‫الرئيسية‬ مقالات الإرهاب الفقهى
مقالات - أكتوبر 24, 2019

الإرهاب الفقهى

رآيت أن كثيرا من الآراء الفقهية الجديدة التى تعكس حالة الاجتهاد والتجديد الفقهى المعاصر والتى تخالف المعهود والمألوف لدى المقلدين من أرباب الفقه تثير استغرابا واستنكارا بل واستهجانا فى بادئ الأمر ، ثم يظهر بعد ذلك من العلماء من ينتصر لها ، ويثبت أقدامها فى الوسط الفقهى ، ثم تتعاقب الأصوات الفقهية المترددة بالتأييد والتسليم حتى يصير الرأى الجديد المستغرب بالأمس مألوفا مقبولا اليوم ، يأخذ به من يشاء ويدعه من يشاء .. ويكون الفضل فى هذه المعركة الفقهية لصاحب السبق الذى اخترق جدار الصمت ،وألقى حجرا فى المياه الراكدة ، وصدع بما يعتقد صوابه ، وما أداه إليه اجتهاده ، غير هيابٍ ولا آبهٍ لكثرة المعارضين الذين يتناولونه بالنقد والتجريح بل وربما بالتشويه ..

وقديما قيل :الإنسان عدو ما يجهل ، وهو كذلك أسير المألوف.

من هذه الفضايا الفقهية القول بجواز رئاسة المرأة للدولة بالمفهوم المعاصر أى الدولة القُطْرية ودولة المؤسسات ، والقول بأن عقوبة المرتد تعزيرية موكول تحديدها إلى القاضى وليست عقوبة حدية ، والقول بأن عقوبة الخمر تعزيرية وليست حدية ، والقول بأن الحاجة لها أثرها فى تقديرعقوبة السرقة تخفيفا واستبدالا بعقوبة تعزيرية مناسبة ، والقول بمساواة المرأة بالرجل فى الدية ، والقول بمساواة المسلم بغير المسلم فى القتل العمد والدية وعقوبة القذف ، والقول بأن المحصن الذى تقع عليه عقوبة المحصن هو من ارتكبب جريمة الزنا فى ظل زوجية قائمة بالفعل .. وغير ذلك من القضايا الأخرى.

ومن هؤلاء المجتهدين المجددين فى عصرنا الذين حركوا المياه الراكدة الشيخ محمد عبده ، والشيخ محمد أبو زهرة ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ عبد الوهاب خلاف ، والشيخ مصطفى شلبى ، والشيخ محمد الغزالى ، والشيخ يوسف القرضاوى ،وأستاذنا الدكتور محمد سليم العوا ، وأستاذنا الدكتور محمد بلتاجى حسن ، والأستاذ الدكتور أحمد الريسونى ،…وغيرهم .

هؤلاء الفقهاء من الذين ذكروا آراءهم في كثير من القضايا الجديدة وتحملوا ضريبة الاجتهاد والتجديد فى الساحة العلمية وعبء النقد من البعض والتطاول من البعض الآخر، وإن كنت أؤكد على عدم تقديس الأشخاص ، وأن كلا يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، لكن الاحترام والتقدير واجبان حتى وإن اختلفنا مع غيرنا فى قضايا الاجتهاد .

وقد رأيت أن كثيرين من أهل العلم مقتنعون بآرائهم الفقهية ، ولكنهم يضنون بسمعتهم العلمية من أن تنال، أو يقال عن أحدهم: الشيخ خرق الاتفاق، أو الدكتور شق عصا الإجماع كما كان يحكى عن كبار المجتهدين في عصرنا من أمثال الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد أبي زهرة والشيخ القرضاوي.

وكانوا يتحاشون التشنيع عليهم ممن هم ليسوا في نضجهم الفقهي، ولا مكانتهم العلمية، ويتحامون إشهار سيف الإجماع في وجوههم، ذاك السيف الذي رفع بغير حق في مواطن كثيرة فحرم الأمة من اجتهادات كثيرة أن تخرج إلى النور لكبار الأئمة في عصور التراجع الحضاري والتعصب المذهبي والجمود الفقهي.

وهذا إفراز الإرهاب الفقهي ــ إن جاز التعبير ــ الذي يمارس من البعض ضد كل صاحب اجتهاد جديد في المحيط العلمي، والذي سرعان ما يستغرب مثل هذه الاجتهادات الجديدة التي تخرج عن مألوفه وما ترسب لديه دون بحث أو تأمل في حجة الرأي الجديد، ودون احتفاظ لحق الآخرين بحرية الاجتهاد ما داموا من أهله، وأصعب من ذلك أن ينال من عرض العالم ، أو يهال عليه التراب، وينتقص من قدره بسبب اجتهاده، باسم النصيحة في الدين أو الأمر بالمعروف، والغيرة على الإسلام.

إن القرآن الكريم لم يطالبنا في باب الاجتهاد والفكر بأكثر من قوله تعالى ” قل هاتوا برهانكم” البقرة 111 . وأي اجتهاد له دليله فهو معتبر وفق شروط الأصوليين ، وهو في نهاية المطاف رأي يدور بين الأجر والأجرين، وإن قبله البعض واعترض عليه آخرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تحرير العقل من سلطان الأساتذة والشيوخ

كما حرّر القرآن العقل من سلطان الآباء وسلطان الكبراء، حرّره كذلك من سلطان الأساتذة والشيوخ…