‫الرئيسية‬ ترجمات ودراسات مونيتور: مصر قلب العالم العربي تحتاج إلى “زراعة قلب”
ترجمات ودراسات - أبريل 19, 2015

مونيتور: مصر قلب العالم العربي تحتاج إلى “زراعة قلب”

ما هي أفضل طريقة لبدء سلسلة من المقالات حول مصر؟ من أن تبدأ ذلك من خلال دراسة تركيبة البلاد لاستكشاف السبب في كونها تترنح على حافة الفشل.

حيث يرى البعض أن الانهيار الذي تشهده مصر والمنطقة ككل، والذي يبدو وكأنه نسخة الشرق الأوسط من الحرب الوحشية التي عصفت بأوروبا في الفترة بين عامي 1618 و 1648، وانتهت بنشوء نظام حكم جديد كليًا، تأكيدًا على الرؤية الاستشراقية المهترئة بأن المكون الثقافي والتاريخي في المنطقة- العربي والإسلامي- لا يسمح بنشوء ديمقراطية ناجحة. وقد تشرب عدد قليل من القادة العرب هذا التفكير الاستشراقي المتحامل، وكان من بينهم رئيس المخابرات المصرية السابق، عمر سليمان، الذي ردد ذلك الشعار حينما أعلن بثقة أن “مصر ليست مستعدة للديمقراطية”.

وتصبح الصور النمطية من هذا النوع موضة في أوقات الأزمات؛ لأنها توفر تفسيرات سهلة لمشاكل معقدة، والأهم من ذلك لأنها تخفي المشاكل الهيكلية الحقيقية التي تواجه مصر والمنطقة ككل. فالإسلام والثقافة العربية هما في الواقع عوامل هامة في فهم تركيبة المنطقة، ومع ذلك، فإن تأثيرهما في مواجهة المشكلات المعاصرة في الشرق الأوسط هو أقل أهمية بكثير من نقاط الضعف البنيوية الأخرى التي لا يتم ذكرها، والتي ابتليت بها الأنظمة الإقليمية بعد تطورها إلى دول “مستقلة” و”ذات سيادة”.

ومن الإنصاف أن نقول- دون أن نتهم بالمبالغة في القضية- إن مصر الحديثة قد ولدت بأوجه قصور معوقة، أضعفت بشكل خطير قدرتها على مواجهة تحديات المجتمع الحديث. لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن دولًا مثل مصر لديها عيوب جوهرية كامنة جعلتها من ضمن الوحدات السياسية المتقلبة، والتي لا يمكن التحكم فيها وغير مستدامة. فتكوينها ذاته لا يمكنه ضمان بقاء طويل الأمد، إلا عبر استمرار كونها واحدة من أكثر المناطق “غير الحرة” في العالم.

فمصر، البالغ عدد سكانها أكثر من 82 مليون نسمة، كانت بيدقًا رئيسًا في حكم المنطقة، وقد وصفتها الولايات المتحدة بأنها “مصدر هائل للقوة الاستراتيجية”، كما كانت تعرف باسم “قلب العالم العربي”. وبسبب أهميتها الاستراتيجية، تم تركيز السلطة في البلاد في إطار من المصالح المشتركة مع القوى الأجنبية التي لا تتفق مع مصلحة الغالبية العظمى من شعبها.

التبعية وتنمية التخلف

ويمكن تفسير السبب في أنه من المقدر لمصر أن تفشل، وأن أهلها مضطرون إلى تحمل الاضطرابات السياسية التي تبدو بلا نهاية، والبؤس بشكل أفضل وأوضح، عن طريق نظرية التبعية، وهو مفهوم اشتهر في علم الاقتصاد السياسي خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولكنه أصبح أقل شهرة الآن؛ حيث طرح المؤرخون الاقتصاديون مثل أندري غوندر فرانك فكرة أن بعض البلدان قد أصبحت حبيسة التبعية، ومارست ما يسمى بـ “تنمية التخلف”، وهي العملية التي عززت إفقار المجتمعات في العالم النامي وزادت من العقبات التي تعترض التنمية في المستقبل.

وترى هذه النظرية أن هناك تفسيرات أكثر للتخلف من التفسير التقليدي القائم على فكرة السياسات الخاطئة أو الفساد الحكومي. فقد فشلت التفسيرات التقليدية في فهم السبب الكامن وراء دورات الفقر المدقع وسوء الحكم التي تتابعت في الدول النامية. كما أن العوامل التي حددتها تلك التفسيرات بشكل سطحي كأسباب، كانت في أحسن الأحوال مجرد عوامل مساهمة في بقاء دولة مثل مصر حبيسة دوامة من سوء الحكم. وتخلص تلك النظرية إلى أن تنمية البلدان الفقيرة قد توقفت؛ لأنهم ظلوا حبيسي التبعية في ظل النظام الدولي القائم، الذي اتصف بالاستغلالية وتميز بهيمنة بعض الدول على الأخرى. فقد تم دمج هذه البلدان الفقيرة منذ البداية في الاقتصاد العالمي، ودمجهم ضمن النظام السياسي في موقف التبعية للدول الغنية.

وعلى الرغم من أن هذه النظرية تواجه الآن العديد من الانتقادات بسبب نجاح الاقتصادات “المعجزة” في آسيا، والتي تقوض بعض دعائمها؛ إلا أنه ينبغي تقدير أهميتها في تفسير المشاكل الهيكلية في مصر والمنطقة على نطاق أوسع.

فشل في استغلال ثرواتها

حيث ذكرت ورقة بحثية نشرتها مجلة “وورلد ديفيلوبمنت”، للباحث عديل مالك، الذي يدرّس الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، وباسم عوض الله، وزير المالية الأردني السابق، أن بلدًا مثل مصر كان يجب أن تشهد مستويات أعلى بكثير من الازدهار؛ بسبب موقعها الجغرافي الذي يؤهلها أن تكون مركزًا للتجارة العالمية والإنتاج. فمصر تقع في مفترق الطرق بين ممرات بحرية رئيسة ولديها سهولة في الوصول إلى أوروبا وإفريقيا والشرق الأدنى؛ كما أنها دولة حضرية بشكل كاف، وهي الأمور التي ترتبط بشكل كبير مع النمو والازدهار. وأشار مالك وزميله في بحثهما إلى أن “مصر وحدها تمتلك موقعًا استراتيجيًا يجعل أي اقتصاد ناشئ آخر حريصًا على مبادلته معها”.

وعلاوة على ذلك، ففي كل مكان آخر في العالم يرتبط القرب من الساحل مع انخفاض تكاليف النقل والوصول إلى الأسواق العالمية. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل تلك المزايا الطبيعية، والتي كان من شأنها من الناحية النظرية أن تؤدي إلى اقتصاد سياسي أكثر ملاءمة بكثير، فإن مصر تضغط ضد تلك القوى الطبيعية التي كان ينبغي أن تمكن البلاد من تحقيق الازدهار الاقتصادي بشكل أكبر بكثير، فضلًا عن الاستقرار السياسي.

ويقول مالك: “إن سيناريو مصر أسوأ بكثير من باكستان”. وأضاف إنها قد قاومت الانهيار من خلال المليارات من أموال المساعدات التي تتدفق على البلاد من الولايات المتحدة ودول الخليج. ويشير كلامه عن الاقتصاد السياسي للربيع العربي إلى صفة حاسمة أخرى للدولة المصرية، وهي “الخطيئة الأصلية” المتمثلة في الدخل غير المكتسب للنظام، والاعتماد المفرط على مصادر الدخل الخارجية والرعاية الأجنبية. فتدفق المساعدات الذي حافظت عليه مصر على مدى عقود يقوض بشدة سيادة البلاد وقدرتها على توجيه مسار سياسي واقتصادي مستقل مستقبليًا. فبدون استثناء، كان الدافع وراء تدفق المساعدات إلى مصر إلى حد كبير هو الاعتبارات الجغرافية السياسية وليست اعتبارات التنمية الاقتصادية.

الطوارئ تدمر الحياة

فاستمرار آلة دعم حياة الطوارئ في مصر، هو نتيجة حتمية لعقود من الإدمان المدمر والضار، وبخاصة التأثير السيئ الناتج عن عدم التوازن الهيكلي بين الدولة والمجتمع؛ وبين النظام والمجتمع المدني. فقد أعاقت هذه “القطيعة” بشكل مزمن قدرة البلاد على متابعة مصالح شعبها. وأصبح هذا الانفصام، الذي بدأ تحت الحكم البريطاني، شرخًا لا رجعة فيه.
فقد اعتمد الاستعمار البريطاني على كبار ملاك الأراضي في مصر. حيث كان 0.4 في المئة من الناس يتحكمون في 33 في المئة من الأراضي الزراعية في البلاد في حين كان 44 في المئة من سكان الريف لا يملكون أي أراض. وقبل الحرب العالمية الأولى، تركز الدين الحكومي المصري في يد الأوروبيين، كما كانت جميع صادرات مصر، والكثير من تجارتها الداخلية، والكثير من الأصول والأراضي والعملة فيها مرهونة في أيدي الأوروبيين. كما أنها كانت اقتصادًا قائمًا على تصدير محصول واحد، حيث كانت 90 في المئة من صادراتها مستمدة من بيع القطن؛ لذا، فحتى قبل الاستقلال كانت مصر تعتمد بشكل غير مستقر على الأسواق الخارجية.

ولم ينجح استقلال مصر في عام 1922 في تخليص البلاد من الاعتماد على الخارج. واستمر هذا الاتجاه خلال تاريخها الحديث إلى أن أصبحت رءوس الأموال الأجنبية تمثل 47 في المئة من ثروة البلاد بأكملها في عام 1937.

كان عمق وتأثير التغلغل الأجنبي قويًا بما يكفي لمقاومة القومية العربية. وفشلت جهود الرئيس جمال عبد الناصر لاستعادة البلاد وإقامة دولة عربية اشتراكية للتخلص من نير الهيمنة الغربية، فقام بتأميم قناة السويس ودفع في اتجاه الإصلاح الزراعي، وأعاد توزيع الأراضي على حوالي 350 ألف أسرة في محاولة لإنهاء المركزية الشديدة في ملكية الأراضي.

ويقول الدكتور آدم هنية في كتابه “سلالة الثورة” الذي شرح فيه بعض أسباب “صمود الاستبداد” الذي يعد سمة بارزة في المنطقة، إن الأنظمة القومية العربية قد عززت الرأسمالية من خلال خلق طبقة رأسمالية داخل البلاد لم يكن لديها ما تفعله مع الاشتراكية. وأشار المحاضر المتخصص في دراسات التنمية إلى أن القومية العربية كانت تصنف ضمن هياكل الحكم الإمبراطوري من خلال مجموعة من الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أصبحت مصر منذ الستينيات المتلقي الرئيس لبرنامج الغذاء مقابل السلام الذي نشأ في عهد الرئيس كينيدي، والذي جعل الحكومات العربية مثل مصر حبيسة الاعتماد على الواردات؛ حيث شكلت المساعدات الأمريكية 77 في المئة من واردات القمح المصرية، وزادت إلى 99 في المئة بحلول عام 1962. وأصبحت الإمدادات الرخيصة من القمح الأمريكي واحدة من أكبر القوى التي تضفي الشرعية على الأنظمة المصرية، كما أصبحت أداة سياسية قوية.

تبعية الجيش المصري

وتأكدت تبعية الجيش المصري الأجنبية مع توقيع الرئيس أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل.

وقد بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر في عام 1973، وهو العام الذي قامت فيه حرب العاشر من رمضان 3 مليارات دولار. وبحلول عام 1979 كان قد وصل إلى 16 مليار دولار عندما وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن؛ حيث تمتص هذه الديون وحدها أكثر من ثلث عائدات التصدير. واعتمدت مصر على استراتيجية التنمية التي تتطلب استمرار تدفق السلع ورؤوس الأموال المستوردة. وهكذا، وقبل حلول الثمانينيات، كانت مصر بقوة في صفوف الاقتصادات الأكثر اعتمادًا وإزعاجًا من الناحية المالية في العالم الثالث.

كما أربك استمرار الأنظمة مثل مصر التوقعات بأن الحكومات الاستبدادية كانت مجرد مرحلة انتقالية قبل حدوث التحول الديمقراطي؛ ففي ظل ظروف معينة، تمثل مصر مثالًا ساطعًا على أن الاستبداد يمكنه أن يستمر؛ بل وحتى أن يزدهر.

وتوضح الثورة والثورة المضادة في مصر الميل الملحوظ لدى النخب لاستخدام الثورات كوسيلة لمزيد من الاستمرارية. هذا النوع من التحمل السياسي ليس جديدًا ولا نادر الحدوث. التاريخ حافل بالأمثلة حيث تحولت تغييرات مؤسسية جذرية لحظات انتقالية، بدلًا من أن تكون لحظات تحول. فلم يتمكن إلغاء الرق في الولايات المتحدة ولا نهاية الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من إنهاء ذلك الوضع فورًا.

وفي المستقبل المنظور، تمكنت “الديكتاتورية الدائمة” للنظام المصري من الاستمرار؛ بسبب سخاء الأنظمة الخليجية، ولكن البلد الذي هو أكبر من أن يفشل، يواجه خطرًا شديدًا من أن يصبح عبئًا ثقيلًا؛ فمصر، التي كانت تعتبر القلب التقليدي للعالم العربي، في حاجة إلى عملية زرع قلب.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …