‫الرئيسية‬ مقالات سيناء 2015.. حقائق وأكاذيب وأسرار
مقالات - أبريل 27, 2015

سيناء 2015.. حقائق وأكاذيب وأسرار

أصبح من طقوسنا السنوية، فى أبريل من كل عام، أن ننبرى جميعا للحديث عن سيناء وتاريخها وتحريرها وبطولاتها، حتى إذا انقضت المناسبة، قمنا بإعادة الملف بكل تعقيداته ومشاكله المزمنة إلى الأدراج، ليظل هناك عاما كاملا، مهملا منسيا، إلى أن نتذكره مرة أخرى فى العيد التالى، ما لم يقطع الصمت كارثة جديدة.

ولقد شهدت سيناء فى العام المنصرف ولا تزال، جرعة مكثفة من الكوارث، أعقبتها حزم من القرارات والإجراءات، المصحوبة بكثير من الحكايات والتحليلات والادعاءات، مما خلق حالة عامة من الخوف والقلق والغموض والالتباس، تحتم معها أن نحاول جميعا المشاركة فى فك طلاسمها.
***

أولا – الحقائق:

ترزح سيناء ومعها كل مصر تحت نير القيود العسكرية، التى فرضها علينا الصهاينة والأمريكان فى المادة الرابعة من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979، والتى بموجبها يحظر على مصر نشر أكثر من 22 ألف جندى فى المنطقة (أ) بجوار قناة السويس وعرضها 58 كيلومتر، وما لا يزيد عن 4000 عسكرى حرس حدود فى المنطقة (ب) فى وسط سيناء وعرضها 109 كيلومتر، كما يحظر وجود أى قوات مصرية فى المنطقة (ج) بجوار فلسطين (إسرائيل) وعرضها 33 كيلومتر، إذ مسموح لنا فيها بقوات شرطة (بوليس) فقط. أما على الجانب الإسرائيلى فيحظر نشر أى دبابات فى المنطقة (د) بطول الحدود المصرية الإسرائيلية، وعرضها لا يتعدى 3 كيلومترات. لتصبح أقرب دبابة إسرائيلية على بعد 3 كيلومتر من الحدود المصرية، فى حين تبعد أقرب دبابة مصرية عن نفس النقطة 150 كيلومتر، فى انحياز فاضح وخطير وغير مسبوق للأمن القومى الإسرائيلى على حساب الأمن القومى المصرى.

أضف إلى ذلك القوات الأجنبية المسماة بالقوات متعددة الجنسية MFO، التى تم نشرها فى سيناء لتراقبنا، وعددها حوالى 2000 عسكرى، ما يقرب من نصفهم قوات أمريكية، والباقى من دول حلف الناتو وحلفائهم. وهى قوات لا تخضع للأمم المتحدة، وإنما لوزارة الخارجية الأمريكية، ومديرها الحالى هو ديفيد ساترفيلد الذى شغل منصب القائم بأعمال السفير الأمريكى فى مصر بعد آن بترسون، فى دلالة هامة على حقيقة وطبيعة وانحيازات هذه القوات.

وهى الترتيبات الذى جردت مصر من السيادة الكاملة على سيناء، وأضعفت من قبضة الدولة المصرية وشرعيتها هناك، وفتحت الأبواب على مصراعيها لكل أنواع الاختراق والتجسس والإرهاب والتهريب، بالإضافة إلى بروز انتماءات وشرعيات بديلة وموازية، بشكل لم يحدث أو يتكرر فى أى بقعة أخرى فى مصر.

فحتى فى ظل الانفلات الأمنى الذى ضرب ربوع مصر كلها بعد الثورة، لم يحدث أن وقع كل هذا العدد من القتلى فى صفوف الشرطة والجيش فى أى مكان آخر؛ لأن سيناء وحدها هى التى تعانى من قيود كامب ديفيد العسكرية والأمنية.
***

ثانيا – الأكاذيب:

التنمية :

على امتداد أكثر من ثلاثين عاما، كان رجال السلطة وخبراؤها من العسكريين والاستراتيجيين يدَّعون، فى سياق دفاعهم عن اتفاقية السلام، أنه لم يكن فى الإمكان أبدع مما كان، وأنه لا ضرورة لإلغائها أو تعديلها، وأن البديل هو تنمية سيناء، وأن هناك مشروعات كبرى تنوى الدولة تنفيذها هناك، وـنها خصصت لها مليارات الجنيهات، ثم لا يحدث شيئا.

بينما الحقيقة التى يعلمونها جميعا ولكنهم يخشون مصارحة الرأى العام بها، هو استحالة التنمية فى غياب سيادة الدولة الكاملة وحمايتها، استحالة التنمية فى ظل قيود كامب ديفيد الحالية، فكيف تبنى مصانع ومزارع ومناجم ومدن وتعمرها بالناس وأنت عاجز عن حمايتها وحمايتهم؟ لا يوجد عاقل يمكن أن يقدم على ذلك، ولنا فى مدن القناة عبرة كبيرة، حين قامت الدولة بتهجير أهاليها بعد 1967، حتى لا يكونوا رهينة تحت القصف الإسرائيلى المستمر، فى ظل غياب دفاع جوى فعال.
***

الفلسطينيين يطمعون فى استيطان سيناء:

هذه واحدة من أكثر الأكاذيب انتشارا وترويجا فى الفترة الأخيرة؛ بهدف تبرير الانحياز المصرى الرسمى لإسرائيل فى حصارها واعتداءاتها على الفلسطينيين فى غزة، وأيضا لتبرير التنسيق والتقارب المصرى الإسرائيلى غير المسبوق فى مواجهة “العدو المشترك”، المتمثل فى الإرهاب الفلسطينى (المقاومة). فاستيطان الفلسطينيين لسيناء هو مشروع صهيونى رفضته كل الأطراف المصرية والفلسطينية بدون استثناء. كما أن الذين يرفضون التنازل عن أراضيهم التاريخية (فلسطين 1948) لإسرائيل، ويرفضون الاعتراف بشرعيتها، ويقاتلونها ويقدمون شهداء بالآلاف دفاعا عن أراضيهم ومواقفهم، لا يمكن أن يستبدلوا أوطانهم بأى أراض أخرى فى مصر أو غيرها.
***

مصر تحررت من قيود كامب ديفيد:

يشيع البعض نفاقا وتضليلا أن الإدارة المصرية الحالية قد تمكنت من التحرر من القيود العسكرية المذكورة في الأعلى، بدليل وجود قوات مصرية إضافية الآن فى سيناء تكافح الإرهاب.

وهو كلام عار من الصحة تماما، فهم يعلمون جيدا أن نشر أى قوات مصرية إضافية فى سيناء يتطلب استئذان إسرائيل وموافقتها على إعداد القوات وتسليحها وأماكن انتشارها وطبيعة مهماتها وموعد انسحابها.

بالإضافة إلى أن كل الموافقات الإسرائيلية تخص وتتعلق بالقوات المصرية على الحدود المصرية الغزاوية التى لا تتعدى 14 كيلو متر، وليس بباقى الحدود المصرية الفلسطينية (الإسرائيلية) البالغة أكثر من 200 كيلومتر.
***

المنطقة العازلة والأنفاق ومعبر رفح :

يدَّعون “أن الفلسطينيين هم الذين يهددون أمن مصر القومى، بعناصرهم الإرهابية أو بالسلاح الذى يهربونه إلى إرهابيي سيناء عبر الأنفاق، وهو ما يستدعى تدميرها عن بكرة أبيها، بكل ما يستلزمه ذلك من إجراءات، بما فيها إخلاء الحدود من السكان وإقامة منطقة عازلة. كما أنه لا يمكن لأى دولة محترمة أن تسمح باختراق سيادتها بأنفاق غير شرعية لحدودها(.

لن نرد عليهم بأنه لو كانت مصر لا تزال تقود معارك تحرير فلسطين والأمة العربية من الكيان الصهيونى المسمى بإسرائيل، لكانت الأنفاق هى أحد أدوات المقاومة المصرية الفلسطينية المشتركة ضد قوات الاحتلال وضد التواطؤ الدولى لحصار المقاومة وحظر تسليحها.

لن نرد بذلك؛ لأنهم سيتحججون بأنه بعد انسحاب مصر من الصراع العربى الصهيونى وتوقيعها معاهدة صلح مع إسرائيل، تلزمها وتجبرها فى مادتها الثالثة على منع وتجريم أى أعمال عدائية ضد إسرائيل من الأراضى المصرية، فإنه يجب تدمير الأنفاق. ولكن رغم حججهم تلك، بل وبافتراض صحتها، فإن ما يقولونه لا يزال يقع تحت باب الكذب والتضليل، لعدة أسباب، أولها أنه على من يريد الدفاع عن الأمن القومى المصرى ولو على نهج كامب ديفيد ومنظورها البائس، عليه أن يدمر الأنفاق تحت الأرض مع فتح معبر رفح فوق الأرض، لانتقال الأهالى والبضائع بشكل طبيعى وقانونى كما هو متبع فى المعابر المصرية الأخرى كمعبر السلوم مثلا.

أما أن يتم تدمير الانفاق مع اغلاق المعبر فى ذات الوقت، فهو ليس حماية للامن القومى المصرى، بقدر ما هو حماية لأمن اسرائيل، والتزاما بالاتفاقية الظالمة، المجهولة للكثيرين، المسماة باتفاقية فيلادلفيا والموقعة بين مصر واسرائيل عام 2005، من أجل حصار غزة ومراقبتها.

كما أن اخلاء الحدود المصرية من السكان، وانشاء منطقة أمنية عازلة، هو مطلب اسرائيلى قديم سبق ان رفضه مبارك نفسه الذى وصفه الاسرائيليون بكنزهم الاستراتيجى. وهو اجراء خطير يهدد امن مصر واستقلال سيناء، فى مواجهة عدو توسعى دأب، على امتداد قرن من الزمان، على اغتصاب واستيطان أى أراضى عربية خالية. وهو ما سبق أن فصلناه فى دراسة سابقة بعنوان ((اخلاء سيناء مطلب اسرائيلى)).

***

أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء:

من ناحية أخرى، فان الجماعات الإرهابية، التى تدَّعى كذبا وتضليلا انها تنطلق من مرجعيات دينية لتحرير القدس، فاننا نكاد نقطع بصلتها الوثيقة بإسرائيل، مباشرة او اختراقا. وأوضح ما يكشفها انها توجه سلاحها الى الداخل المصرى وليس الى اسرائيل الذى لا تبعد عنها سوى أمتارا قليلة. لأن من يملك القيام بعمليات بهذا الحجم والكفاءة والقوة والجرأة، لماذا لا يفعلها مع قوات الاحتلال الصهيونية؟!

ومن يرد بأن السلطات المصرية لن تسمح بذلك. نقول أن هذه حجة متهافتة لأن هذه الجماعات لا تتحرك وفقا للمسموح والمحظور من قبل الدولة.

ومن يرد، بأن الجيش هو الذى بدأ بالإرهاب، وانهم يقاتلونه ردا وانتقاما من أعمال القتل العشوائى الذى قام به ضد الأبرياء من اهل سيناء. نرد عليه بان اول عملية ارهابية تمت فى اغسطس 2012 قبل اى عمليات للقوات المسلحة هناك.

ان من يسمون أنفسهم بأنصار بيت المقدس او ولاية سيناء، يتماثلون مع داعش واخواتها الذى يوجهون رصاصهم الى مواطنيهم من العرب فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وليس الى القوات الامريكية او الصهيونية.

وان كانت داعش والقاعدة من صناعة الاستخبارات الامريكية والاوروبية، فان انصار بيت المقدس وولاية سيناء من صناعة اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بامتياز.
*****

ثالثا – الأسرار:

هناك كثير من الأسرار، المحجوبة عن الرأى العام المصرى منذ عقود طويلة، كان اشهرها بنود وتفاصيل اتفاقية السلام ذاتها، الذى دُعِّى الشعب للاستفتاء عليها عام 1979 بدون ان تعرض عليه وثائقها. بالإضافة الى عديد من الملاحق والاتفاقيات والترتيبات التى لا نعلم عنها شيئا حتى يومنا هذا، ما لم يتم تسريبها عبر وسائل الاعلام العبرية او الامريكية.

واليوم أضيف الى ترسانة الاسرار المصرية الاسرائيلية الامريكية المشتركة، ملفات و أسئلة جديدة لا نعلم عنها شيئا هى الأخرى، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

ما هى نصوص وطبيعة التفاهمات المصرية الاسرائيلية الأخيرة، والتى سمحت اسرائيل بموجبها للادارة المصرية بإدخال بعض القوات الاضافية؟ وما هو المقابل؟

وما هى حدود التنسيق والتعاون الامنى المشترك، الذى دفع القادة الصهاينة ووسائل الاعلام الاسرائيلية الى الحديث عن حميمية غير مسبوقة فى العلاقات المصرية الاسرائيلية، وصلت الى حد قيام اللوبى الصهيونى فى امريكا بقيادة منظمة “الأيباك” بالضغط على الكونجرس والادارة الامريكية لاسئتناف المساعدات العسكرية الامريكية لمصر؟!

ما صحة بعض التصريحات والتسريبات الاسرائيلية بان المعاهدة قد تم تعديلها بالفعل دون اعلان ذلك للرأى العام؟ وان صحت فما هى التعديلات الجديدة التى أدخلت عليها؟

من هى الجهات الحقيقية التى تقف وراء العمليات الارهابية؟ وما هو دور اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية فيها، خاصة أن سواحل سيناء على خليج العقبة مفتوحة لاى سائح اسرائيلى لمدة اسبوعين بدون تأشيرة عبر منفذ طابا، ناهيك عن الحدود الطويلة المشتركة محرومة، بموجب المعاهدة، من وجود وحماية قوات حرس الحدود المصرى، الا بما تأذن وتجود به اسرائيل؟

ما هى طبيعة وتفاصيل ونتائج وآثار العمليات العسكرية فى سيناء؟ وما هو حجم وعدد وأسماء القتلى من الارهابيين او من الضحايا المدنيين الأبرياء من الاهالى؟ وملابسات ووقائع مقتل كل منهم بالتفصيل؟

وما حقيقة ما يشاع من ان هدم المنازل وسقوط الأبرياء، أنشأ حالة تعاطف من الاهالى مع الارهابيين، مما قد يسفر عن خلق حاضنة شعبية لهم؟

ما هو السر وراء تغير وانقلاب موقف “السيسى” 180 درجة فيما يتعلق بإجراءات اخلاء المنطقة الحدودية وهدم منازلها وتهجير أهاليها، وهى الاجراءات التى سبق وحذر هو نفسه منها ومن آثارها المدمرة؟

كيف تنجح الجماعات الارهابية فى تكرار عملياتها واعتداءاتها، رغم حظر التجوال والمنطقة العازلة وكل هذه التحصينات التى حولت شمال سيناء كلها الى ثكنة عسكرية؟
***
وفى الختام، نلقاكم باذن الله فى حديث جديد عن سيناء فى ابريل 2016، ان عشنا وكان لنا عمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …