العالم ومأساة اللاجئين
هذا ليس عدلًا.. أكثر من نصف سكان العالم، يعيشون حياة لاجئين، وهناك أقلية صغيرة، تستهلك أكثر من نصف الخيرات الموجودة على وجه الأرض.
لا يمكن لهذا العالم أن يواصل دورته الطبيعية مع كل هذا الخلل والظلم، إننا بحق نواجه مشكلة كبيرة.
إن الظلم في توزيع الدخل، والفقر الخانق المتجذر في الأراضي المستعمرة، والأرواح المتروكة للعوز والضنك، هو المصدر الرئيسي لكل الشرور.
كل يوم، يدفن مئات، وآلاف، وعشرات الآلاف من اللاجئين، على أبواب أوروبا، وفي مياه البحر المتوسط، وترحل أرواحهم المعذبة بقتامة الفقر والبؤس، من هذا العالم.
مأساة اللجوء هي نتيجة من النتائج التي أفرزها الاستعمار
لا أحد يعمل على انتشال السفن الغارقة في قعر البحر، وفي جوفها أجساد آلاف من اللاجئين، ببساطة.. لأن إخراجها يعتبر عملية باهظة الكلفة. أما قوارب المطاطية، فتتعرض لإطلاق النار وسط البحر، وتترك لتلقى غرقًا، أما الزوارق التي يصيبها عطل ما وسط البحر، فتترك لمواجهة الأمواج العاتية.. فيموت اللاجئون. الرصاص ينهمر على الأطفال العالقين بين الأسلاك الشائكة، فيما نحيب الآباء والأمهات يكوي الصدور والأكباد، ويعتصر القلوب ألمًا.
تنظر أوروبا إلى مشكلة اللاجئين، كما لو أنها مشكلة موارد بشرية، وتصنف اللاجئين وفق تعريفات من قبيل “قوة عاملة غير مدربة، وموارد بشرية مؤهلة، وفئة بشرية متعلّمة”. فيما تدور نقاشات أخرى، تركز على المصطلح الذي يجب أن يطلق على هذه الكتلة البشرية، فمنهم من يفضل أن يطلق عليهم اسم “لاجئين”، فيما يطالب آخرون بتسميتهم “مهاجرين”، لأن لكل تسمية منهما قوانين ومسؤوليات تختلف باختلاف التصانيف، والفرق بينهما يؤثر على “تكاليف الاستقبال والإقامة” وفق رأيهم. إن الدخول في هذه المناقشات بحد ذاته، يظهر لنا مدى ابتعادهم عن الإنسانية، وكيف تحولوا آلة وإلى برنامج يستخدم في أحد الحواسيب.
هم لا ينظرون إلى أن أولئك اللاجئين، على أنهم قد أتوا من البلدان التي استعمروها، واستغلوا وأفقروا شعبها، ونهبوا خيراتها، لمئات السنين. لا يفكرون أبداً في أنهم أفقروا ملايين البشر، من خلال نهب ثرواتهم الطبيعية، واستهلاكها بشكل جشع، واغتصاب حق تلك الشعوب في الحياة الكريمة.. وحتى لو فكّروا فإنهم ينظرون إلى المسألة على أنها لا تعنيهم.
لا طائل من توجيه نداءات للضمير الغربي
لم تعد محاولات إجراء “محاسبة للضمير” تعتبر ذات جدوى، فنحن بتنا نعيش عواقب وشرور الحداثة وتأثيراتها على إنسانيتنا. سيما أن الغرب، لا يتصرف أبداً وفق وازع الضمير، ولا يعرف الحياة أبداً انطلاقا من مفردات الرحمة والعطف والحب.
“المصالح الغربية” فوق كل شيء. عندما نقول فوق كل شيء، فإننا نشمل بذلك جميع القيم التي نوليها نحن الشرقيين كل الاحترام والتعظيم. إن قيما مثل الرحمة، والعدل، والاحترام، والعواطف، لا تمتلك أي قيمة حقيقية أمام “الحداثة الغربية”، وأعتقد أنهم يفكرون مثل “نيتشه” (فيلسوف ألماني)، فهم يرون بأن المشاعر والعواطف الإنسانية هي “الجانب السيئ من الإنسان لأنها تزعج السلام الداخلي في نفسه”.
رغم أن توجيه “نداءات للضمير” تعتبر حاجة إنسانية، إلا أنها باتت تعبر عن مؤشر عجزنا، علينا أن نتوقف عن النحيب وتوجيه نداءات الاستغاثة إلى الضمير الغربي، علينا أن ندرك بأن وضع حد لمأساة اللاجئين المنفيين من ديارنا التي تعرضت للحرق والتخريب، لا يمكن أن يتحقق على هذا النحو، لا يمكننا من خلال تلك النداءات، إنهاء حالات الفوضى والإرهاب والجوع والموت، التي أدمت قلوبنا وجعلت منطقتنا أثرًا بعد عين.
هل نطمح نحو نظامٍ عالمي جديد؟
نحن نعارض هذا النظام الظالم، ونطالب بعالم جديد، لكننا لا نعد أي شيء من أجل تحقيق ذلك.
نحن نطالب بعالم جديد، لكن لا نمتلك أي فكرة حيال ذلك العالم.
نطالب بعالم جديد، لكننا محطمون ومقطعون إربًا إربا.
نتمرد على وحشية هذا العالم وطغيانه، لكننا نترك إخوتنا في أدنى درجات البؤس في هذا العالم.
إن معادلاتنا مليئة بالتناقضات والأخطاء
لا يمكن لهذا العالم مواصلة الدوران في مثل هذا المدار، الذي لم ترسمه العدالة الإلهية، بل رسم من قبل بشر متبجحين لم يدركوا بعد حقيقة ضعفهم وعجزهم أمام العدالة الإلهية. إن هذا المدار هو ملك لحفنة تسحق البشرية، وتدمّر الآخر، حفنة تمتلك القوة والجشع، تسعى لإخراج العالم من المدار الإلهي، جارفة به بشكل غير متوازن نحو طريق مملوء بالنيازك.
في يوم من الأيام، سيرتطم أحد النيازك بهذا العالم، إن هذا المسار غير العادل والمفرغ من الضمير يأخذنا نحو ذلك الصوب، سيضربنا ذلك النيزك ليعيدنا مرة أخرى إلى كنف العدالة. تمامًا كما حدث قبل 1400 سنة.
……………………………………….
* نقلا عن صحيفة “الشرق” القطرية
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …