‫الرئيسية‬ مقالات انفجار الغضب مسارات واحتمالات
مقالات - يونيو 6, 2015

انفجار الغضب مسارات واحتمالات

مازالت السلطة العسكرية تتبع طريق الهروب إلى الأمام، حيث تصعد من سياسة القمع، لأنه الطريق الوحيد الذي اختارته. ومع الدخول في مرحلة الإعدامات الجماعية، والتصفية الجسدية للمعارضين، تبدأ مرحلة جديدة.

من الواضح أن السلطة العسكرية تريد تصعيد القمع إلى ما لا نهاية، وهو ما يعني أن الطريق مفتوح إلى إعدام القيادات، وحتى الرئيس محمد مرسي، مع تزايد معدلات القتل خارج إطار القانون، وهو أمر كفيل بإشعال بركان الغضب.

تحاول السلطة العسكرية جر الحراك الثوري إلى العنف بكل طريقة، حتى تصبح المواجهة مسلحة فقط، وليست مواجهة مع ثورة شعبية، لذا فإن السلطة العسكرية تعمل على إشعال غضب جمهور الحراك الثوري حتى ينزلق لمواجهة مسلحة.

استدعاء العنف، كان منهج الانقلاب العسكري منذ البداية، والهدف منه حصر المعركة في الحرب على الإرهاب، حتى يتوفر للسلطة العسكرية دعم خارجي علني متواصل، غير الدعم الضمني المستمر أصلا.

تحاول السلطة العسكرية تحقيق حالة حشد شعبي معها، في معركة ضد الإرهاب، حتى تلغي فكرة الثورة، وتعضد حشد العامة معها، وحتى يكون للسلطة العسكرية ومنهجها القمعي احتياج، يعفيها من المساءلة أو المحاسبة.

هل تحقق السلطة العسكرية ما تريد؟ وهل يمكن تشكيل المعركة بالصورة التي تريدها السلطة العسكرية، حتى تصبح مجرد مواجهة مسلحة، بصورة تجعل معركة الثورة تتراجع، مع الدخول في حرب استنزاف طويلة؟

من الواضح أن السلطة العسكرية تعد المناخ العام لجر معارضيها نحو العنف، ولكن ما يحدث وما يمكن أن يحدث، قد يختلف كثيرا عن ما تريده السلطة العسكرية، لأن التحكم في النتائج صعب، وإن كان التخطيط للبدايات متاح.

نتائج القمع الدموي

المشهد المتطور في الساحة المصرية، يؤكد على أن عملية دفع الحراك الثوري للعنف، واستدعاء العنف كمبرر للقمع، تؤدي إلى العديد من النتائج، التي تشكلت بالفعل على أرض الواقع، ونتائج أخرى محتملة.

استعداء العنف، من خلال القمع والعقاب الجماعي، أدى بالفعل إلى تمدد الجماعات المسلحة في سيناء بصورة غير مسبوقة، فأصبح تنظيم ولاية سيناء أقوى مما كان عليه عندما كان تنظيم أنصار بيت المقدس، مما يعني أن مواجهته زادته قوة، وليس العكس.

قدرة تنظيم ولاية سيناء على كسب الأعضاء الجدد، وصلت لمرحلة غير مسبوقة، إذا قورن بوضعه السابق، وبوضع مختلف التنظيمات المسلحة في سيناء منذ بداية الألفية الجديدة، مما يعني أن القابلية للانضمام للتنظيمات المسلحة في تصاعد.

تشكل لتنظيم ولاية سيناء حاضنة شعبية في سيناء، وربما خارجها أيضا بصورة لم تتحقق من قبل، فلم يكن للتنظيمات المسلحة في سيناء هذه الحاضنة الشعبية الواسعة، ولكن تحقق لها هذا بسبب سياسة العقاب الجماعي.

تمكن تنظيم ولاية سيناء من فرض حضوره على الأرض وداخل التجمعات السكنية، بصورة تؤكد أن السيطرة الأمنية والعسكرية تضعف، رغم توسع العمليات العسكرية، وهو ما يعني تفكك سلطة الدولة في سيناء.

محاولة السلطة العسكرية لجر البلاد لحرب أهلية، من خلال تشكيل صحوات في سيناء، ستؤدي ضمنا إلى تغييب الدولة في سيناء، كما أنها لن تحقق النتائج المرجوة منها، لأن مظلمة أهالي سيناء، أصبحت حاضنة شعبية لتنظيم ولاية سيناء.

إذا كانت السلطة العسكرية تريد حصر المواجهة في معركة مع تنظيم مسلح، فقد أشعلت المواجهة بالفعل مع تنظيم مسلح، ولكن تلك المعركة لن تكون المعركة الوحيدة، بل أصبحت معركة ضمن سلسلة واسعة من المعارك.

هناك العديد من المؤشرات التي ترجح تشكل مجموعات مسلحة صغيرة، قد تنسب نفسها لتنظيم أو لا، وهو ما يفتح الباب أمام ظاهرة جيش الرجل الواحد، أو ما يسمى في الغرب، بالذئاب المنفردة، وهو ما يوسع دائرة المواجهات.

تشكل مجموعات مسلحة صغيرة، يحدث بسبب اشتعال الغضب، وهو ما يراكم رغبة في الانتقام، تدفع بعض المجموعات لتشكيل تنظيم محدود العدد، لمواجهة ألة القمع الأمني والانتقام منها، وقد تقوم هذه المجموعة بعدة عمليات ثم تختفي، وتظهر مجموعات أخرى.

تشكل مجموعات مسلحة صغيرة، يمكن أن يحدث أو يتصاعد أو يتراجع، كما أن تمدد تنظيم ولاية سيناء في الوادي، قابل للحدوث، بدرجات مختلفة، مما يعني أن معركة المواجهة تتوسع، دون أن يكون لها حدود معينة.

بجانب التنظيمات المسلحة، تتشكل حالات الانتقام الأهلي، وهي حالات فردية، لا تمثل تنظيما أو فكرة، بل هي مجرد رغبة من الأهالي للانتقام لأقاربهم، مما يحدث معهم من السلطة القمعية، وهو ما يشكل حالة من النزاع الأهلي، بين أهالي ورجال مؤسسات القمع.

دائرة الرغبة في الانتقام تتوسع، لأن الانتقام بأي صورة، هو الشكل المتاح للتنفيس عن حالة الغضب المشتعلة لدى مئات الألاف من أهالي وأقارب وأصدقاء الشهداء والضحايا، وهو ما يدخل للمشهد مجموعات الانتقام الثوري، بوصفها ردا على القمع المتزايد.

تحول جزء من طاقة الثورة والاحتجاج، نحو الانتقام الثوري، بات جزءا من توابع التصعيد القمعي المستمر منذ الانقلاب العسكري، مما يعني أن مشهد الانتقام الثوري قابل للاستمرار، والتصعيد أحيانا والتراجع أحيانا أخرى.

إذا اعتبرنا كل المشاهد هي حلقات أو دوائر في مشهد المواجهة مع السلطة العسكرية، فقد تشكلت عدة دوائر للمواجهة، منها دائرة المواجهة مع تنظيم مسلح، ثم المواجهة مع مجموعات مسلحة صغيرة، أو ربما تنظيمات جديدة قد تتشكل.

بعد دائرة المواجهة مع تنظيمات مسلحة أو مجموعات شبه تنظيمات، تأتي دائرة الانتقام الأهلي والثوري، والتي تمثل حالة غير منظمة في أغلبها، ويمكن أن تتصاعد أو تتراجع حسب الظروف على الأرض، ويمكن أن تتحول إلى شكل منظم.

كل هذه الدوائر، خارج إطار الحراك الثوري الأساسي، وخارج إطار الجسم الرئيس للثورة، والذي يتمثل في الحراك الثوري الذي يقوده تحالف دعم الشرعية، والمجموعات الأساسية مثل طلاب وشباب ونساء ضد الانقلاب.

بجانب الحراك الثوري السلمي، تتشكل دائرة أخرى للمواجهة، وهي مجموعات المقاومة الشعبية، والتي تستهدف حماية الحراك الثوري، وتعطيل آلة القمع، والتأسيس لمرحلة تعطيل السلطة العسكرية، وشل حركتها.

ودائرة الحراك الثوري، تمثل المواجهة المركزية مع السلطة العسكرية، ولم تنجر للعنف، بل تشكلت دوائر أخرى غيرها للمواجهة المسلحة، وهو ما يتعارض مع هدف السلطة العسكرية، والتي كانت تريد جر الحراك الثوري نفسه للعنف.

استمرار جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها القوة المركزية في الحراك الثوري، والقوة المركزية الحامية للحراك السلمي والنهج السلمي، أفشل مخطط السلطة العسكرية، والتي تستهدف أساسا جر جماعة الإخوان المسلمين للعنف.

تحاول السلطة العسكرية، جعل الجماعة الأكبر، والتي تمثل العقبة المركزية أمام استمرار الحكم العسكري، في مواجهة مسلحة معها، حتى لا تكون القضية تخص ثورة، بل تخص الحرب على الإرهاب، ولكن هذا لم يتحقق.

أصبحت السلطة العسكرية تواجه ثلاثة معارك أساسية، المعركة المركزية هي معركة الثورة، وهي التي يحتشد فيها الجزء الأكبر من رافضي الحكم العسكري، والمعركة الثانية هي معركة المواجهة المسلحة، والمعركة الثالثة هي معركة الغضب الأهلي والثوري.

الحرب الأهلية

تحاول السلطة العسكرية جر البلاد لمواجهة أهلية، حيث تريد حشد أهالي للدفاع عنها وتأييدها، ومواجهة الحراك الثوري بدلا عنها، وهي تخطط لهذا منذ اليوم الأول، وفي الواقع فإن هذا الشكل من المواجهة الأهلية تحقق بدرجة ما مع بداية الانقلاب العسكري.

كان دور تنظيم البلطجية مهم في تسخين مشهد المواجهة الأهلية، فالجزء الأكبر من المواجهات كان يقوم بها تنظيم البلطجية والممول أساسا من رجال أعمال نظام مبارك، ويتراجع دور البلطجية مع تراجع التمويل المتاح لهم.

مع الوقت تراجع مشهد مواجهة أهالي من عامة الناس مع الحراك الثوري، حتى اختفى إلى حد كبير، ولم يعد إلا حالة فردية غير متكررة، مما يعني أن المجتمع المصري لم ينجر إلى الحرب الأهلية، كما لم تنجر جماعة الإخوان المسلمين للعنف.

عدم اشتعال الحرب الأهلية، أدى إلى تعقيد خطة السلطة العسكرية، والتي كانت تعتمد على قدرة المواجهة الأهلية على وقف الحراك الثوري تماما، ومع هذا مازالت السلطة العسكرية تراهن على القمع، وعلى إشعال الحرب الأهلية.

من الواضح أن النزاع الأهلي في مصر، تحول إلى حرب كراهية معنوية، بين أنصار الحكم العسكري وأنصار الثورة، ولكن جانب من هذا النزاع، يتحول إلى مواجهة مسلحة من قبل بعض التنظيمات، وبعضه يتحول إلى مواجهة بهدف الانتقام.

من الواضح أن الظروف التي تقود إلى حرب أهلية، لم تتوفر في الحالة المصرية، وإن كانت المواجهة مع طبقة الحكم القمعي، تشكل حالة من حالات النزاع الأهلي العنيف، خاصة وأن الرغبة في الانتقام تتزايد، وتصل إلى مرحلة الانفجار.

مستقبل المشهد

تبدو الحالة المصرية، وكأنها تحولت إلى مرحلة المعارك المفتوحة، وإلى مرحلة المعارك المتزامنة على مسارات عدة، فكلما حاولت السلطة العسكرية جر الحراك الثوري لمعركة، وجدت أطرافا أخرى تشتبك معها في تلك المعركة غير الحراك الثوري.

المشهد الراهن في مصر، يوضح أن مسارات المواجهة تتطور، وكل منها يتطور في مساره الخاص، مما يعني أن كل المسارات سوف تظل مستمرة، وتشكل عدة معارك مختلفة ومتنوعة، وإن كانت كلها مع السلطة العسكرية الحاكمة.

استمرار الحراك الثوري، وثبات جماعة الإخوان المسلمين على السلمية، رغم ظهور مجموعات تميل للعنف، يمثل أحد أوجه فشل خطة السلطة العسكرية، والتي تحاول جر الجميع لمواجهة مسلحة واحدة، تضعها تحت عنوان الحرب على الإرهاب.

من الواضح أن التصعيد المستمر في سياسة القتل والتصفية، سوف يتسبب عنه تعدد جبهات المواجهة، وتشكل جبهات جديدة، وخروج مجموعات مختلفة، تدخل معركتها مع السلطة العسكرية بصور مختلفة.

تصعيد القمع يؤدي ضمنا إلى تزايد حالة الغضب، والتي قد تؤدي إلى حالة انفجار واسعة، قد تحدث قبل انتصار الثورة، فقد تنتشر حالة الانتقام الأهلي بصورة تعقد المشهد، وتنذر بحالة انفجار شعبي، قد يأخذ أشكالا عدة.

مع تزايد حالة الغضب، يمكن أن تزداد وتيرة مختلف دوائر المواجهة في مرحلة من المراحل، بدرجة تجعل البلاد على شفا مواجهة أهلية، وهو ما قد تستغله السلطة العسكرية لإشعال تلك المواجهة، ثم يصبح من الصعب السيطرة عليها.

يمكن أن تتشكل حالة مواجهة أهلية بين كتلة الحراك الثوري، وطبقة الحكم القمعي، مما يشكل أساسا للمواجهة الأهلية، التي قد تنتشر، إذا انفجرت براكين الغضب في شكل مواجهات وحالات انتقام أهلي وثوري.

يمكن أن تنفجر الأوضاع عند الأطراف المهمشة، مما يجعل الدولة تتقلص عمليا، وتتشكل حولها معارك أو مواجهات، تأخذ شكل المواجهة المسلحة، خاصة بداية من الأطراف البعيدة، وفي المناطق المقهورة.

الانفجار قادم

المشهد يؤكد تمدد مختلف المسارات، وإن كان بدرجات مختلفة، ولكن مسار الحراك الثوري، والمسار السلمي، يظل هو المسار المركزي، وأيضا المسار الأقوى والأكبر من حيث الحاضنة الاجتماعية والتأييد الشعبي.

تتطور مختلف المسارات، مما يفتح بابا جديدا للمواجهات مع السلطة العسكرية، يبدو أنه نتاج طبيعي لدخول السلطة العسكرية مرحلة القتل والإعدام والتصفية الجسدية، مما يعني أن التحكم في مسارات الغضب المختلفة غير ممكن.

قد يؤدي تراكم الغضب إلى انفجارات متعددة أثناء معركة الثورة، وقد يحدث الانفجار بعد انتصار الثورة، وقد يكون انتصار الثورة، نتيجة انفجار لمختلف المسارات معا، ونتيجة لحالة انفجار أهلي واسعة، لا يمكن لأحد السيطرة عليها.

تتابع مسلسل القمع بدرجات متصاعدة، يجعل احتمال انفجار بركان الغضب في المراحل النهائية، وأيضا عند انتصار الثورة وسقوط الحكم العسكري محتملا، وقد يكون الانفجار كبيرا، ولن يتمكن أحد من السيطرة عليه.

تظل فكرة القصاص والرغبة في الانتقام تنمو في القاعدة الاجتماعية للمظلومية، وهو ما يجعل الانفجار الأهلي أمر وارد، فنمو الشعور بالمظلومية، يؤدي إلى انفجار اجتماعي في نهاية المطاف، وهو أمر يتزايد احتماله مع الوقت.

نمو وتطور مختلف مسارات المواجهة، يدفع نحو مشهد أكثر اضطرابا، ونحو احتمالات تفجر نزاعات أهلية أكثر عمقا، وهو ما يعني أن السلطة العسكرية والتي تستدعي العنف، ستجد نفسها محاصرة بمواجهات تقوض سلطتها.

ما تقوم به السلطة العسكرية يستهدف تحويل الحراك الثوري للعنف، ولكن النتيجة تأتي مختلفة عن ذلك، حيث يبقى الحراك الثوري على نهجه السلمي، وتتفجر مسارات أخرى، تفتح باب مواجهات متعددة ومختلفة، مما يؤدي إلى إنهاك آلة القمع.

تدفع السلطة العسكرية الحراك الثوري للعنف، ولكن ما يحدث أنها تساهم في تشكيل كل عوامل الانفجار الأهلي، الذي يخرج عن سيطرة أي حراك أو قوى منظمة، مما يعرض السلطة العسكرية لمواجهة انفجار أهلي واسع لا يمكن مواجهته.

تبقى الثورة سلمية، لأن الجزء الرئيس من نضالها سلمي، وبدون الحراك الثوري السلمي، لن يكون للمسارات الأخرى القدرة على حسم أي معركة، فمعظم المواجهات العنيفة، ليست إلا حرب استنزاف، لا تصل إلى مرحلة تحقيق النصر.

بقاء جماعة الإخوان المسلمين في مسار النهج السلمي، وتطوير هذا النهج، حتى تكون له القدرة على تعطيل آلة القمع، يعضد مسار الثورة السلمية الشعبية، ويجعلها مركز المواجهة، كما يجعل المسار السلمي قادر على تحقيق الحسم.

الخلاصة إذن، أن السلطة العسكرية تستدعي العنف، لأنها تريد دفع الحراك الثوري للانزلاق في العنف، ولكن النتيجة تأتي مختلفة، حيث يبقى الحراك سلميا، وتجد السلطة العسكرية أنها فتحت مواجهات متعددة، ولم تتمكن من القضاء على الحراك السلمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …