“رقيم” محمد فوزي .. ديوان شعر من داخل الزنزانة
قد يكون السجن مفجرا للإبداع لدى السجناء، وقد يكون التعذيب ملهما للضحايا، كما قد يصبح القهر دافعا لقريحة المظلومين للتعبير عن حجم الظلم الذي تعرضوا له.
محمد فوزي، أحد ضحايا الانقلاب العسكري، والذي تم الحكم عليه بالإعدام في قضية “174 عسكرية”، قرر أن يلخص الأزمة في ديوان شعر أطلق عليه “الرقيم”، وكتبه كاملا في السجن، وكتب مقدمته الشاعر عبدالرحمن يوسف.
ويشير عبدالرحمن إلى أن “فوزي” شاعر مناضل في سجون الانقلاب.. شرفني بكتابة مقدمة ديوانه الأول “الرقيم”.. لقائي الأول معه في عام 2014، حين أرسل لي أحد أصدقاء الشاعر نسخة إلكترونية، طالبا مني أن أكتب عنه، وحكى لي كيف أن صاحب الرقيم الشاعر الشاب محمد فوزي سجين في معتقلات العسكر.. تذكرت النونية.. أجمل ما كتب القرضاوي من شعر، وتداعت لذهني صورا وخيالات تبدأ من أصحاب الكهف و”الرقيم” وتنتهي ولا تنتهي بمحمد فوزي.
وأضاف: “تأملت كيف كتبت على جدران سجون مصر قصائد، ثم كتبت فوقها قصائد أخرى، ثم أخرى.. سلالات من الشعراء تكتب آهاتها على جدران السجون، شاعرا خلف شاعر، عهدا بعد عهد، ابتلاء يتلوه ابتلاء.. قافلة طويلة في درب الحرية، لا أول لها.. وآن لها أن تنتهي”.
ولفت عبدالرحمن يوسف إلى أن معركة الحق والباطل أزلية، حتى لو سقط حكم العسكر في مصر، سيظل صراع الحق والباطل قائما إلى يوم القيامة.
وأضاف: أتذكر “موبلي” شاعر جنوب إفريقيا العظيم، نكّل به النظام العنصري في جنوب إفريقيا تنكيلا لا مثيل له، حتى سقط النظام العنصري وحكم جنوب إفريقيا مجموعة من الرفاق ذوي البشرة السوداء، ولكن فيهم بعض الفسدة، فوقف لهم “موبلي” الشاعر العظيم، وقال كلمة الحق، ولم يقبل أن يهادن (جماعته) أو (حزبه) أو (قومه) أو (أصدقاءه) أو (شلته).. سمهم ما شئت!
لقد صدح بالحق، وقال للظالم يا ظالم، وللفاسد يا فاسد، فألقوة في السجن بتهمة مهينة، لفقوا له تهمة السطو المسلح على بنك!
في النهاية ظل “موبلي” شاعر جنوب إفريقيا العظيم، وظل شعب جنوب إفريقيا ينظر له كمشعل من مشاعل الحق، وما زال حتى اليوم يمارس واجبه في مواجهة الظلم حتى لو كان الظالم صديقا أو قريبا أو مواليا.
وأشار الشاعر عبد الرحمن يوسف إلى أن “جدران السجون المصرية عليها آلاف القصائد، طبقات جيولوجية شعرية بعضها فوق بعض، خريطة زمنية فنية تشرح التاريخ السياسي الحقيقي لهذا الشعب الذي يتهمه المؤرخون بالخنوع، ويتهمه السياسيون بالجهل، ويتهمه بنو عمِّه بالتخلف، ويتهمه كثير من أبنائه المخلصين بعبادة البيادة”.
وتساءل : لو كانت هذه التهم صحيحة فلماذا امتلأت سجون الظلمة بالمقاومين على مدار عشرات السنين؟ وإذا كان هذا الشعب خانعا فكيف خرج محمد فوزي شاعر “الرقيم” ثائرا من رحم هذا الشعب الذليل؟ وإذا كان هذا الشعب جثة هامدة كما يزعمون… فلماذا لا يفرج عن محمد فوزي؟ لماذا لا يطلقون سراحه حتى الآن هو وعشرات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات؟
وامتد الديوان، مؤكدا أنه في هذا الديوان وجد تجربة شعرية شديدة الخصوصية والغرابة. تجربة تشبه الفراشة، ولكنها فراشة من نوع خاص.
واختتم قائلا: “الحقيقة أن هذا الشعب فيه بذرة خير لا تموت، وهي بانتظار من يسقيها ويرعاها، وشاعر “الرقيم” وأمثاله من الأدباء الثوار هم خير من يقوم بهذه المهمة، لذلك لابد من سجنهم”.
من القصيدة:
“يقولون أنَّا هنا حالمون
فدعهم يقولوا وكن كي نكون
إذا سُمِّي الحلم فينا جنون
فباسم جنونك قاومْ وقاومْ
ودعهم بعقل الخنوع يفرُّوا”.
وعن مجتمع السجن قال :
مجتمعنا ليس اشتراكيا
رغم كون بنيته التحتية
-المادية والنفسية- مشاعْ”
ويقول:
“مجتمعنا ليس ليبراليا
رغم الحرية التي لن تعرفها
سوى معنا
حرية العراة
سواسية لا يخافون فقد ثياب أخرى”
ويقول:
“مُجتمعُنا
ليس سُلطدينيًّا ولا علمانيًّا
فذاكَ الشجارُ العتيقُ
بينَ مَن يظنونَ أنهم
أصابعُ اللهِ الطاهرةُ
وعِصيُّهُ الوحيدةُ
والآخرونَ محضُ خرافٍ للربِّ,
وبينَ من يظنّون أنَهم
حُماةُ ترسِ الحضارةِ الدوَّارِ
من أحجارِ دورِ العبادَةِ المُعيقةِ
ومن العقائدِ والقيَمِ والأخلاقِ
التي يَجِبُ وضعُها في المتاحفِ
لا القُلوبِ..
هذا الصراعُ الصبيانيُّ العتيقُ
انتهى”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …















