‫الرئيسية‬ ترجمات ودراسات السيسى يتحسن .. فى كونه ديكتاتورًا !
ترجمات ودراسات - مايو 27, 2015

السيسى يتحسن .. فى كونه ديكتاتورًا !

تشير أحكام الإعدام الشائنة التى صدرت الأسبوع الماضي، ورد الفعل الصامت من الحكومات الغربية، إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى قد رسخ ائتلاف حاكم سيخرج به من المرحلة الانتقالية إلى مشروع طويل الأجل من توطيد السلطة.

إن الحكم القضائى ضد أكثر من 100 متهم – من بينهم أكاديميين وكبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل ورئيس مصر المدنى المنتخب الوحيد محمد مرسى – هو دليل متزايد على أن السيسى قد مهد صيغة عملية لحكم فى مصر.

هذه الصيغة قد يكون مصيرها الفشل على المدى الطويل، ولكن المدى الطويل يمكن أن يكون بعيدًا جدًا.

تتركز أجندة الحكم اليوم فى مصر حول ثلاثة أمور: الحملة على “الإرهاب” والمعارضة، والحفاظ على تدفق مستمر من النقد من الملكيات السنية فى الخليج، وإصلاحات اقتصادية متواضعة تعطى على الأقل انطباعًا بوجود رؤية وزخم إيجابي.

“الحرب على الإرهاب” التى تشنها الحكومة سوف يتردد صداها مع المصريين لبعض الوقت. ازدادت الهجمات الجهادية منذ الإطاحة بمرسى فى يوليو 2013؛ أشارت وثيقة صادرة عن الحكومة فى العام الماضى إلى قتل أكثر من 700 شخص فى الهجمات. كانت هناك العشرات من الهجمات منذ ذلك الحين، استهدفت فى معظمها قوات الأمن والمنشآت الحكومية.

يشجب الشعب الهجمات بالقنابل على الشرطة والجيش والجهات الحكومية الأخرى. حتى أغلب جماعة الإخوان المسلمين من أنصار مرسى المخلوع أيضا يدينون التمرد وتكتيكاته الإرهابية.

قد لا تكون الحرب على الإرهاب كافية كأيديولوجية موحدة للدولة المصرية، لكنها ستقطع شوطا طويلا فى تعبئة ما قد يكون دونها دعمًا فاترًا للسيسى والجيش.

فى ملاحقتها لحربها على الإرهاب، جمعت مصر الإخوان المسلمين مع جهاديى أنصار بيت المقدس فى سلة واحدة – لتساوى بين المعارضة العامة التى تأتى من الإسلام السياسى وبين التفجيرات والاغتيالات. قال السيسى لصحيفة واشنطن بوست فى مارس “إن الإخوان المسلمين هى المنظمة الأم لأيديولوجية متطرفة”، وأضاف “إنها تشكل الأب الروحى لجميع المنظمات الإرهابية، وينشرونها فى جميع أنحاء العالم.”

ربما يكون دافع السيسى هو الإيمان الصادق بأن التيار الإسلامى كله مسؤولًا بشكل تضامنى عن الهجمات الأخيرة، أو ربما أنه حسب بشكل خاطئ أن موجة العنف تتيح الفرصة للقضاء على المعارضة الإسلامية المعتدلة تحت غطاء مكافحة التمرد.

وقد أعطت المعركة ضد الإسلاميين السيسى بعض الشرعية – ولكنها ليست ما أوصلته إلى السلطة. بل ليصل إليها اعتمد على أموال الخليج، وهو شرط مسبق للانقلاب الذى أطاح بالرئيس مرسي.

كما سمعنا بشكل شديد التفصيل فى التسجيلات المسربة من مكتب رئيس ديوان السيسي، أوضح الرئيس انه يتوقع أن تتدفق المليارات بلا هوادة من السعودية وغيرها من دول الخليج: “يا عم الفلوس عندهم زى الرز يا عم” مثلما قال الرجل الذى يبدو وكأنه السيسى جملته الشهيرة فى أحد من التسريبات.

قد يبدو هذا مثل ابتزاز قطاع الطرق، لكنه أيضا براعة سياسة. يعترف السيسى بأن الخليج يستطيع أن يتحمل تكاليف مصر، وأنه على استعداد لدفع 10 مليار دولار أو أكثر فى السنة إلى أجل غير مسمى لحليف يمكن الاعتماد عليها فى القاهرة.

تكافح مصر لاستيراد ما يكفى من الوقود والمواد الغذائية للحفاظ على الدولة فعالة وعلى الفقراء هادئين؛ وبدون مال الخليج، فإن انقطاع التيار الكهربائى فى فصل الصيف من المحتمل أن يتحول إلى انقطاع للتيار الكهربائى على المدى الطويل وتقنين الكهرباء. لطالما خشى حكام مصر على مدى التاريخ قيام “ثورة الجياع” لو انحدرت ظروف الفقراء الكثيرين فى البلاد.

آخر ركن من تلك الصيغة، الإصلاح الاقتصادي،هو الأصعب. لقد أصبح واضحًا أن سياسة السيسى الاستبدادية ودائرة محاباته الضيقة من المستشارين العسكريين سوف تحول دون نشوء حكم إبداعي. ولكن رغم إن الإصلاحات الكبيرة لن تكون متاحة، فإدخال تحسينات تدريجية على نظام الدعم يمكن أن يخدم السيسى على نحو كاف على المدى المتوسط. وفى الوقت نفسه، مواضع التباهى المسرحية مثل العاصمة الجديدة المخطط لها فى الصحراء خارج القاهرة بتكلفة 45 مليار دولار- وهى مشروع دون جدوى تقوم به شركة بناء إماراتية الذى ربما لن يجرى بناءه أبدًا – والمشاريع الصخمة المقترحة للمساكن والرى ومشاريع الطرق، كلها تعطى انطباعًا بأنها أمة على طريق التقدم.

حتى لو لم يتحقق سوى جزءًا صغيرًا من هذه المشاريع، يرسخ السيسى دعمًا عميقًا فى بعض الأوساط. فقد بقى أصحاب الأعمال الأثرياء والطبقة المتوسطة -صغيرة الحجم ولكن المؤثرة سياسيا- مقربين إلى السيسي، ويمكن أن يستفيدا من تطوير البنية التحتية. سيلعب الجيش أيضًا دورا رئيسيا فى أى من مشاريع البناء كبيرة الحجم، وإذا وزعت بذكاء، يمكن للمساكن الجديدة أو المزايا الأخرى تحييد بعض جماعات المعارضة السياسية المنظمة القليلة ، مثل عمال المصانع فى مدن قناة السويس ودلتا النيل.

إلا أن الاستقرار متوسط الأجل لنظام السيسى يمكن أن يؤدى إلى مزيد من المتاعب لمصر فى المستقبل. فسياساته القمعية لن تحل المشاكل الكثيرة فى البلاد، بل وبالتأكيد ستدفع مصر إلى وضع أسوأ حتى من الوقت الذى انتفضت فيه ضد حسنى مبارك فى يناير 2011.

وتؤكد الأحداث الأخيرة أسلوب جنون العظمة الذى يتسم به السيسي، وتخللها خلال عطلة نهاية الأسبوع حظر و,ابط عشاق أندية كرة القدم المعروفة باسم ألتراس والحكم بالإعدام على أستاذ العلوم السياسية عماد شاهين الذى يعيش فى المنفى. أو كما قال شاهين فى بيان، إن المحاكمات الصورية هى قلب جهود سيسى “لإعادة تشكيل أمن الدولة وتخويف كل المعارضين”.

ويناسب شكل المحاكمات هذه الحجة. اذا ألقت الحكومة بشبكتها على اتساعها، لن تقلق حول احتجاجات اتحادات الطلاب أو الأساتذة الجامعيين الذين ينتقدونها، لأنها ستخيف غالبية المصريين ليصمتوا.

إن أسلوب السيسى المليء بجنون العظمة يبدو أنه نتاج رؤية متماسكة بين الأجهزة الأمنية الغاضبة فى مصر، والتى تظهر وحدة الهدف فى تنفيذ حملة ضد كل المعارضة السياسية. يجتمع الجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات، والمحاكم معًا لتنفيذ رؤية الحكومة السياسية – وهو إنجازا بيروقراطى مثير للإعجاب، ولكنه يحمل مستقبل سيء للإصلاح الديمقراطي.

إن سلبيات نهج الحكم الدكتاتورى الجديد ستحمل تأثيرًا سامًا على مصر على مدى فترة زمنية طويلة. إن تأمين التعاون بين البيروقراطيات المنقسمة ليس بسهولة السيطرة عليها: السيسى يتحكم فى المحاكم تحكمًا تامًا، ولكن على حساب سمعتهم. لقد ساعدت المحاكم بوضوح الحكم العسكري، فحلت البرلمان المنتخب بذرائع واهية، ومنعت ترشح مرشحى الرئاسة الشعبيين، وصدقت على القوانين الانتخابية التى تخدم الأهداف العسكرية.

ونتيجة لهذه الدسائس، لن يستطيع أحد اخذ القضاء على محمل الجد كفرع من الحكومة – وأى حاكم مستقبلي، حتى لو كان أوتوقراطى غير منتخب، يريد استعادة بعض مظاهر سيادة القانون سيواجه مهمة إعادة بناء شاقة . تدهورت الحالة أكثر اليوم، مع تعيين أحمد الزند فى منصب وزير العدل: لقد قال رئيس “نادى القاضي” ذو النفوذ جملته الشهيرة برنامج تلفزيونى أن “القضاة سادة وما دونهم عبيد.”

لا يزال الجيش الذى مهد طريق السيسى إلى السلطة، دائرة للرئيس الأصلية. ولكن ليس هناك أدلة تشير إلى أنه فى وقت الأزمة – مثلًا فى حالة انهيار اقتصادى أو انتفاضة شعبية واسعة – يمكن أن يضحى قادة جيش مصر بامتيازاتهم المؤسسية الخاصة لحماية السيسي.

حتى الحكام المستبدين يجب عليهم اللعب بسياسة للاحتفاظ بالسلطة، بتهدئة المنظمات والدوائر الرئيسية التى تدعمهم. تحت حكم الديكتاتور السابق حسنى مبارك، كان على الجيش التنافس ضد الشرطة والمخابرات، ودائرة أباطرة رجال الأعمال حول الأسرة الحاكمة الذين يتنافسون على مميزاتها. اليوم، يملك الجيش قوة غير المقيدة، التى من المرجح أن تؤدى إلى مزيد من الفساد وغياب المساءلة، وسلسلة من الفشل فى إنجاز الأعمال الاقتصادية الأساسية للدولة.

هذا العجز يؤثر سلبا على الحرب على الإرهاب التى يبنى عليها السيسى شرعيته. يعمل الجهاديين بشكل علنى من سيناء، ولكن وفقًا لبعض التقارير المستقلة التى تخرج عن شبه الجزيرة، استخدم الجنود المدربين تدريبا ضعيفًا تكتيكات الأرض المحروقة فى الانتقام، فهم يقصفون القرى ويعتقلون الرجال بشكل عشوائى بينما يهرب الجهاديين الفعليين. إن إدانة ومحاكمة الرجال عن الجرائم التى غالبًا لم يرتكبونها – كما يبدو أنه حدث خلال محاكمة الإرهاب الشهيرة فى الاسبوع الماضي- لن ينهى التمرد المحلى المزعزع للاستقرار أيضًا.

يواجه سيسى أيضا تهديدات أخرى على المدى الطويل ليست كلها من صنعه. وتشمل ملف الموازنة الوطنية الذى لا يمكن الدفاع عنها، والدعم المكلف للغاية حتى أنه لا يمكن الحفاظ عليه والمهم جدا فلا يمكن إلغاءه دون تفكك اجتماعى هائل، فضلا عن البطالة المتزايدة، وعدم كفاية المياه لأغراض الزراعة فى ظل ممارسات الاستخدام الحالية.

فى نهاية المطاف، فإن أى إصلاح اقتصادى يعتمد على الضغوط الخارجية – وهى الصيغة التى لم تنجح عندما كانت الولايات المتحدة هى المانح الأساسي. ربما يكون للمستشارين الماليين من دولة الإمارات أفضل حظا فى محاولة تنفيذ ممارسات أفضل فى الوزارات والمكاتب الحكومية والتى ستكون قد استهلكت 32 مليار دولار من دول الخليج منذ الانقلاب الذى قاده السيسي. إذا لم تستطع هذه المبالغ الضخمة شراء النفوذ السياسى الكبير أو غرس الممارسات الاقتصادية السليمة، فلن تتمكن أى قدر من الأموال الأجنبية من فعل ذلك.

من الواضح أن النظام الجديد غير قادر على حل تلك التحديات، ولكن يشير التاريخ إلى أن سوء الإدارة يمكن أن تستمر لفترة طويلة. فى الواقع، لعل الخطر الأكبر على مصر هو أن يتدخل السيسي. بالتأكيد هناك شقوق داخل النظام، لكنه لا يحتاج إلى نخبة حاكمة متجانسة: انه يحتاج فقط سلطة كافية للبقاء فى موقع المسؤولية، ودعمًا دوليًا كافيًا لتجاهل غضب المصريين الذين يريدون حقوق مدنية وحرية سياسية، وتنمية اقتصادية حقيقية.

رابط المقال الأصلي

 

……………………………………….

ترجمة موقع “راقب”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …