أنا “الصحفي” هنا في سجون مصر.. تذكروني في اليوم العالمي لحرية الصحافة
سُجن الصحفي المصري عبد الله الفخراني، من مؤسسي شبكة أخبار رصد على الإنترنت في مصر، العام الماضي، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد 25 عامًا الشهر الماضي، وقد كتب هذه الرسالة، التي تم تهريبها من السجن بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة:
“كنت ساذجًا، على الأقل في الأيام الأولى بعد أن تم اعتقالي، واعتقدت أن العالم سوف يهب للدفاع عني، وعن زملائي، وعن حرية الصحافة التي بدأت تنمو في مصر بعد ثورة 25 يناير في عام 2011.
واعتقدتُ أن جميع المنظمات المهتمة بالصحافة وحقوق الإنسان، وكذلك قادة الرأي الذين يعظوننا ليلاً ونهارًا عن حرية الرأي والتعبير وأنها من القيم والمبادئ الأساسية، سوف يبذلون قصارى جهدهم للوقوف في وجه الانتهاكات الصارخة ضد الصحفيين في مصر.
واعتقدت أيضًا – حيث إنني اعتقلت فقط بسبب مهنتي كصحفي – أنني لن أبقى طويلاً في زنزانة السجن، وفكرت أنه على الأقل سيتقدم العديد من الناس للدفاع عني وعن زملائي، ونسيت في ذلك الوقت أن العالم لا يتذكر المبادئ كثيرًا، كما يتذكر المصالح السياسية والانتماءات.
فسيتذكر العالم الصحفيين الغربيين.. سيتذكر الصحفيين الذين يعملون في المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تستطيع أن تعلن عن محنتهم على شاشات وعبر وسائل الإعلام الأخرى، وسيهب العالم للاحتجاج على سجن أولئك الصحفيين، ولنشر أخبارهم والضغط من أجل الإفراج عنهم، ثم الاحتفال بالإفراج عنهم، وسرعان ما ستنتهي المعركة، بينما يبدو غافلاً أو جاهلاً أن هناك أكثر من 20 صحفيًا مصريًا من مختلف المؤسسات الإعلامية قابعين خلف الأسوار، وفي الواقع، حكم على 13 منا يوم السبت الماضي، بالسجن المؤبد، وحكم على أحدنا بالإعدام، وأنا واحد من هؤلاء.
كانت الاتهامات التي أدنت بها هي “نشر أخبار كاذبة والسعى لتشويه سمعة مصر في الخارج”، وحكم عليَّ بالسجن المؤبد في محاكمة هزلية؛ حيث إن المحكمة لم تقدم مثالاً واحدًا عن تلك الأنباء الكاذبة المفترض أن تشكل أدلة ضدي (إذ افترضنا أن مثل هذه التهمة تستحق هذه العقوبة الشديدة)، كما حرمتني المحكمة من حقي في الكلام أمام القاضي، أو حتى من حضور المحكمة لسماع الحكم والعقوبة بنفسي.
منذ الانقلاب العسكري الخائن، وحرية الإعلام في مصر تعني حرية إعداد أو إنتاج أو بث البرامج الحوارية التي تمجد النظام المعين من قبل المجلس العسكري غير الشرعي، أو حرية اختلاق القصص عن الاختراعات العلمية الخيالية للمساعدة في بيع الوهم للجمهور العام، أو نشر الأخبار الكاذبة لتشويه صورة وسمعة المعارضين مهما كان توجههم السياسي، أو نشر ‘الأخبار’ المضللة التي تؤكد، على سبيل المثال، أن الفوسفات الذي كان في البارجة التي غرقت في نهر النيل سيؤدي “في الواقع” إلى تحسين نوعية مياه الشرب التي يستخدمها ملايين المصريين كل يوم.
هذه الأنواع من الحريات تنفرني(أكرهها)، فقد تم القبض على بعض الصحفيين وأنا منهم بتهمة السعي إلى “خلق حالة من الفوضى وتشويه صورة بلدنا مصر”، فقط لأننا نقلنا الحقيقة كما هي، وليس كما يرغب النظام، وقد اعتدت على نقل الحوادث بوجهة نظر محايدة تمامًا، وليس بوجهة نظر المجلس العسكري الحاكم، ولهذا كان جزائي السجن الموبد 25 عامًا.
عملي في الصحافة جعلني أسيرًا في أربعة سجون للمجلس العسكري؛ حيث تم تجريدي من ملابسي وتعذيبي، وتعرضت للضرب المبرح والحرمان من الرعاية الطبية، كما منعت أيضًا من إكمال دراستي، ولم يسمح لي بجلب أي من متعلقاتي الشخصية الأساسية أو الكتب، منعت من الزواج من الفتاة التي أحبها، وفي نهاية المطاف، حرمت من حياتي، فالحياة بدون حرية ليست حياةً على الإطلاق.
هناك من يعتقدون أن الحظ كان حليفي؛ لأنني حكم عليَّ بالسجن المؤبد، وليس بالإعدام مثل زميلي الصحفي وليد شلبي، كما يعتقد آخرون أنني محظوظ لأنني لا أزال أتنفس، وإن كان ذلك داخل زنزانة تشبه القبر، وأنني لم يتم اغتيالي أثناء قيامي بواجبي كصحفي محترف، مثلما حدث مع تسعة زملاء وإعلاميين آخرين وهم؛ أحمد عاصم، وحبيبة عبد العزيز (التي كنت معها قبيل دقائق من وفاتها)، ومصعب الشامي (زميلي في شبكة رصد الإخبارية)، وأحمد عبد الجواد، ومايك دين (المصور البريطاني الذي كان يعمل لصالح قناة سكاي نيوز)، و محمد سمير، وتامر عبد الرؤوف، ومصطفى الدوح، وميادة أشرف (التي كانت تعمل في جريدة الدستور) والذين قتلوا جميعًا على يد قوات وزارة الداخلية منذ الانقلاب.
لقد ضحكت بصوت عال عندما رأيت صور وزير خارجية المجلس العسكري وهو يشارك في مسيرات باريس مع زعماء العالم ضد انتهاكات حرية التعبير بعد حادثة تشارلي إيبدو، وكنت أتساءل: ألم يسأل أي شخص وزير الخارجية المصري المفترض عن عدد الصحفيين الذين قتلوا في عهده؟ أو عن عدد الصحفيين الذين ألقاهم وراء القضبان في حين سار متحدثًا باسم حريتهم؟
كيف سيبدو وجه وزير الخارجية إذا سأله شخص ما مثل هذا السؤال؟ ولكن يبدو أنه لا يمكن استبعاد المعايير المزدوجة في هذه الحالة أيضًا، فالكثيرون لا يهتمون بهذا التناقض الصارخ، ولكلٍّ أسبابه.
في الواقع، على الرغم من أنني لا أنكر أنني أمر بالمرحلة الأصعب في حياتي، إلا أنني لم أندم على عملي كصحفي في أي يوم من أيام سجني حتى الآن، ولا حتى للحظة واحدة، ولا حتى بعد الحكم علي بالسجن.
على العكس من ذلك، فأنا فخور بأنني شاركت في تأسيس عدد من المواقع الإخبارية مثل “رصد”، وشاركت في نشر ثقافة “المواطن الصحفي” بين شباب مصر، وهو الضمان الوحيد لمواجهة السيطرة والهيمنة القمعية على وسائل الإعلام، التي يقودها السياسيون ورجال الأعمال، وإذا – أو عندما- يتم الإفراج عني، فسوف يكون لدي أكثر من 5 مشاريع إعلامية ضخمة لتنفيذها.
إن حبي لبلدي، وإيماني العميق بحق الشعب في حياة أفضل وأكثر كرامة، يجعلني أكثر تصميمًا يومًا بعد يوم على تبني حرية الرأي ووسائل الإعلام كهدف ومشروع عملي، فبدونها، نحن نفقد الكثير من الفرص لتوليد الأفكار والتنمية بين الثقافات، بالإضافة إلى أن بث أي أخبار وفضح الفاسدين أو المجرمين سيجعلهم يدركون أن الناس يشاهدونهم ولن يسمحوا لهم أن يدوسوا حقوقهم وكرامتهم وحياتهم، عندما تتواجد حرية الإعلام، فإن الشعب سيكون واعيًا ويقظًا.
هذه هي الأفكار والكلمات التي كتبتها بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو) الثاني بالنسبة لي وراء القضبان، فهل سأرى النور – أو الحرية- قبل حلول اليوم العالمي لحرية الصحافة الخامس والعشرين لي في السجن؟
عبد الله الفخراني- ميدل إيست آي (التقرير)
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …