‫الرئيسية‬ مقالات اصطفافنا الواعي
مقالات - يوليو 26, 2015

اصطفافنا الواعي

لم يكن بيان الاشتراكيين مفاجئا، كما لم تكن مواقف 6 ابريل صدفة..كما لم تكن تضحيات شباب الإسلاميين بدعة.. بل ولم تكن مراجعات كثير من الأحزاب ومن الرموز الفكرية أو السياسية أمرا مستبعدا.. فجميعهم ينتمي لجيل صنع ثورة وبنى حلما وقدم شهداء.. ولا يقبل هؤلاء أن تضيع ثورتهم وأن يتبدد حلمهم بسبب السقوط في فخ أن الأخطاء التي وقع فيها أي طرف تستحق التضحية به وبالحلم وبالبلاد ودعم أو السكوت عن مسيرة الدكتاتورية العائدة لتجثم على أنفاس الجميع عشرات السنين.. دون تمييز بين من أخطأ أكثر والأنقى حلما.. ودون تميز بين من يرتدي ثوب باهتا للثورة أو ثوبا ناصعا لها.. ودون تمييز بين من شارك في الثورة في إرهاصاتها ومن آمن بها بعد أن أسقطت مبارك..

فدكتاتورية القمع لا تقبل أن يكون من بين رعاياها من يحلم أو من يؤمن بقيم الحرية أو يحمل تطلعات العدالة الاجتماعية.. أيا كانت درجته و المستوى الذي وصل إليه في إيمانه بالتغيير.. فالجميع بالنسبة لها مرضى بالحرية.. لا علاج لهم إلا بالقتل او الإخفاء أو التشويه وقطع الألسنة..

الإدراك بأن ثورة يناير هي المستهدفة وليس الإخوان.. هي الخطوة الأولى.. لأن انقلابهم على ثورة يناير تبنى استراتيجية التضليل بأن المعركة مع الإخوان وأن مزيدا من القمع للأخوان يُنهي القضية.. بينما قضيتهم كانت منذ 11 فبراير 2011 مع يناير ومع تطلعات الشعب.. وغالبا ما تكون استراتيجيات المواجهة في الحروب – وهم يديرونها كحرب – مستندة إلى التضليل لزرع الانقسام لدى الطرف الآخر وتسهيل ابتلاعه قضمة قضمة..

الإدراك بأن الأخطاء الكبرى أفسحت طريقا لعودة الاستبداد متوحشا مهووسا .. هي الخطوة الأولى مكرر
فالدفاع عن الأخطاء ربما تأتي عن كبر أو عن سوء تقدير.. وكلاهما خطر على الاصطفاف وعلى قدرة الاصطفاف أن يحقق الهدف منه وهو كسر آلة القهر ووقف ماكينة الفساد..

فربما يقبل المرء اصطفافا مع آخر وهو يخفي في نفسه بغضا للطرف الآخر وشعورا بأنه أقل من أن يستحق الاصطفاف معه.. وعندها سيكون الاصطفاف (للضرورة) مريضا.. غير قادر على تحقيق هدفه..

التواضع في مواجهة الاستبداد والإيمان بأن لا غنى عن أي طرف أو عن أي شخص يرفض القمع ويؤمن بالحرية.. ويرفض الفساد ويؤمن بالشفافية..يعني أن الرؤوس تتساوى والأوزان لا معنى لها والدماء والدموع التي يُهرقها الظلم تمتزج لتصنع قواما وحدا.. مجتمع المستقبل الذي تعمه مساواة غير مصطنعة ولا يعرف طبقية مذلة ولا فئوية مهينة.. ويؤمن أن المجتمع لا يُضحي بأي من أفراده وأن الفرد لا قيمة له بدون الدفاع عن قيم المجتمع.. هذه المجتمعات تصنع قيمها في لحظات الثورات وها نحن في قلب ثورة.. فعلينا أن نكون قدوة للقيم التي نحلم بها..

الاختلاف يجب أن يكون من قيمنا الكبرى التي نُدافع عنها.. فهو مصدر ثرائنا في مواجهة الاستبداد الذي لا يعرف إلا رأيا واحدا واجتهادا واحدا وخبرا صحفيا أو إعلاميا تردده أدوات إعلام الانقلاب بدون وعي لأنها مجرد أبواق لا عقل لها.. وفي الثورات الكبرى لا مكان للأبواق.. بل هم عالة وخطر علينا تجنبه..

فالثورتنا تُدافع عن حق الاختلاف لأنه يصنع الشعوب الكبرى والدول المحترمة.. وإذا فشلنا في إدارة اختلافنا في ظل اصطفاف واعٍ فلن نكون مؤهلين لكسر شوكة الاستبداد مالم نتخلص من استبداد الفكر والتفاخر بالرؤى ومحاولة فرض الاجتهادات..
أشعر بأننا نسير على الطريق.. وأن اصطفافا مبشرا أصبح يتجمع في أفق بلادنا ليمزق ستائر الظلم ويمحو غيوم الجهل التي يتمتع بها المستبدون..

وأدعو كل فصيل وكل كاتب وكل مدون وكل قارئ.. أن يُسهم في بناء هذا الاصطفاف بترفعه عن الاشتباك في معارك مصدرها عدم قبول فكر آخر أو استكبار على أن يعود لنفس صف الثورة الذي جمع بينه وبين رفقاء التحرير.. أو السخرية من قيم الآخر أو رؤاه أو طريقة تناوله للأفكار أو القيم.. فإذا لم تكن قادرا على أن تصطف مع هؤلاء المختلفين معك.. لكنهم يوافقونك في أمل الحرية ومطلب العيش الكريم والعدالة الاجتماعية.. فكيف ستحقق هذا المجتمع الذي تهفو أن تعيش فيه..؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …