‫الرئيسية‬ مقالات تفريعة قناة السويس الجديدة .. وعود براقة وواقع مؤلم
مقالات - مارس 11, 2016

تفريعة قناة السويس الجديدة .. وعود براقة وواقع مؤلم

 

منذ الإعلان عن مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة، تسابقت المؤسسات الرسمية والأذرع الإعلامية لتهيئة المواطن المصري للرخاء القادم والإيرادات التي لا نظير لها، وتم افتتاح المشروع في احتفال أسطوري وانتظر الشعب خيرات التفريعة فلم يجد سوى السراب يحيط به من كل جانب.

لقد كشفت الحقائق والوقائع المستجدة أن هذا المشروع افتقد في الأساس لدراسات الجدوى اللازمة، فكيف بمثل هذا المشروع الكبير الحجم والباهظ التكاليف؟!.. لقد بدا واضحا افتقاد هذا المشروع لدراسة الجدوى المالية من خلال التضارب في أدوات التمويل التي يمكن استخدامها لتمويله حتى تم الأخذ برأي السيسي بطرح شهات استثمار بلغت حصيلتها 64 مليار جنيه، بعائد قدره 12 في المئة سنويا، والمشكلة أن ما استخدم من التمويل نحو 20 مليار جنيه ومع ذلك تحملت الموازنة العامة للدولة عبء عدم ارتباط التمويل باستخداماته فضلا عن العائد الذي يصل إلى 7.7 مليارات جنيه سنويا ولمدة خمس سنوات لتصل قيمة مستحقات هذه الشهادات نحو 103 مليارات جنيه، كما أن هذا التمويل جاءت غالبيته من أموال المودعين بالبنوك وهو ما زاحم القطاع الخاص في السيولة المتاحة أمامه. كما تضاربت إيرادات المشروع السنوية في تصريحات رئيس هيئة القناة (مميش) ما بين مائة مليون ومائة مليار دولار، وفي تصريحات رئيس الوزراء وقتها (محلب) الذي قدر الزيادة في الإيرادات السنوية للقناة نتيجة للتفريعة بنحو 7 مليارات دولار.

كما بدا واضحا افتقاد هذا المشروع لدراسة الجدوى التسويقية، فقد تم إهمال تقارير المؤسسات الدولية بتباطؤ الاقتصاد، إضافة إلى الانخفاض المستمر لسعر النفط اعتبارا من شهر يونيه 2014 وتأثيره على تغيير حركة السفن لمسارها، فضلا عن التأثير السلبي لذلك على النمو العالمي، والعجيب أن السيسي صرح بأن التفريعة استردت تكلفتها كاملة- أي نحو 20 مليار جنيه حسب قوله- من أرباح القناة بعد أسبوع من افتتاحها، رغم أن تقرير الملاحة الرسمي الصادر عن هيئة قناة السويس يشير إلى انخفاض إيرادات القناة للشهر السادس على التوالي منذ افتتاح التفريعة في أغسطس 2015، فقد تراجعت الإيرادات خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي بنسبة 5.2% عن إيرادات الشهر نفسه من العام الماضي، حيث بلغت 411.8 مليون دولار مقابل 434.8 مليون دولار للشهر نفسه من العام الماضي، بتراجع نحو 23 مليون دولار.

وإن تسارعت تصريحات رئيس الهيئة ليكشف ارتفاع إيرادات القناة في شهر شباط/فبراير لتصل إلى 401.4 مليون دولار مقابل 382 مليون دولار للشهر نفسه من العام الماضي، بنسبة نمو 5.1%، ومع ذلك فإن شهر شباط/فبراير 2016 حقق تراجعا في إيرادات القناة عن شهر كانون الثاني/يناير من العام نفسه بنحو 10.4 مليون دولار، بنسبة تراجع 2.6 في المئة.

كما كشف تقرير صادر عن مؤسسة “سي انتل” المتخصصة في تحليلات الملاحة البحرية، عن أن الأسعار المنخفضة للنفط تسمح لسفن البضائع بتجنب دفع التعريفات المكلفة لقناتي السويس وبنما، واتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح، فمنذ شهر أكتوبر من العام الماضي، أبحرت 115 سفينة لنقل البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا والساحل الشرقي الأمريكي حول جنوب إفريقيا أثناء رحلة عودتها بدلًا من استخدام أي من القناتين. وانخفاض أسعار الوقود يعني أن السفن يمكنها تحمل تكلفة اتخاذ الطريق الأطول بسرعة أكبر، وبالتالي تستغرق الوقت نفسه الذي تستغرقه في حالة استخدام القناة، كما أن استخدام طريق جنوب إفريقيا سيوفر 235 ألف دولار لكل رحلة بحرية، وهذا الأمر يُعد علامة سيئة لقناتي السويس وبنما، وإذا أرادت القناتان تغيير اقتصاد اختيارات المسارات، يجب على قناة بنما تقليل الرسوم بنسبة 30 في المئة تقريبا، وقناة السويس بنسبة 50 في المئة تقريبا.

كما بدا واضحا افتقاد هذا المشروع لدراسة الجدوى الفنية من خلال ضغط مدة المشروع من ثلاثة أعوام لعام واحد بأمر السيسي، مما ضاعف من التكلفة حيث تم الاعتماد على 75 في المئة من كراكات العالم لتستنزف 2.2 مليار دولار، وهو ما مثل ضغطا على الدولار وأدى إلى قفزة نوعية في سعره، وقد اعترف بذلك فعلا محافظ البنك المركزي السابق هشام رامز، كما أن الحفر الجاف كشف عن وجود مياه جوفية مما زاد أيضا من التكلفة، كما كشف جنوح السفينة (سانت كاترين) منذ أيام في مدخل التفريعة إلى الخلل الفني في تصميم التفريعة، مما أدى إلى تعرض مقدمة الباخرة للغرق وتعطل حركة الملاحة، وهو ما تسبب في خسارة تجاوزت حاجز 50 مليون جنيه، فضلا عن ما يطلبه ملاك السفينة من تعويضات.

إن مشروع التفريعة يمكن تلخيصه بأنه مشروع باهظ التكاليف وقليل العائد، فهذا المشروع بعيد عن البعد التنموي، فلم يترتب عليه تغير في بنيان الاقتصاد ولا في هيكل الجهاز الإنتاجي ولا في هيكل التوزيع أو البطالة. وما هو إلا في حلقة من سلسة بيع الوهم للشعب المصري باسم الرخاء وربط السيسي اسمه بمشروع وإن سماه قوميا أسوة بما سبقوه من الرؤساء العسكريين.

إن الاستثمار في بنية أساسية دون عائد اقتصادي نوع من العبث، والاعتماد على رسوم المرور بالقناة دون استغلالها تنمويا نوع من العجز، والاعتماد على الديون بعائد مغال فيه باسم رفع معدلات التنمية لابد أن يؤدي في نهاية المطاف إلى التضحية بالتنمية من أجل خدمة الديون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …