حول وثيقة حماس وزيارة البطريرك
حول وثيقة حماس وزيارة البطريرك
قد لا يجد البعض رابطًا بين هذين الحدثين، لكنى أراهما لا ينفكان عن بعضهما؛ فهما نتاج حالة مزرية يعيشها العرب، وسقوط فاضح لعروشهم وجيوشهم، وإذا كانت زيارة بابا روما قد أحبطت البعض؛ فإن وثيقة حماس قد أنعشتهم، وأعطتهم الأمل فى خيرية هذه الأمة ورواج سوقها، مهما بدا من تقهقر ومحن…
جاء فرنسيس الثانى بخيله ورجله، مزهوًا فخورًا، وعقد قداسه فى (استاد الدفاع الجوى)، وفى حراسة -كما تم الإعلان عنه- نحو 35 ألف ضابط وجندى، وهرعت الأجهزة الحكومية جميعًا، العسكرية والمدنية لاستقباله، وتعطلت الطرق، وأغلقت الإشارات.
وكان يومًا حزينًا على كل مسلم واع؛ فالرجل يحمل فى يده صليب، وفى اليد الأخرى غصن زيتون؛ دليل المحبة والسلام، وقال إنه ما جاء إلا ليبارك المحروسة بهذا السلام.. وهو -بالطبع- كاذب محتال.
ولو كان صادقًا فيما يقول لمنع الحرب الصليبية الدائرة على المسلمين حول العالم، بل فى قلب البلد الذى أقام قداسه فيه. ألا يعلم هذا الصليبى أن من فتحوا له الباب لدخول مصر قتلة؛ قتلوا الركع السجود؟ ولا يزالون يسجنونهم، ويهتكون أعراضهم، ويصادرون أموالهم؟.. أقسم بالله يعلم كل هذا، وما كان له أن يدخل بلدنا لولا علمه أن مسلميه يقتلون ويسجنون ويطاردون، وأن من يحكمونه الآن يوالونه ويعادون المسلمين، ويسارعون فيه وفى أمثاله.. لئلا تصيبهم دائرة.
لهذا أصاب الحزن المسلمين لتلك الزيارة البائسة، التى اجتمع فيها الفرقاء: كاثوليك، أرثوذكس، بروتستانت، وما كان لهم أن يجتمعوا لولا أن غنيمة جديدة يقسمونها بينهم، وأن بلدنا صار هدفًا لهم، والذى ما كان لهم أن يدخلوه إلا برعاية من لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة، وهؤلاء وهؤلاء لا تعنيهم سوى مصالحهم، وما بينهم وبين الإنسانية كالذى بين السماء والأرض..
وإذا كان البطريرك يدور بدجله وشعوذته حول العالم، زاعمًا أنه يعمل لله، وأنه فرح لكسب أرض جديدة ومؤمنين -كما يقولون- جددًا؛ فهذا شأنه. أما العجب العجاب فهو أمر العسكر، الذين يلتمسون العزة عند هذا الدعّى، ويخافون العيلة فيتبركون به ويحتفون بمقدمه، ضاربين بمشاعر الشعب المسلم عرض الحائط، وهذا فعل لا يرضاه الله ورسوله، وقد كتب على فاعله الضنك والشقاء؛ لأن ما عند الله لا يُطلب بمعصيته، وهل هناك معصية أكبر من تمكين الكافرين من رقابنا، وفتح مجالات التنصير أمامهم، فى الوقت الذى تغلق فيه المساجد ومعاهد الدعاة وكتاتيب التحفيظ؟
وتأتى وثيقة حماس لتعرى الدمويين، وتكشف خيبتهم، وتثبت لهم أن لله رجالا، لا يخافون فى الله لومة لائم، ولا يخشون أحدًا إلا الله، ولا تغرهم قوة خصم، ولا إمكانات عدو؛ لأنهم يستوى عندهم الموت والحياة، وقد نذروا أرواحهم لله، رخيصة فى سبيل الوطن والدين، لا يضرهم من خذلهم، فهم مرابطون على الثغور، وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدوا تبديلا.
ولأن الفاسد يظن فساد العالم حوله، فلقد روج إعلاميو العسكر لتنازلات سوف تقدمها الحركة (حماس) حال إصدار الوثيقة؛ ظانين بأبناء القسام ظن السوء، معتقدين أن الجميع على شاكلتهم يفرطون فى الأرض والعرض.. ثم تصدر الوثيقة، وقد أثلجت صدور قوم مؤمنين، فقام السحرة مصروعين كالذى يتخبطه الشيطان من المس، لا يصدقون أن فى زمن الخيانة هناك من يقول ربنا الله، ومن يحسن الظن بخالقه، ومن يسبح ضد تيار الممالك والإمارات العميلة؛ فهؤلاء الذين ليست لهم دولة، وليس لقطاعهم منفذ خروج، وليس لهم مورد فى بر أو بحر، يستمسكون بعزتهم، ويحفظون كرامتهم، ويعلون من قدرهم. لقد خرجت وثيقتهم وليس بها تنازل واحد، وليس بها إذعان لأحد، أو خوف من (قوة عظمى)، بل أضافوا إليها مبادئ جديدة، وثوابت أخرى، وقالوا للدنيا كلها {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]
وما كان لأبناء القسام أن يتحدثوا بتلك القوة، وأن تكون لهم تلك المكانة، لولا طاعتهم لله، وولاؤهم له، والبراء من كل ما يخالف دينه وشرعه، ولولا إعدادهم العدة -رغم ندرة الإمكانات- ولولا الحكم بالعدل، والحق، والحرية؛ ففى كل تلك الأجواء ينشأ الأسود ويصير الوطن -ولو فى حكم قطاع غزة- عرينًا يستعصى على الأعداء، أما فى أجواء النكسة وفى بيت العسكر، بيت العنكبوت، فينكسر الإنسان وتضيع آدميته، ويصير دمية تتلقفها أرجل السفهاء، ولو كانت لهم دولة عريقة بها من الإمكانات والموارد ما يجعلها فى مقدمة الأمم لا فى ذيلها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …