ماذا جنينا من 30 يونيو.. وإلى أين تمضي بنا؟
من حق كل فرد، وليس فقط قطاعات من الشعب، أن يرفض الحاكم، ولكن ليس من حقه أن يفرض هذا الرفض على الآخرين، أو يفرض حاكما آخر، وإلا فهو ديكتاتور في ثوب معارض.
من حق الفرد والجمع أن يعارض، وأن يعلن معارضته ورفضه، ويعبر عن موقفه ورأيه بكل الطرق الممكنة، وأن يتظاهر، وأن يدخل في إضراب أو اعتصام، بما لا يضر بالآخرين طبعا، طالما النظام القائم شرعيا، وهذه الحقوق جزء من شرعيته إذا توفرت وإلا فقد اختلت شرعيته. فإذا فقد النظام شرعيته ضعفت قوة القانون وحل قانون القوة بأشكالها المختلفة، فالشرعية أساس المشروعية؛ بمعنى أنه لو لم يكن هناك شرعية سياسية ورضا عام، فالقانون حبر على ورق واحترامه كلام في كلام.
الثورة ليست فعلا إجراميا، كما يصور بعض المتنطعين من أدعياء القانون والسياسة والإعلام فضلا عن بعض المتعممين الخائضين في كل ميدان. الثورة الشعبية الحقيقية هي التي تعبر عن شعور الشعب بفقدان الشرعية، وأن النظام الذي يثور عليه لم يعد فقط مخالفا للقانون بل ينتج قوانين ضد بقاء وحركة المجتمع، ويجعل من الإضرار بالحياة والكرامة والعدالة والحقوق والحريات قانونا يقسر المجتمع عليه قسرا، ويقهر إنسانيتهم به قهرا.. القيام ضد هذا الوضع، بفيضان شعبي كبير، ومقاومة استمراره بمبادئ وقيم إنسانية وانتمائية حقا، هو ثورة حقيقية، وثورة كريمة، وثورة محررة.. وليست كل خروجة شعبية تعتبر كذلك.
سبق أن قلنا ونكرر: إنه لا قيمة لـ30/6 ما لم تكن تابعة ومكملة لـ25 يناير وما عاد هذا ممكنا بعد 3/7..
فليست ثورة ولا انقلابا، بل هي سهرة، اجتمع فيها أخلاط من فئات المجتمع السياسي واللاسياسي والمسيس والمنوم إعلاميا..
ليست ثورة تلك التي يقودها العسكر ويدعو لها ويخطط لتمردها ويحتضنها بالقوات والبيانات، ويدفع بعض الشخصيات لتدبيجها ببيان مصنوع مدفوع الأجر، ثم يصورها ويهول من صورتها ليستعملها ويتاجر بها من أجل استعادة حكمه العسكري طويل العمر، وينطلق منها لمحو الثورة الحقيقية والانتقام من كل من ساندها –ولو نفاقا- ويلوث وجه الوطن بالدماء، ويجعل منه أشتاتا وأشلاء..
ليست هذه بثورة، ولا هي ثورة تلك التي تحمل على أعناقها ممثلي الجهاز القمعي الذي يفترض أنها تقوم ضده وبسببه، تحملهم إلى الميدان الذي سبق أن سفكوا فيه دماء الشباب، الميدان الذي جمع المصريين من سنتين ونصف ضد هؤلاء القمعيين الوحشيين.. تحملهم على الأعناق لكي يعودوا إلى مواقعهم مجددين عهد الاعتقال والتنكيل والتعذيب والقتل والانتهاكات بما فيها التحرشات والاغتصاب..
ليست ثورة تلك التي يتصدر صفوفها فلول نظام المخلوع، أعدى أعداء يناير، بوجوههم الكالحة، وأقنعتهم المتساقطة، وألسنتهم الحداد الأشحة على الخير، وتوعداتهم لثوار يناير بالويل والثبور وعظائم الأمور..
ولكنها تتحول إلى مهزلة وملهاة متكاملة حين نجد على أبوابها وفودا من بقايا الثورة الحقيقية، التائهين في متاهات الغلو في الحقد والكراهية، المزينة بحلية من التنطع والذرائع والحجج الباردة.. وليست ثورة تلك التي يحشد لها الأقباط بهذه الجموع والمناظر ورفع الصلبان وكأنها حرب صليبية جديدة، وينافقهم فيها مسلمون قد أعماهم الغل والحقد إلى أبعد مدى.
وليست ثورة تلك التي يكون قوامها مقعدين من حزب الكنبة الذين لم يستطيعوا أن يتعايشوا مع تغيير يأتي به الأحرار في زمن العبيد، ولم تطاوعهم نفوسهم أن يفرحوا بخلع الطاغية الذي اعتادوا هم عليه، ومن ثم فكأنما أعاد لهم هذا اليوم روحهم التي تجمدت، وأنعش نفوسهم بعد خمول.. فنزلوا لسهرة لا لثورة، فهم لا يكرهون مثل كلمة (ثورة).. إن الثورة عندهم (عورة).. يستحون منها ويبرأون إلى الله تعالى من مقاربتها..
ليست ثورة تلك التي تأتي استكمالا لمسار الثورة المضادة، وتحيط بها دعاية إعلام الثورة المضادة، وتأتي تتويجا لتمرد لازم الرئيس المنتخب منذ يومه الأول بل من قبل، ويعلو فيها صوت مؤامرة الإفشال بعد أن قاربت نهايتها بالإجهاض والخطف والاستئصال.. ليست ثورة تلك التي يتلقفها العسكر أو تتدحرج إلى أيديهم ليعلنوا هم عزل الرئيس المنتخب، والإتيان برئيس مؤقت معين، هم يعينونه، ويطيح بدستور مستفتى عليه لتأتي بدستور من معينين من قبل العسكر، وتطيح بمجلس شورى شرعي منتخب.. ليست بثورة تلك التي تسلم قيادها تاما متمما كاملا مكملا بعمى وبلا أدنى ضمانة ولا قدرة على التصرف، إلى أعدى أعدائها… سمها ما شئت.. سمها عمى أو غيبوبة أو غباء أو ورطة أو خيبة أو .. لكن لا تسمها ثورة..
لقد شاركنا كلنا في هذه الخيبة، قاتلنا ومقتولنا، ظالمنا ومظلومنا، ولكن من أبواب متفرقة، وبمعان مختلفة.. فليس من شارك بالغفلة كمن شارك بالتآمر، وليس من شارك بالضعف والتهاون والتشوش وقلة الحيلة والخيبة الثقيلة والتردد أو حتى الغباء، كمن شارك بالحقد والغل والتوحش والاستباحة، وليس من شارك بالتزام المسار حرفيا وبطريقة روتينية لا مكان لها وبالثقة في غير أهل الثقة، كمن سلم نفسه وعقله وقلبه ولسانه وشارك مع الأعداء خائنا أو خائبا .. شاركنا كلنا، ولكن الخيبة كل الخيبة على من أدمن اللعبة، وخرج من ثورته ومن مبدئه ومن نفسه ولم يعد!!
وبعد،
فقد مرت سنتان على هذه السهرة الخبيثة، وما أعقبها هو الأهم..
ماذا جرى في أرضنا أكثر من الدم؟
ماذا تغير في سدة الحكم سوى استئثار العسكر والمتوحشين به بينما خنع لهم كل ثعلبان وألعوبان واستسلم؟
ودانت لهم الدولة بقانون القوة لا بقوة القانون من أجل قمع الثورة والحرية والحلم؟
ماذا تغير في النخبة المحنطة غير أن أقنعتها تساقطت بل تعبت من السقوط وانكشفت عورات مدعي الثقافة والعلم والفهم؟
ماذا تغير في مؤسسات الدولة غير أنه تم القضاء على القضاء وشيطنة الشرطة أشد مما كانت وأطغى وأظلم؟
ماذا تغير في الإعلام غير أنه تحول إلى أكبر معول للكراهية والفرقة وصناعة الحرب الأهلية والتحريض على القتل والقمع والتخريب والهدم؟
ما تغير في المجتمع المدني غير أنه خرج ولم يعد وصار في حكم العدم بعدما هدد وأرهب، وصودر وأُمم؟
ماذا جد على ميادين الثورة غير أنها حوصرت وصودرت لاحتفالات القائد الهمام وتحت حراسته إن إذن جنابه وتكرم؟
وماذا جد على الاقتصاد والمعايش والعدالة الاجتماعية غير مزيد من الإفقار والتجويع والتركيع والتفاوت والمحاباة والتمييز والظلم؟
ماذا جرى في ثقافتنا غير التطبيل والتهليل والتدجيل والتجحش والتوحش والتفحش والخلاعة والتلاعب بالدين والثوابت والأصول والتشكيك وصناعة الوهم؟
وماذا جرى على مجتمعنا وناسنا غير فقد الألفة وزراعة أشواك الفرقة والتناحر والتنائي بين شعب وشعب، ومحاربة التكافل، وتهديد الاجتماع والالتقاء، وفقد الأمن الاجتماعي والسلم؟
فماذا جنينا من 30 يونيو؟
الخوف من وعلى المستقبل .. من قطار أعمى طائش لا يجد من يكبحه .. من قوة باطشة.. وعقلية طائشة.. ونفسية متوحشة.. فلك الله يا مصر .. لك الله يا مصر .. لك الله يا مصر..!!
*نقلا عن موقع «مصر العربية»
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …














