كيف أصبحت المتهم رقم 33 وضحية جديدة لعودة الحكم العسكري؟
فى فجر الثالث من يناير 2014، أحاطت القوات الأمنية المصرية بمنزلى فى القاهرة، وأخذت فى الاصطفاف، على طريقة الحروب، وإحداث جلبة هزت المبنى.
ما زلت أتذكر صرخات زوجتى التى امتقع وجهها قائلة: “إنهم هنا! إنهم هنا، لقد جاءوا ليأخذونك، ويلقون القبض عليك”، لأسباب ما زالت غير واضحة تماما بالنسبة لي”، وغادرت القوات الأمنية بعد حوالى نصف الساعة بعد كثير من الطرق على الأبواب.
وقررت إنقاذ زوجتى من ذلك الخوف غير المحتمل والمغادرة، وابتعت تذكرة ذهاب، ولم أعد إلى مصر منذ ذلك الحين.
وفى رحلة الطائرة، أخذت أتدبر مليا إحدى أقصر التجارب السياسية فى عصرنا، فمنذ ثلاثة أعوام، انتفض المصريون، وأسقطوا الديكتاتور حسنى مبارك، فى أحد أعظم مظاهر القوى الشعبية خلال العصر الحديث.
ولكن فى صيف 2013، تحطمت الآمال الديمقراطية لملايين المصريين، عندما استعاد النظام القديم السيطرة على الدولة فى انقلاب عسكرى ضد محمد مرسى أول رئيس منتخب ديمقراطيا فى مصر.
وقبل وقت مغادرتي، ارتكبت الحكومة العسكرية فظائع عديدة، تتضمن عمليات قتل واعتقالات جماعية، كجزء من مشروع غير مسبوق للإقصاء الجماعى السياسي.
استرجعت تلك الهتافات الثورية التى دوت فى ميدان التحرير حول “العيش” و”الحرية” و”العدالة الاجتماعية”، والتطلعات الشاهقة، التى صاحبت الانتخابات الديمقراطية.
لكن كل ذلك ضاع هباء، فى مواجهة ثورة مضادة هوجاء بالداخل، وتواطؤ من الخارج.
السبت الماضي، أصدرت محكمة مصرية حكما غيابيا بإعدامي، استنادا على اتهامات زائفة ومفبركة.
لم تحدد المحكمة أبدا الجريمة التى تفترض أننى ارتكبتها، كما لم تقدم أى دليل إدانة.
لقد أدرجت فى القضية تحت اسم “المتهم 33″، ووجهوا لى اتهامات فضفاضة، كالتخابر، والتآمر على تقويض الأمن القومي.
كما شملت أحكام الإعدام محمد مرسى وأكثر من 100 آخرين، بينهم فلسطينى يقبع فى سجون إسرائيل منذ عام 1996.
وبالطبع، لا يستطيع هذا الفلسطينى ارتكاب الجريمة الموجهة له، وهى تنظيم عملية اقتحام سجون عام 2011، ولكن لا يبدو أن مثل هذه التفاصيل تمثل أى مشكلة للمحكمة.
وعلاوة على ذلك، فإن فلسطينييْن آخرين، من المحكوم عليهم بالإعدام هما فى واقع الأمر من الأموات.
ووفقا لحماس، فإن أحدهما قضى نحبه منذ سنوات قبل عملية اقتحام السجن أساسا، لكن القضاء المصرى المسيس، يبدو فاقدا للأهلية وفاسدا بنفس المنوال.
مثل هذه الأحكام هى الأحدث فى طابور طويل من المحاكاة الهزلية للعدالة، التى ينفذها قضاة مصريون، والذين أدانتهم منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش”، و”أمنيستى إنترناشيونال”.
إنه نفس القضاء، الذى أصدر أحكام إعدام فى مارس 2014، طالت أكثر من 500 شخص، فى ادعاءات تتعلق بقتل رجل شرطى واحد.
لقد كان ذلك الحكم الأول بين أربعة أحكام إعدام جماعية، خلال عام واحد، أصدرتها محاكم تواصل مساعدتها للحكومة المصرية الحالية، بقيادة عبد الفتاح السيسي، فى محاولة لاحتكار السلطة، والتخلص من الأصوات المعارضة.
الذين لم يقتلوا بطلقات الرصاص، يقتلهم القضاء بأحكام حبس وإعدامات.
قد يبدو غريبا للبعض ضلوع باحث علوم ساسية مثلى فى قضية بارزة. ولكن مجددا، من الصعب شرح مدى اللاعقلانية لمثل هذا النظام غير الآمن.
وبعد عزل مرسى عام 2013، وصفت، خلال أبحاثي، وكتاباتي، التفاصيل غير المريحة، لسياسات الإقصاء العنيفة، التى تنتهجها الحكومة العسكرية.
لقد أطلقت على ما حدث فى 3 يوليو 2013، انقلابا عسكريا وحشيا ودمويا. وكتبت وتحدثت عن وفاة المئات من المصريين، والاعتقالات التى زجت بالآلاف داخل السجون، والاعتداءات الجنسية ضد طالبات.
وأظن، أن النظام اعتبرنى مصدر إزعاج، لا سيما فى ظل شهرتى داخل المجتمع الأكاديمي، والاحترام الذى تحظى به أعمالى داخل الولايات المتحدة، التى أنفقت فيها الحكومة العسكرية الكثير من الجهد والمال، لمحاولة استعادة صورتها.
وعلاوة على ذلك، فإنى الوسائل الإعلامية الدولية تطلب دائما وجهة نظرى فى تحليل التطورات فى مصر.
وفى جهد واضح لتقويض رسالتي، صورتنى السلطات كخائن، وشرير، لا يهمه مصلحة مصر.
ومنذ الانقلاب، شاركت فى العديد من الجهود لتأسيس ائتلاف مدنى حاكم، واستعادة الديمقراطية فى مصر.
قادة الانقلاب لا يهتمون بتلك المبادرات، بل اختاروا الاستقطاب، والتصعيد، والإقصاء، ويشنون “الحرب على الإرهاب”، كذريعة لاقتراف العنف برعاية الدولة، واستعادة الدولة العسكرية. لكن ستة عقود من الحكم العسكرى لم تترك وراءها إلا إرثا مفلسا.
ففى عام 2013، قبعت مصر فى ذيل دول العالم، فيما يتعلق بجودة التعليم الأساسي، كما احتلت المركز 94 بين 175 فى مؤشر الفساد، والمركز 112 من 189 فى سهولة إنجاز الأعمال.
وفى نواح كثيرة، أعتبر نفسى محظوظا، حيث أن آلاف المصريين الذين ظلوا داخل مصر إما أن قتلوا أو حبسوا.
ومنذ الانقلاب، قابلت عشرات المصريين، بعضهم فى المنفي، سردوا لى حكايات حول خسارة مواردهم المالية، ووظائفهم، وعقاراتهم، وحياتهم، لكننى ما زلت أمارس البحث والتدريس، واحتضنت أملا جديدا داخل المنفي.
النظام القضائى المصرى الحالى يخلو من الإجراءات القانونية الواجبة، أو وضع اعتبار للأدلة، والمعايير الدنيا للعدالة، بما يجعل عودتى للاستئناف على الحكم غير ذات جدوى.
الصراع الجوهرى فى مصر اليوم يبدو ظاهريا بين الجيش والإخوان، لكنه فى واقع الأمر بين الحكم العسكري، والحكم المدنى الديمقراطي.
سأستمر فى السعى داعما لقضية الديمقراطية، وحكم القانون. “الكرامة” و”العدالة الاجتماعية” شعاران لم يرددهما الميدان عبثا.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …














