التفويض الأعمى والتقويض المحتمل!
مشهد فى مسرحية “لعبة الشعب”، حيث يطلب زعيم الانقلاب من الشعب تفويضًا لمحاربة ما أسماه” الإرهاب المحتمل”، فينزل الآلاف إلى ميدان التحرير، ويتم الترويج لذلك إعلاميًّا باعتباره تفويضًا من 90 مليون مصري فى قتل آلاف المصريين وربما الملايين المعارضة.
وقصة التفويض من أهم القصص استخدمت للتلاعب بالشعب، إذ الغرض منها توريط الشعب فى عمومه فى أى جرائم قتل وقمع ترتكب، ووسيلة ذلك بسيطة ونعرفها جميعًا ولا تخيل علينا وإن كانت تخيل على البعض، وهي تسليط الكاميرات المثبتة فوق الطائرات العسكرية على بعض الجموع فى بعض الميادين مع إدخال بعض أعمال المونتاج من بعض المخرجين السينمائيين، بما يظهر فى النهاية أن هناك تأييدًا شعبيًّا للقتل، وأن ما يقومون به هو عين ما يطالب به عموم وأغلبية الشعب في مواجهة الأقلية المعارضة.
لكن الحقيقة أن عموم الشعب لم تنزل في التفويض وما نزل لا يتخطى الآلاف، وكثيرون ممن نزلوا خُدعوا في قصة التفويض وظنوا أنه يطلب ذلك، لمواجهة ما يحدث فى سيناء، وكثيرًا ممن نزل تبرأ من هذا التفويض بعد مجزرة رابعة بالتحديد، لكننا لم نلتفت إلى هذا الفخ، وما زلنا نردد في معظم حواراتنا السياسية مع الناس مقولات من هذا النوع الانتقامي، وبالأخص في هتافات المظاهرات.
يُسدل الستار ثم يرفع على مشهد ثان أو لقطة ثانية… حين يُدفع إلى خشبة المسرح ومن إحدى زواياه المظلمة بكائن عظيم الجثة عريض المنكبين لا تبنئ ملامحه الطفولية بأي شيء له معنى… يأتي صوت الراوي: “يتم تكليف رئيس المحكمة…” من يكلف من؟ من دفع بهذا الكائن من ظلمة المجهول إلى أضواء الرئاسة؟ أهو أعلى رأس في المؤسسة؟ .. لا؟ أين رئيس المجلس (الأعلى)؟ ها هو إنه أحد المعازيم المتفرجين!!
ساعة تلا المنقلب أمر تكليف”المحلل المستدعي” لم يتساءل أحدٌ من يكون هذا المكلَّف المفعول، يبدو أن الأهم هو الفاعل المكلِّف… وقسم الرئاسة أين يكون؟ أمام محكمته نفسها؟ أين المجلس الأعلى منها؟ واضح أن الأمر مرتب لغرض ما…
إنه الصنم… كيف استقبل التكليف؟ لا فرح، لا حزن، لا مشاعر واضحة… لا ملامح خوف من ثقل المسؤولية… حالة أشبه بالتنويم المغناطيسي… تذكر البعض صورة (أبو الهول)… التقطت العدسات صورة النائم الوديع (لا يهش ولا ينش)… الجثة الضخمة عريضة المنكبين تخفي وراءها ظلًا قصيرًا (المنقلب) تسبق حركته حركة المدفوع المذهول، ويسبق صوت الظل صدى يخرج من أبي الهول.
وفي خلفية الخلفية قفص حديدي يقبع فيه “رئيس مختطف” منذ قليل كان يدعى (الرئيس المنتخب)، لكن الخشبة صار يتصدرها “محلل مستعار مؤقت” من ورائه “رئيس محتمل منقلب”!!
ضغط المنقلب على أحد أزرار الصنم المستعار، فإذا بالقرارات التي تبيع الوطن وتنتهك حرماته تتوالى واحدًا بعد آخر، وإذا بالانحرافات يسابق بعضها بعضًا… وإذا بالشعب تُفعل به الأفاعيل… وكل ذلك باسم “المؤقت المستعار”!
في ضوضاء هذا المشهد المرتبك يتقدم الظل المنقلب إلى منصة الخطاب، ويأخذ الأضواء، يخاطب الجماهير بلا استئذان أو أي ترتيب رسمي مفهوم… يطالب “شعبه” المسحور، الذي أصبح يسميه (الشعب) وما عداه هم الشرذمة القليلون، الشعب –العدو، قام يطلب التقويض في صورة التفويض، ويتحدث عن إرهاب محتمل ليغطى به على سوءته: انقلابه الدموي الماثل للعيان… يطلب التفويض الأعمى ليقود به شعبًا أعمى أو منوّمًا تنويمًا مغناطيسيًّا كيفما أراد بتخطيط أجهزته الأمنية والمخابراتية فضلا عن الشئون المعنوية، في جوقة من السحرة الفجرة، الأبواق المنافقة النافقة، على أنغام (إحنا شعب وانتو شعب).
نزل له من نزل… ادعى المنقلب وسحرته أن شعبه كله قد فوّضه… فقام في اليوم التالي مباشرة يملأ المسرح بالدماء والأشلاء، أشلاء وطن يتمزق، وشعب يتفرق، ومستقبل يغرق… مواطنون وجنود، في الوادي، في سيناء، عبر الحدود.
لكن ما إن ذهبت السكرة حتى حلت الفكرة… وأفاق أغلب الجمهور على “التقويض المحتمل باسم التفويض المفتعل)، وخرج الناس من خشبة المسرح، وعادوا إلى كنبة المتفرجين. ودعا المنقلب إلى النزول مرة وأخرى، وطلب تفويضًا وآخر… فلم يجبه أحد، ولم يتحرك لتفويضه أحد.
فقد التفويض مفعوله شيئًا فشيئًا، وبدأ مشهده يتراجع على خلفية تلوح من الوراء، يتعاظم فيها اللون الأحمر: لون الدماء، ويعلو فيها صدى الصوت، صوت الموت… على ضفاف نهر التفويض الدموي، تقدم مشهد لزاعق ناعق… (اقتلوهم … اضرب في المليان) … وهرج ومرج: اعتقالات، مطاردات، مداهمات تكسر أبواب البيوت، تهتك الحرمات، تنهب الأموال، سطو مسلح على الوطن وبيوته وحرماته وشبابه ونسائه.
تتناثر في أرجاء المسرح أعواد المشائق، وتتدلى حبالها.. الوطن يتعرض لإرهاب كبير… إرهاب محقق لا محتمل ولا مفتعل… عشرات الآلاف من المعتقلين والمخطوفين، وآلاف من الشهداء المقتولين، وملايين من المقموعين الممنوعين من التعبير عن أحلامهم، أو التفكير فيما حلّ بهم.
تبدأ الستارة النزول على مشهد من وجوم يغشى وجه الوطن، وغيوم تملأ سماءه…وغضب مكتوم، وحنق محموم، وابتهالات ودعوات.. وصوت خافت يتردد في الجنبات: (قتلوه قتلهم الله…) .. (قتلوه قتلهم الله…)!
اختلطت أصوات “المفوضين” بعضهم يتبرأ وآخرين منهم يتحرج، ومنهم من يبرر ويسوغ لماذا فوض؟! قلة هي فقط التي مات ضميرها وأصرت من قتل مفوضًا منها، وأنهم مع القاتل المرتكب لذلك والمرتبك في حركاته وسكناته، شركاء في الدماء لا يتورعون.. سيأتي اليوم ليُحاسَب هؤلاء وفي جنبات المسرح يدعو بعض إعلاميي الإفك إلى تفويض جديد… فينصرف الناس باستعجال “مافيش تفويض، مش قادر أديك”؟!!! وبقت الأعداد الصغيرة التي يحاول إعلام الإفك أن يجعلها غفيرة وكله فشل، فشلهم من فشل منقلبهم، وصحى الجميع على جمعة جديدة لم تكن للتفويض ولكنها هذه المرة “جمعة التنفيض”.
إذهب يا هذا وارحل، كم من الدماء تكفيك وكم من التفويضات يمكن أن تحميك، ماذا فعلت بشعبك ووطنك.. يا الله..شاكين إليك.. هل يرضيك؟!. إن دعاء المظلومين وأناتهم تسمعها في جنبات المشهد أتى من كل ركن فى جوف الليل وحركة النهار.. اللهم عليك بمن فُوِّض أو فوَّض. ونزل الستار على مشهد التفويض..الذى تبعه مشاهد اقشعر لها بدن التاريخ ..وفُجع فيها القاصي والداني.
———————–
نقلا عن موقع مباشر مصر
الرابط الأصلي:
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …