‫الرئيسية‬ عرب وعالم هل تتجه سياسات القوى الاقتصادية العالمية للصراع أم لتبادل المصالح؟
عرب وعالم - يوليو 8, 2016

هل تتجه سياسات القوى الاقتصادية العالمية للصراع أم لتبادل المصالح؟

سادت العديد من المتغيرات الطارئة والفجائية على الساحة الدولية مع تسارع وتيرة الأحداث، ما أفرز تقلبات اقتصادية عالمية، وسط سياسات مالية متضاربة ومتعارضة سواء من القوى أو الحكومات في العالم. ولم تعد الدول الثماني العظمى بعد تعليق عضوية روسيا تضم القوى التقليدية العالمية، وتزامن هذا مع تصعيد قوى مثل البرازيل والصين والهند وإندونيسيا لتتحدى الهيمنة الغربية، وتؤكد احتمال ظهور نظام عالمي جديد يتحدى العولمة والرقمنة.

إن العولمة مكنت الاقتصاديات التي لم تصل لمرحلة التصنيع الكامل من جني فوائد الدمج في الأسواق العالمية، كما أن ثورة تقنية الاتصال الرقمي عكست ذلك التحول. ولعل تأثير الرقمنة يمتد إلى ما هو أبعد من الاقتصاديات، فقد أزالت الحواجز الثقافية وأعطت المواطنين حتى في المناطق النائية حرية الوصول للمعلومات، وبينما تستمر التنمية القائمة على العولمة يؤدي الاندماج الثقافي إلى مشاركة سياسية أوسع، ما عقد جهد غالبية الحكومات في المراقبة والتحكم. ومن الصعب توقع تأثير العولمة والرقمنة علي العالم حاليا، بينما أدت هذه التوجهات إلى زيادة الصعود الاقتصادي لبعض الدول النامية فيما لا يزال الغرب خاصة الولايات المتحدة يحتفظ بالأفضلية التقنية والابتكارية.

تبادل الأدوار

إن الريادة التقنية الأمريكية مع أصولها الرأسمالية الضخمة وثقافتها التجارية الديناميكية، والتي يمثلها وادي السيلكون، يمكن أن تعزز في نهاية المطاف من مكانتها العالمية لكن مع وجود اقتصاديات كبيرة صاعدة مثل الصين والهند تعمل باجتهاد لتعزيز الابتكار مع الاستفادة من لحاقها بركب التقنية، من الممكن أن يؤدي إلى استمرار تناقص التأثير الغربي على النظام العالمي، فنجاح تلك الدول في تحدي القوى القائمة حاليا من عدمه سوف يتضح مع مرور الوقت.

وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية وإلى حد ما أوروبا الغربية من الاحتفاظ بميزة تنافسية، فمن غير المرجح أن تحتفظ بهذا التحكم الجيوسياسي العالمي الذي اكتسبته، وفي واقع الأمر رغم استمرار هيمنة الولايات المتحدة من الناحية السياسية والاقتصادية والتقنية والثقافية، فإن سيطرتها العالمية قد بدأت فعليا بالتراجع.

إن الحقيقة هي أن التفوق الأمريكي الجيوسياسي العالمي لن يستمر لفترة طويلة على الإطلاق وبعد أن أصبحت أميركا تعمل فوق طاقتها في سلسلة صراعات لا يمكن الانتصار بها ضد خصوم أكثر ضعفا ولكن لا يمكن قهرهم فاضطرت أمريكا لأن تتجه للداخل. وعلى الجانب الآخر يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات وأزمات غير مسبوقة مما يعني أنه من المستحيل توقع مستقبله، علما بأن مستقبل روسيا هو أكثر غموضا، حيث إنها حتى الآن لم تستطع أن تتخلص من المتاعب المتبقية والمتعلقة بإمبراطوريتها المفقودة أو أن توقف الانحدار في مجتمعها واقتصادها. ولعل الهند لديها الإمكانية لأن تلعب دورا مهما على الصعيد العالمي لكن الطريق لا يزال طويلا أمامها قبل أن تكون عندها درجة كافية من الاستقرار والرخاء حتى تتمكن من عمل ذلك. والكثيرون توقعوا نشوء نظام عالمي ثنائي القطب مجددا، حيث سوف تحل الصين مكان الاتحاد السوفيتي منافسا لأمريكا، ولكن هذا أيضا احتمال مستبعد لأنه في عالم اليوم المترابط لا يمكن للولايات المتحدة والصين أن تسمحا للصراع والمنافسة بالتشويش على مصالحهما المشتركة. وتقوم الصين حاليا بتمويل الدين العام لأمريكا بمعنى أنها تدعم سلطتها العالمية ولم يكن باستطاعة الصين تحقيق نمو اقتصادي سريع وعصرنه بدون حرية الوصول للأسواق الأمريكية أي أن الأمر بكل بساطة هو أن الولايات المتحدة والصين تعتمدان بعضهما على بعض، وهذا سيكون له دور كبير في تخفيف المخاطر التي قد تنتج عن صعود قوة عالمية جديدة في نهاية المطاف.

تضارب السياسات

هناك اختلاف بين أعضاء مجموعة العشرين على أفضل السبل لإنعاش الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، حيث أبدت ألمانيا معارضة شديدة لتبني خطط جديدة لتيسير السياسة النقدية وضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد. وحذرت ألمانيا من أن محاولات تعزيز النشاط الاقتصادي من خلال المزيد من الليونة في السياسة النقدية قد تأتي بنتيجة عكسية، وأن خطط الإنعاش المالي التي تعمد الدول بموجبها لزيادة نفقاتها العامة فقدت من فاعليتها؛ فالمهمة الحقيقية أمام العشرين هي إجراء إصلاحات في بنية الاقتصاد العالمي. ويأتي هذا عكس الاتجاه السائد لدى مجموعة العشرين حيث تدعى البنوك المركزية الكبرى إزاء تراجع الظروف الاقتصادية واضطرابات الأسواق لاستخدام قوتها الضاربة إلى أقصى ما يمكنها. ويبدو البنك المركزي الأوروبي على استعداد للتحرك بصورة أنشط لتيسير السياسة النقدية في حين ذهب البنك المركزي الياباني إلى حد اتخاذ قرار فرض معدلات فائدة سلبية على أمل تشجيع الاقتراض لكن في المقابل يتوخى البنك المركزي الأمريكي الحذر في سياسته النقدية بعد أن رفع فائدته الرئيسية في نهاية عام 2015.

من جهته أكد البنك المركزي الصيني عزمه الحفاظ على هامش تحرك من أجل إدخال المزيد من الليونة على سياسته النقدية. ولعل الخبراء الغربيين يحذرون من مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد العالمي ومن تداعيات ارتفاع عدد اللاجئين والنازحين في العالم.

وعبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي عن مواقف مختلفة بشأن سبل تحفيز النمو الاقتصادي العالمي فقد أيد رئيس الوزراء الياباني اعتماد سياسة مرنة في مجال الميزانية في حين بقيت المستشارة الألمانية على موقفها الحذر من مستقبل مجموعة الدول السبع الصناعية.

ولفت آبي إلى أنه لا يمكن انتظار عودة الاقتصاد العالمي إلى طبيعته وإنما علي العالم التصدي للمخاطر بطريقة استباقية وتحفيز الاقتصاد العالمي. ويحض الشركاء الغربيين ألمانيا باستمرار على خفض الضرائب وزيادة الأجور في الوظائف الحكومية من أجل تقوية الطلب المحلي والإسهام في دعم الاقتصاد العالمي. لكن ميركل رفضت مطلب الغرب واليابان في هذا الشأن حيث أكدت أن ألمانيا تحفز الطلب المحلي من خلال استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين كمساهمة جيدة في تنمية الاقتصاد العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …