إلغاء ضريبة البورصة يضر الاقتصاد
لو أن لديك مبلغا من المال تريد استثماره، ووجدت أمامك خيارين، أحدهما المساهمة فى إقامة مشروع صناعى تستغرق إقامته حوالى الثلاث سنوات، لن تحصل خلالها على أى عائد، والثانى الاستثمار فى البورصة، التى يمكنك من خلالها تحقيق ربح يومى يصل إلى 10 % بمجرد دخولك، فماذا تختار؟
ولو خيروك ما بين الإسهام فى مشروع زراعى ، ستحصل على عائد منه بعد ما يتراوح بين أربعة الى ستة أشهر ، وبين البورصة التى تحصل على عائد بها ، من اليوم الأول لدخولك إليها ، فماذا ستختار؟
ولو خيروك ما بين اقامة مشروع تجارى ، يحتاج الى مكان وعمالة ومرافق ودعاية ووقت لجنى الربح ، وبين كسب سريع بالبورصة ، لا تحتاج معه الى مكان أو نقل للبضائع وتشغيل وتسويق ومنافسة بالسوق ، فماذا تختار ؟
فإذا علمت أن قيامك بأى نشاط تجارى أو صناعى أو حرفى ، سيترتب عليه قيامك بدفع ضرائب ، وتأمينات ، وخضوعك لتفتيش من قبل مسؤلى الصحة والقوى العاملة والمرافق والدفاع المدنى ، بينما مع استثمارك بالبورصة ، لن تدفع ضرائب أو تأمينات ، ولن يطاردك أحد من أى من الجهات الحكومية .
من المؤكد أنك ستختار البورصة ، فإذا قيل لك أن دخولك بأموالك فى مشروع صناعى أو زراعى أو تجارى ، ستساهم فى زيادة انتاج السلع والخدمات ، وستوفر فرص عمل للعاطلين ، وستفيد مجتمعك ، بينما استثمارك بالبورصة لن يضيف أى انتاج ، ولن يضيف أية عمالة جديدة ، فهل ستغير رأيك ؟
واذا قيل لك أن دخولك فى مشروع انتاجى صناعى أو زراعى سيقلل من الاستيراد ، وهو ما سيخفف الضغط على الجنيه المصرى ، ويحقق الاستقرار لسعر الصرف ، والاستقرار للأسعار مع زيادة المعروض من السلع والخدمات ، بينما مع دخولك البورصة لن يتحقق شيئا من كل تلك المنافع السابقة ، فهل ستغير رأيك ؟
*********
كثيرين لم يغيروا رأيهم ، وتركوا أعمالهم الأصلية من أطباء ومحاسبين ومحامين وتجار وغيرهم ، وتفرغوا للاستثمار بالبورصة ، ولعلنا نتذكر الهوجة الاعلامية عند طرح أسهم الشركة المصرية للاتصالات ، والتى لعبت على وتر تحقيق طفرة من الربح خلال فترة قصيرة ، مما دفع فلاحين لبيع مواشيهم وشراء أسهم الشركة ، وقيام تجار بتصفية تجارتهم ، و سائقى تاكسى ببيع سياراتهم وشراء الأسهم ، والنتيجة انخفاض القيمة السوقية لأسهم الشركة ، عن قيمة شراء أسهمها !
وفعل نفس الشىء رجال أعمال كبار ، حين وجدوا أن أنشطتهم الصناعية تعانى ، من صعوبات التمويل ونقص الأراضى الصناعية ، ومشاكل العمالة وارتفاع نسب الضريبة ، فوجهوا قدرا أكبر من استثماراتهم الى البورصة ، على حساب أنشطتهم الصناعية .
وسار على نفس النهج كثيرين ممن كانوا يفضلون ايداع جانبا من أموالهم بالبنوك ، حين أصبحت المقارنة صعبة جدا ، بين عائد سنوى على الودائع لا يصل الى 7 % ، وبين امكاينة تحقيق ربح يومى نسبته 10 % بالبورصة .
حتى من يتجهون لشهادات الايداع ، التى يمكن أن يصل عائدها الى حوالى 12 % سنويا ، فمازات الفجوة كبيرة أمامهم ، فما يحققونه من عائد فى عام بالبنوك ، يمكن تحقيقه بالبورصة خلال يوم أو يومين .
*********
وهكذا تبدو المفارقة ، فالاستثمار فى أى نشاط صناعى أو زراعى أو خدمى ، يساهم فى تقليل الواردات ، وتضييق فجوة العجز التجارى المزمن ، وهى المشروعات التى تدفع ضرائب متنوعة ، من ضرائب دخل ومبيعات ودمغة وتنمية موارد ورسوم وجمارك ، تساهم فى تدبير موارد للاستثمارات الحكومية ، فى مجالات الطرق والكبارى والمياه والصرف الصحى والاسكان والصحة والتعليم .
بينما الاستثمار بالبورصة تدور الأموال الداخلة فيه بين المتعاملين ، ولا تدخل الى الناتج المحلى الاجمالى ، ولك أن تعجب حين تعرف أن قيمة التعامل بالبورصة التى بلغت بالعام الماضى 291 مليار جنيه ، لم تساهم فى إضاف آلة واحدة الى أى مصنع ، حتى بالشركات المقيدة بالبورصة .
سيقول لك بعض الجهابذة أن البورصة قد ساهمت فى تمويل الشركات خلال العام الماضى ، وحتى تتضح الصورة فقد بلغت قيمة الأطروحات الخمسة التى تمت ، من خلال البورصة بالعام الماضى 856 مليون جنيه ، أى أقل من المليار جنيه .
كما أن تلك الاطروحات غابت تماما عن البورصة خلال السنوات الثلاثة السابقة ، أى عام من 2011 وحتى 2013 ، بينما بلغت قيمة تعاملات سوق التداول خلال تلك السنوات الأربعة 786 مليار جنيه ، مقابل أقل من 1 مليار جنيه للأطروحات العامة ، فهل ساهمت البورصة فى التنمية ؟ .
*********
وسيقول هؤلاء الجهابذة أن البورصة قد ساهمت فى جلب استثمارات من الأجانب ، ساعدت فى دعم السيولة بالسوق ، ونرد عليهم من خلال بيانات البنك المركزى التى تقول أنه خلال السنوات الثمانية الماضية ، ما بين عامى 2007 و2014 ، كان صافى تعامل استثمار الأجانب بالبورصة المصرية ، تدفقا سلبيا الى الخارج بلغ 12 مليار و389 مليون دولار .
وهو ما يشير الى أن البورصة كانت بمثابة مجال لتسرب الدولارات الى الخارج ، ورغم ذلك يضغط حيتان البورصة على البنك المركزى حاليا ، كى يدبر العملات للمتعاملين الأجانب كى يخرجوا بما ربحوه الى بلادهم الأصلية ، بينما المستوردين المصريين لايجدون ما يكفى احتياجاتهم .
وسيقول الجهابذة وشركاءهم بالاعلام الاقتصادى ، أنهم قد حققوا خسائر بسبب فرض الضريبة على البورصة ، ونقول لهم أن فرض الضريبة كان فى بداية يوليو من العام الماضى ، بينما تصاعد التراجع بالبروصة فى اليوم التالى لانتهاء المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ ، بعد أن ادرك المتعاملون غياب ثماره .
وحتى أقاويلهم الخادعة عن تحقيقهم لخسائر خلال الشهور الأخيرة ، مردود عليهم بما حققه المؤشر الرئيسى بالبورصة فى الفترة ما بين 30 يونيو 2013 ، وحتى السابع عشر من مايو من العام الحالى ، وهو اليوم السابق لتصريح رئيس الوزراء بتأجيل فرض الضريبة ، حيث بلغت نسبة نمو المؤشر 74 % ، كما حقق رأس المال السوقى زيادة بنسبة 50 % خلال نفس الفترة .
من كل ماسبق يتضح أن سوق التداول بالبورصة يضر كثيرا بالاقتصاد المصرى ، ويجذب المستثمرين الى المجال الذى لا يضيف انتاجا ولا فرصا للعمل ، على حساب القطاعات الانتاجية أوالخدمية الحقيقية ، ورغم ذلك ندلله بتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات الأوراق المالية بالبورصة لعامين ، بينما يدفع المنتجون ضرائبا على الدخل تصل الى 30 % بخلاف أنواع الضرائب والرسوم الأخرى.
فهل نحن مجتمع يسعى لزيادة الانتاج ؟ أم أننا نتحيز للاستثمار المالى على حساب الاستثمار الحقيقى ؟ ، الواقع أننا نشجع المضاربين الذين تعودوا على الربح السريع ، على حساب قيم العمل والانتاج ، ومن الطبيعى أن يدفع الاقتصاد والفقراء وأصحاب الدخول المحدودة ، ثمن الثمار السلبية لكل تلك التصرفات المعوجة.
……………………………….
نقلا عن: “مصر العربية”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …