانقلاب ونظامها الفاشي.
5 ملاحظات
الملاحظة الأولى على المقال هي استخدام التعبيرات المجازية ذات الدلالة التي تكشف عن انحياز الكاتب لنظام عسكري ليس استبداديًا فقط ولا ديكتاتوريًا فقط بل وصل إلى حد الطغيان، بحسب المقال الذي نشره الكاتب أنور الهواري على “الشبكة العربية”؛ حيث عبر مقال سيد عن النظام بكلمات (القاهرة، الدولة المصرية، إعلامنا) بينما عبر عن إعلام الثورة بعبارات تنزع عنه الثورة والانتماء للشعب، فهو عند الكاتب السلطوي (إعلام الإخوان، إعلام قطر)، بل وصف الحملة التي شنتها فضائيات الثورة دفاعًا عن حقوق الإنسان وتفنيد أحكام الأعدام وكيف استندت إلى اعترافات تم انتزاعها كرهًا بالتعذيب، وبثّ الأدلة والبراهين على براءة الشباب المعتقلين بأنه (الغزو الواسع)!.
الملاحظة الثانية: أن الكاتب يقر بأن نظام العسكر الذي عبر عنه بالقاهرة تدليسا وافتراء، تعرض ليوم صعب للغاية الأربعاء الماضي (19 فبراير) “تعرضت فيه القاهرة لحصار إعلامي شبه تام.. تلعثم خطابها.. ارتبك أداؤها.. بدت عاجزة عن صد الهجمات العنيفة التي طالت جميع مؤسساتها وشككت في نزاهتها واستقلاليتها.. أصبحت مكشوفة بلا جدران حماية أمام قناة الجزيزة القطرية وشقيقاتها من فضائيات الإخوان التى تبث من تركيا، على خلفية إعدام الخلية المدانة باغتيال النائب العام السابق هشام بركات”.
ويضيف الكاتب السلطوي أن صوت إعلام السلطة العسكرية الذي عبر عنه بـ”صوت الإعلام المصري ظل 24 ساعة “مبحوحًا” لا يكاد يسمعه أحد.. لم يعرف كيف يواجه هذا “الغزو الواسع” الذي نفذته تلك القنوات بـ”إتقان بالغ”.. ربما لم يستعد جيدًا لهذه المواجهة المتوقعة، رغم أنه لو كان أحد من رجاله نظر بشكل سريع إلى مواقع التواصل الاجتماعي عشية تنفيذ الحكم، لشعر بـ”التمهيد النيران” لـ”المعركة الشرسة” التي ستندلع في الساعات المقبلة”.
الملاحظة الثالثة: أنه في سبيل تفسير أسباب سقوط ما أسماه بالإعلام المصري في هذا الاختبار في كثير من المواقف يحذر من وقوع الرأي العام فريسة لما أسماها بالقنوات الإخوانية، في إشارة إلى إعلام الثورة الذي يتبنى الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء الدولة المصرية على أسس سليمة تقوم على التعايش المشترك واحترام إرادة الشعب والدفاع، وكذلك عن تجربة الثورة المصرية ضد الانقلاب وتحالف الثورات المضادة، ولتشويه إعلام الثورة يدعي أنه يخدم فقط أهداف الجماعة ويستهدف ما أسماها بتصفية الحسابات القديمة مع الشعب والحكومة ومؤسسات الدولة المصرية؛ في تدليس فاضح وافتراء يفتقد إلى أدنى احترام للعقل والمنطق والحقيقة.
الملاحظة الرابعة: أن سيد أحمد يعترف بأن إعلام الثورة امتلك زمام المبادرة فى الكثير من الأحداث الكبيرة التي مرت بها البلاد، وكان له الكلمة العليا فيها إلى درجة توجيه دفتها، وتعامل مع مشهد الإعدامات باحترافية بالغة بحسب الكاتب السلطوي، واستعدوا له جيدا بالتقارير والمداخلات المنظمة والصور والموسيقى المؤثرة، التى تدغدغ المشاعر وتستقطب التعاطف مع المدانين قضائيًا، إلى درجة أن الكثير من المشاهدين نسوا أن هناك جريمة كبيرة وقعت، وهى اغتيال نائب عام مصر، وتذكروا فقط الشبان التسعة الذين تم إعدامهم. بينما اكتفى (إعلامنا..”إعلام العسكر”) فقط برد الفعل، وللأسف جاء في أغلب الأحيان متأخرا للغاية ومنزوع الدسم وبلا تأثير يذكر.
الملاحظة الخامسة: حول تفسيره أسباب سقوط إعلام العسكر حيث يتساءل: “هل سقط إعلامنا “العام والخاص” لأنه يفتقر إلى الإمكانات المادية والبشرية مثل الإعلام الإخواني؟ غير صحيح على الإطلاق.. فالإعلام المصري بشقيه العام والخاص، لديه من الإمكانات البشرية والمادية الكثير، وربما في أحيان كثيرة يفوق ما يمتلكه الإعلام المنافس”.
ويتساءل مجددا: «إذا لماذا سقطنا في ذلك الاختبار، وتركنا القاهرة وأهلها تحت الحصار الإعلامي الخارجي لمدة 24 ساعة؟. بالتأكيد سقطنا لأن الوجوه الإعلامية التي تطل يوميًا على الشاشات، فقدت تأثيرها منذ زمن طويل، ولم يعد هناك ما يدفع المواطن المصري إلى مشاهدتها ومتابعتها بعدما تماهت تماما مع مواقف الحكومة، ولم تحرص على وجود مسافة فاصلة بينها وبين المسئولين، تمنحها مصداقية عند المشاهدين الذين فقدوا الثقة فيها”.
ويضيف: “سقطنا فى الاختبار، لأن إعلامنا يتحرك بلا رأس.. يحارب طواحين الهوى.. يفتعل معارك جانبية بلا قيمة.. يشوه هذا ويفضح هذه ويهدد هؤلاء.. يركز جهوده على الداخل وكأننا نعيش فى جزيرة معزولة.. لم يضع الخارج فى حساباته، فكانت النتيجة ان الداخل نفر منه بشكل كبير لأنه لا يقول شيئا يحمل مضمونا مختلفا.. والخارج لم يعره أى اهتمام لأنه لم يشعر بوجوده من الأساس”.
خلاصة المقال
أولا: أنه يمثل اعترافا من الكاتب السلطوي بسقوط منظومة إعلام العسكر، وأنه بات بلا تأثير داخليا وخارجيا لأن الوجوه القائمة عليه فقدت مصداقيتها في أعين الجماهير.
وثانيا: يعترف بأن إعلام الثورة الذي أسماه تشويها له بإعلام الإخوان بأنه يحقق نجاحات كبيرة وبات له تأثير على الرأي العام المصري.
وثالثا: يؤكد الكاتب انحيازه للسلطة الدفاع عن نظام عسكري استبدادي.
رابعا: لم يناقش المقال الانتهاكات التي تعرض لها الضحايا في سجون السلطة ولا عن الاعترافات التي انتزعت منهم تحت سياط التعذيب والصعق بالكهرباء ولا المحاكمات المسيسة التي لم تتوافر فيها أدني درجات العدالة والنزاهة واستندت كليا على تحريات الأمن الوطني.
وخامسا: تغاضى الكاتب عن السياق الذي تمر به البلاد حيث تمارس أبشع صور الانتهاكات والقمع وتطويع جميع مؤسسات الدولة لخدمة أهداف النظام العسكري من خلال أحكام الإعدام التي بلغت أكثر من 2500 قرار بخلاف حملات تعديل الدستور التي تستهدف تكريس جميع السلطات في يد فرد واحد، هو فرعون الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
وسادسًا: فإن الكاتب للأسف يؤكد أن مثقف السلطة معدوم الضمير والأخلاق يعيش في جزيرة معزولة لا يرى إلا ما يراه النظام الانقلابي ولا يدافع عن حقوق الإنسان إلا إذا مست من يؤمن بأفكاره وليس دفاعا عن القيمة في حد ذاته كقيمة إنسانية وأخلاقية يتعين الدفاع عنها بعيدا عن تصنيف الضحايا، وهو ما يؤكد عليه القرآن “لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …