من يدفع فاتورة الاستبداد؟!
يومًا بعد يومًا تزداد الأمور سوءًا، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وقد عجز النظام الحالى فى إدارة الدولة حتى وصلت الديون، الداخلية والخارجية، إلى أرقام غير مسبوقة، وحتى اعتمدت الميزانية العامة على الضرائب والجبايات خلوًّا من أى بند من بنود الإنتاج، والحديث يطول عن الفشل على المستويات كافة، وعن التفسخ المجتمعى، وعن ظواهر أخرى صارت قنابل موقوتة، أو نارًا تحت الرماد -كما يقولون.
على مدى ست سنوات من الاستبداد والرعونة عقمت مصر عن التطور، بل هى أشبه بمخلوق عطب جهازه العصبى؛ فهو مشلول، لا يستطيع الحركة، وإن بقى فى عداد الأحياء، فنحن بلد موجود وغير موجود، كبير وقزم فى الوقت ذاته، ذو ماض عظيم وحاضر حقير..
ولو أنك تملك جهازًا شفافًا للرصد والاستطلاع لكشف النتائج المدمرة لانقلاب يوليو 2013، وقد كنا على أعتاب مرحلة ديمقراطية وحقبة من حقب الانطلاق نحو التقدم؛ إذ لا تخطئ العين مظاهر التردى والفساد، وأمارات البؤس والضياع التى لم تصادفنا من قبل، والأوضاع مرشحة لما هو أسوأ إن لم تتدراكنا رحمة الله تعالى. ففى ظل الاستحواذ على السلطة بسطوة السلاح تم تغييب المعارضة، والتخلص من المصلحين فخلا الجو من ثم ّللمستبدين لحكم البلاد، دون رقيب أو حسيب، فعمَّ الفساد، وتأخرت الكفايات، وتقدمت النفايات، واستشرت المحسوبية، وكثر النفاق فكان الفشل الذريع، رغم ما دخل خزينة الدولة من أموال وهبات لم يدخل مثلها من قبل.
عادة لا تحرص الأنظمة المستبدة على النهوض ببلادها حرصها على الدعاية لشخوصها. وتزييف حقيقتهم، وإظهارهم بمظهر المخلِّصين. كل ذلك بهدف ضمان استمرارهم فوق كرسى السلطة، والتربح من هذه الوظيفة بما يغنى أحفاد أحفادهم، والدائرة تتسع لـ«الحبابيب» و«أحباب الحبايب»؛ أما تقدم البلاد أو تأخرها فلا يعنيهم من قريب أو بعيد، وانظر إن شئت إلى المحروسة الآن. فما هى اهتمامات النظام؟ وما القضايا التى تشغله؟ وأين هم من قضايا: البطالة والمخدرات والجرائم؟ وأين هم من قضية الإنتاج؟ ومن الغلاء والبلاء اللذين حلا بالناس أجمعين؟
إنك لا ترى غير إعلام فاسد مفسد، لا شغل له سوء الحديث عن إنجارات زائفة، وتشويه الإخوان، وإتخام الجماهير بأحاديث خرافة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تسمع -فى المقابل- كلمة حق، أو نقدًا، أو رأيًا معارضًا، بعدما صار منظومة تمجد العسكر بالليل والنهار، هذا عدا الإصرار على إنكار الواقع، وتصوير مصر للخارج كأنها جنة الله فى أرضه؛ استخفافًا بالناس ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
فى مصر الآن فساد لـ«الركب» -كما قال قائلهم، وبطالة هى الأعلى فى العالم، يدفع ثمنها الشباب المحبط الذى لجأ إلى تعاطى المخدرات، فإن لم يقدر على ثمنها أصيب بالاكتئاب، وكلا الحالين وبال على البلد الذى توقف فيه مشروع الزواج ففشت العنوسة، والتهبت الأسعار فضاقت البيوت على أهلها فظهرت حمى الطلاق، وما يستتبعها من تشرد الأطفال وشيوع الأمراض النفسية.
أكرر: لو أن هناك جهاز رصدٍ شفافًا لسجل أعلى معدلات الجرائم، خصوصًا السرقة، خلال الست سنوات الماضية، ولسجل أعلى معدلات الإصابة بالأمراض النفسجسمية الناجمة عما يعانيه المواطنون من كبت وقهر وعجز، وعن إحباط من واقع سيئ ومستقبل ينبئ بالقلق.
وكيف لا يقلق الناس وهم لا يأمنون على أنفسهم من بطش السلطة التى تأخذ بالظنة، وتعتقل عشوائّيًّا، وتقتل كل من له صلة بالموحدين، وقد سُلط على الناس فئة من الساديين المهووسين فلا يأمن بطشهم وغباءهم أحد. والناس يرون كل يوم مصانع تغلق وشركات تصادر وأموال يتم التحفظ عليها، ويسمعون عن فوائد قروض بحجم الميزانية، وعن ديون بالتريليونات، ولا يرون إنتاجًا ولا صادرات ولا حركة ولا نشاطًا، بل ركودًا أصاب كل شىء، وتضخمًا لم ينج منه شىء.
سوف يدفع المصريون -خصوصًا الشباب- فاتورة آثار الاستبداد باهظة، بعدما قسمهم العسكر شيعًا أو أحزابًا، وجعلوا قلوبهم قاسية على غير عادتهم، وقد اعتدوا بذلك على مسمى (السلم الاجتماعى) الذى هو صمام أمان الدول والشعوب. ولا نبالغ إذا قلنا إن أمام المصريين حقب وعقود كى يداووا أمراضهم النفسية الناجمة عن حكم العسكر، والتى ابتلى بها الكثيرون منهم مثل الخوف والقلق والتردد والرهاب والنفاق وسائر أخلاق العبيد.
لقد تلاشى مسمى الدولة عن المحروسة، وصارت تُحكم بمجموعة من البشر لا علم لها بمصالح البشر، فتجد «فهلوة» فى إدارة البلد أو قل رعونة وتهورًا؛ فليس هناك أجهزة رقابية، وليس هناك فصل بين السلطات، وهناك اعتداء بيِّن على السلطة القضائية خصوصًا، وتسييس أجهزة التحقيق، وإلحاق جهاز الشرطة بالنظام كأنه أحد مليشياته وليس جهازًا حكوميَّا مستقلا.
مصر الآن دولة هشة، بلد يمد يده للجميع، ويقترض (من طوب الأرض)، ونظامها العسكرى يبيع أراضيه وأملاكه لدول أخرى، وهناك تزوير لإرادة الشعب، وتراجع حضارى واضح؛ إذ المحروسة فى ذيل الأمم فى كل مجال، وهناك تراجع انهيار فى قيمة الانتماء لدى الشباب الذى بدأ فى سداد فاتورة الاستبداد التى بدأت منذ عام 1952 لكن بهظت تكاليفها مؤخرًا وتحديدًا منذ 3 يوليو 2013.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …