‫الرئيسية‬ ترجمات ودراسات الإرث المدمر لليبراليين العرب
ترجمات ودراسات - أبريل 21, 2015

الإرث المدمر لليبراليين العرب

أصبح من الشائع تقديم الإسلاميين العرب من جميع الفصائل السياسية (الليبراليين والمحافظين، والراديكاليين، والليبراليين الجُدد، والمعتدلين والمتطرفين، والفصائل غير العنيفة والعنيفة، وغيرهم) باعتبارهم من أخطر القوى السياسية، إن لم يكونوا الأخطر، في العالم العربي منذ حرب 1967.

في الواقع، وكما سيتضح لاحقًا، كان هناك تيار جديد من الليبراليين العرب -العلمانيين والإسلاميين (وإن كان التيار العلماني هو الأكثر خطورة)- الذين كانوا وما زالوا القوة السياسية الأكثر خطورةً وتدميرًا في العالم العربي ما بعد عام 1967.

تطلبت الحرب الغربية والإسرائيلية والسعودية ضد الرئيس المصري جمال عبد الناصر والقومية العربية المناهضة للإمبريالية ولادة جيل جديد من المثقفين الليبراليين. كان ظهورهم على الساحة في أواخر الخمسينيات وفي بداية الستينيات، قبل الحرب، جزءًا من “الحرب الثقافية الباردة“، برعاية الولايات المتحدة التي موّلت المثقفين في جميع أنحاء العالم من أجل الحملة الإمبريالية الليبرالية المُعادية للشيوعية والاشتراكية التي استهدفت أيضًا قوميات العالم الثالث المناهضة للإمبريالية.

وكان هذا جزءًا لا يتجزأ من مبدأ أيزنهاور، الذي دشنه الأمريكان في عام 1957 للتدخل العسكري، وبكل وسيلة أخرى، في الشرق الأوسط للتصدي للنفوذ السوفيتي، في سياق تدخل الولايات المتحدة في لبنان في عام 1958 ضد القومية العربية وسط هتاف الليبراليين في لبنان، المموّلين من السعودية والولايات المتحدة، في الصحافة الليبرالية.

كان كثير من المثقفين الليبراليين العرب أذناب للمخابرات الأمريكية، ممولين، والصحف التي يعملون بها من الولايات المتحدة والأنظمة الخليجية، وخاصة من السعودية. كانوا يمجدون فضائل الغرب الليبرالي ضد الأشكال السوفيتية وغير السوفييتية من الشيوعية والاشتراكية، ويهاجمون القومية العربية الناصرية.

وعلى الرغم من زعم البعض أن الليبراليين العرب ليسوا مخلصين للتقاليد الليبرالية، إلا أنني لا أهتم بمدى نجاحهم في تقريب صورة زائفة لليبرالية الغربية، أو ما إذا كانوا ليبراليين “صادقين” أم “كاذبين”، بقدر ما أهتم بحقيقة أنهم يمثلون أنفسهم ويقدمهم الآخرين على أنهم ملتزمون بالمبادئ “الليبرالية”.

وتشمل هذه المبادئ انتخابات برلمانية وتنفيذية حرة، وحرية التعبير وحرية الصحافة، وحرية تكوين الجمعيات، والسيطرة المدنية على الحكومة والجيش، والاقتصاد الرأسمالي ودرجات متفاوتة من الفصل بين السلطات الحكومية والدينية.

الليبراليون في مصر 

في الفترة ما بعد حرب عام 1967، كان يُنظر إلى ظهور هذ التيار الجديد من الليبراليين العرب أنه يقتصر على المثقفين المصريين الساداتيين (أنصار السادات)، الذين كان هدفهم الرئيس هو مناهضة الناصرية في كل جوانبها الاشتراكية والقومية وتعزيز الولاء للولايات المتحدة. ومع بزوغ فجر القرن الجديد، أصبح النموذج المصري مُعَمَّمًا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم العربي.

في فترة السبعينيات، تغنّى الليبراليون في مصر بالقوة الأمريكية والاختراق الرأسمالي الإمبريالي لبلدهم، وطالبوا بالاستسلام الكامل لمستعمرة المستوطنين الإسرائيليين تحت شعار “السلام” الذي تفاوض بشأنه خليفة عبد الناصر، الرئيس أنور السادات.

وأصروا على أنه يجب التسامح مع إسرائيل، وأن جعْل مصر خادمة لها وخادمة للولايات المتحدة من شأنه أن يحقق العديد من المزايا الاقتصادية والسياسية للمصريين. انضمت جماعة الإخوان المسلمون، الذي سمح تحولها الليبرالي في فترة السبعينيات بالحصول على مقعد على طاولة الساداتيين، إلى المنافسة السياسية إلى جانب العلمانيين الليبراليين ضد الإرث الناصري.

وبصرف النظر عن مثقفي الدولة، أيّد هذه الحملة العديد من الأدباء والفنانين البارزين في تلك الفترة. وكان منهم كُتّاب مثل يوسف السباعي ونجيب محفوظ، وشخصيات أخرى مثل الكاتب المسرحي علي سالم، إضافة إلى الملحن والمغني الشهير محمد عبد الوهاب ومثقفين وأكاديميين مثل أنيس منصور وسعد الدين إبراهيم وغيرهم الكثير.

وعلى الرغم من أن محفوظ وعبد الوهاب ينتميان إلى جيل سابق من الليبراليين المصريين الذين كان لديهم القليل من القواسم المشتركة مع الليبراليين في فترة ما بعد الستينيات، بما في ذلك موظفو الدولة العاديون مثل منصور، الذي ترأس تحرير مجلة أكتوبر المملوكة للدولة، إلا أنهم انضموا جميعًا للمشروع الأيديولوجي للساداتيين بطريقة أو بأخرى.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الجيل السابق من الليبراليين العرب الذي ظهر في أوائل القرن العشرين، وازدهر في فترة العشرينيات والثلاثينيات، كان في معظمه مؤيدًا لأوروبا في آرائه “الحضارية”، إلا أنهم لم يكونوا من أنصار الكولونيالية، على الرغم من أن عددًا لا بأس به منهم كانوا كذلك.

وفي الواقع، كان البعض مثل أحمد لطفي السيد، “أبو الليبرالية المصرية”، والمعاديين للقومية المصرية العربية، مؤيدين للصهيونية. لكن السيد ذهب إلى أبعد من ذلك؛ إذ حضر احتفالات افتتاح الجامعة العبرية في القدس في عام 1925.

وعلى الرغم من التنديد بالليبراليين الساداتيين وإقصائهم في العالم العربي (اغتيال السباعي، الذي شغل منصب وزير الثقافة في عهد السادات، من قِبل جماعة أبي نضال بسبب زيارته لإسرائيل ودعمه للاستسلام الساداتي)، إلا أن تحالفهم مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودعمهم بيع مصر إلى طبقة جديدة من رجال الأعمال لم يحقق الازدهار. ولكن، تسبب في فقر مدقع عانى منه معظم المصريين وتدمير كل الإنجازات التي تحققت في التعليم والرعاية الصحية من النظام الناصري ما قبل الليبرالي.

وكان الشيء الوحيد الذي ازداد وأصبح أكثر تقدمًا في مصر الليبرالية هو مستوى القمع السياسي والاقتصادي لعقود قادمة واغتراب الملايين من المصريين الذين فقدوا حتى إمكانية وجود مستقبل اقتصادي، ما عدا مئات الآلاف (في وقت لاحق وصل العدد إلى ما يزيد عن أربعة ملايين من المصريين) من الذين تعاقدوا من الباطن مع الدول المجاورة -ليبيا والأردن والعراق ودول الخليج. وفي الوقت نفسه، كان يرزح عشرات الملايين من المصريين في منازلهم في فقر مدقع.

وصول الليبرالية إلى فلسطين

بحلول أواخر الثمانينيات، تبنّى الاتجاه السياسي والاقتصادي الذي أيّده الليبراليون المصريون، إضافة إلى التحالفات الدولية التي دعموها، طبقة جديدة من المثقفين الفلسطينيين، والعراقيين، وبدرجة كبيرة من المثقفين الجزائريين، الذين كانوا حتى ذلك الحين يساريين واشتراكيين مناهضين للإمبريالية.

وفي هذا السياق، أيّد المثقفون في الضفة الغربية وغزة فكرة الوصول إلى حل إقامة دولتين الذي من شأنه أن يمنح حق إقامة دولة مستقلة على تلك الأراضي على حساب شتات الفلسطينيين والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.

كانت حقوق هذين الفئتين الأخيرتين من الفلسطينيين هي التي أراد هؤلاء المثقفون، تحت رعاية منظمة التحرير الفلسطينية، مقايضتها لإقامة دولة مستقلة تُمنح إلى ثلث الشعب الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبالفعل، بدأ العديد منهم بالتنبؤ بأن “عملية السلام” التي دعموها برعاية الولايات المتحدة، من شأنها أن تحول الضفة الغربية وقطاع غزة إلى “سنغافورة” جديدة، معجزة اقتصادية من شأنها تغيير حياة هؤلاء الفلسطينيين على حساب البقية.

وبعد تبني منظمة التحرير الفلسطينية لهذا الاتجاه من التفكير، أصبح المثقفون الليبراليون الفلسطينيون مستشارين ومفاوضين ووزراء في السُّلطة الفلسطينية وتسببوا في المزيد من الفقر في مختلف أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب انخفاض الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية ومضاعفة قوات قمع الفلسطينيين من خلال إضافة قوات أمن السُلطة الفلسطينية لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد أدى ذلك إلى إهدار الإنجازات السياسية والاقتصادية الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى.

عمليات الاحتلال الإمبريالية 

بالتزامن مع صعود هذه الطبقة الليبرالية المثقفة بين الفلسطينيين، أُطلق الغزو العراقي للكويت في عام 1990 العنان لطبقة جديدة من الليبراليين العراقيين الذين كانوا متحالفين مع المصالح الجيوستراتيجية الإمبريالية الأمريكية والتي دعت على الفور إلى غزو إمبريالي للعراق، باسم الديمقراطية ونهاية الدكتاتورية.

أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 1991 إلى خروج القوات العراقية من الكويت، لكنه ترك حكومة صدام حسين في الحُكم، وإن كان ذلك في ظل عقوبات أودت بحياة مئات الآلاف من الأرواح -وهو ثمن وصفته مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك أنه “يستحق كل هذا العناء” لمواصلة تحقيق الأهداف الأمريكية.

حقق غزو العراق عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة، بحجة تحديد مواقع “أسلحة الدمار الشامل”، رغبة الليبراليين، كنتيجة راح ضحيتها ملايين لا تحصى ودمرت البلد بأكمله، في حين أدى إلى إثراء هذه الطبقة الوسيطة من المثقفين والطبقات التجارية الجديدة والقديمة التي تخدمها.

وفي الواقع، انخرط الكثير منهم في خدمة احتلال الولايات المتحدة للبلاد والنظام الذي أسسته نتيجة لذلك. وعلى الرغم من أن الليبراليين العراقيين كانوا أول الليبراليين العرب الذين دعوا صراحةً إلى غزو إمبريالي لبلدهم؛ إلا أنه يمكن الإشارة إلى حادثة سابقة من جبران خليل جبران وجمعية المغتربين الليبراليين اللبنانيين المؤيدة لفرنسا في نيويورك والتي دعت في عام 1918 إلى غزو فرنسي أو “حماية” سوريا لتحريرها من الأتراك.

وبالتزامن مع هذه التطورات، كان الانقلاب العسكري الجزائري ضد الإسلاميين المنتخبين في أوائل عام 1992، والذي أطلق العنان لحرب أهلية واسعة النطاق وعنف عسكري أدى إلى مقتل ما يزيد عن 200 ألف جزائري. دعم بعض العلمانيين الليبراليين المتطرفين، مثل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الجيش في “القضاء” على الإسلاميين.

التحريض الطائفي 

ثمة مفارقات كثيرة. بالخوف من الشماتة العربية الشعبية المُعبر عنها في المظاهرات الحاشدة في مختلف أنحاء العالم العربي تضامنًا مع العراق، هذه المظاهرات التي لم تتعاطف مع الكويت وغيرها من الدول الخليجية المنتجة للنفط، أصدر السعوديون الليبراليون الصحف القومية والقنوات الفضائية التي أغرقت العالم العربي بالدعاية الليبرالية الموالية للسعودية وللولايات المتحدة، وذلك لتحويل هذا المد القومي العربي المناهض للإمبريالية الذي عارض أيضًا الأنظمة العربية المتحالفة مع الإمبريالية الأمريكية.

انضم مثقفون من مختلف أنحاء العالم العربي إلى هذه الجهود، وتخلوا عن مواقعهم اليسارية، والشيوعية، والناصرية القديمة وتبنوا الاتجاه الليبرالي الموالي للولايات المتحدة والمؤيد لإسرائيل من الناحية السياسية؛ وأصبح النظام الاقتصادي الليبرالي الجديد نظامًا عالميًا. وبحلول مطلع القرن الجديد، أسس السعوديون والأمريكان أنظمة جديدة لوسائل الإعلام والوكلاء لنشر حملة طائفية غير مسبوقة ضد الشيعة داخل وخارج العالم العربي.

أُعلن عن الحملة للمرة الأولى في عام 2004 من قِبل ملك الأردن الجديد، عبد الله الثاني، الذي يتبنى السياسة الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية)، ويمتلك سُلطة مطلقة بلا رادع أو مراقب. أعرب الملك، وآخرون، عن مخاوفهم من صعود “الهلال الشيعي” في المنطقة.

وفي هذا السياق الإقليمي، انضم الليبراليون السوريون إلى هذا الصراع. وعند وفاة الرئيس حافظ الأسد في عام 2000، أطلقوا ما يسمى “ربيع دمشق” من الصالونات الفكرية ومن قاعات السفارة الأمريكية في دمشق، التي كان الملحق الثقافي فيها هو الراعي الرئيس لهذا “الربيع”.

وعلى الرغم من أنهم سرعان ما تعرضوا للقمع من نظام بشار الأسد الاستبدادي، إلا أن الليبراليين السوريين عاودوا الظهور في عام 2011، وزعموا أنهم يتحدثون باسم القوات “الثورية” التي تسببت، بمشاركة كاملة من نظام الأسد القمعي، في مقتل مئات الآلاف ودمرت البلاد.

كما ساعد سفير الولايات المتحدة في مساعيهم من خلال التعيينات وإسناد الأدوار داخل المعارضة السورية المنفية. وعلى غرار نظرائهم العراقيين، دعا الليبراليون السوريون -من العلمانيين والإسلاميين على حد سواء- إلى تدخل إمبريالي باسم الديمقراطية لإنهاء الدكتاتورية السورية. لقد حصلوا على ما أرادوا في شكل تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد في العراق وسوريا (داعش – المعروف أيضًا باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو “الدولة الإسلامية”).

حتى لا يتفوق عليهم أحد، كان لليبراليين واليساريين اللبنانيين السابقين والشيوعيين والقوميين العرب “الربيع” الخاص بهم بعد اغتيال الملياردير النيوليبرالي الفاسد والمُفسد، رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري في عام 2005. وساعدوا في إطلاق حملة طائفية محلية مناهضة للشيعة في البلاد ودعوا لتدخل أكثر إمبريالية لإنقاذهم من جارتهم القوية سوريا، وليس جارتهم الأكثر خطورة، إسرائيل. كما أعادوا إطلاق حملات مناهضة للفلسطينيين من خلال الهتاف لتدمير الجيش اللبناني لمخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد في عام 2007.

وعلى الرغم من أن بلادهم كانت تحت القصف الإسرائيلي في عام 2006، إلا أن العديد من هؤلاء الليبراليين هتف للإسرائيليين سرًا وعلانيةً ودعوا من أجل تدمير مقاتلي حزب الله لاستعادة النظام “الليبرالي” اللبناني الذي يتوقون إليه.

التطرف الليبرالي

أدى انتشار الليبراليين العرب من خلال المساعي الحميدة من الولايات المتحدة والسعودية إلى مزيد من التطرف الليبرالي. بدأت الصحف التي تمولها السعودية (المطبوعة والإلكترونية، مثل صحيفة الشرق الأوسط، وصحيفة إيلاف) في تبني مواقف صهيونية علانيةً ومؤيدة لإسرائيل دون اعتذار.

كما حَرّض الليبراليون العرب على انقلاب السُلطة الفلسطينية المناهضة للديمقراطية في عام 2007 ضد حركة حماس المنتخبة ديمقراطيًا، وهو انقلاب نجح في الضفة الغربية لكنه فشل في غزة.

وسعت هذه الطبقة الليبرالية من المثقفين الفلسطينيين أيضًا إلى الخضوع التام للولايات المتحدة والاستبداد الإسرائيلي على المستوى السياسي، والعسكري والاقتصادي (ورئيس الوزراء، النيوليبرالي، سلام فياض، آنذاك، هو أفضل مثال على هذا الخضوع)، وتمنوا أن عمليات الاحتلال الإسرائيلية في عام 2008-2009، و2012 و2014 لقطاع غزة سوف تقضي على حماس، وهو أمل تحطم بسبب صمود حماس وغيرها من الجماعات المتعهدة بالمقاومة العسكرية.

ومن هذه الخلفية، ظهر الليبراليون العرب -العلمانيون والإسلاميون منهم- خلال ما يسمى “الربيع العربي” في عام 2011، كقادة للثورات في مصر وتونس (وسوريا وليبيا والبحرين واليمن). وفي حالة تونس، أدى الصراع الداخلي بين الإسلاميين الليبراليين (خاصة حزب النهضة) وبين العلمانيين إلى طريقة عمل أدت إلى استعادة جزئية من النظام القديم.

في مصر، تحوّل الليبراليون العلمانيون إلى فاشيين بين عشية وضحاها وتحالفوا علنًا مع قوات مبارك، في الحكومة، والجيش، وقطاع الأعمال، ضد الإخوان المسلمين الليبراليين والليبراليين الجُدد، والذين استطاعوا خلال الفترة القصيرة التي قضوها في السُّلطة، من التحالف مع جيش مبارك، الذي أسقط حكومتهم في نهاية المطاف.

انضم الشيوعيون والناصريون إلى صفوف الليبرالية من خلال تحويل أنفسهم، مثل الليبراليين، إلى فاشيين يتوهمون بأن فاشيتهم هي شكل من أشكال “الليبرالية”. وجادلوا بلا كلل أو ملل، ولا زالوا، يجادلون بأن دعم الانقلاب العسكري ضد جماعة الإخوان المسلمين المنتخَبة، والمذابح الشنيعة التي ارتكبتها سُلطات الانقلاب، كان مثالًا لليبرالية واستعادة للنظام الليبرالي.

وقد ذهب الليبراليون العرب إلى أبعد من ذلك، وشنوا حربًا ضد المسلمين الأوروبيين والعرب، يطالبونهم بالاندماج في المجتمعات المسيحية العلمانية “المضيفة” لهم. كما طالب شيخ الأزهر، كبير رجال الدين لهذه المؤسسة الإسلامية المركزية، بأن تمتثل النساء المسلمات الفرنسيات للقوانين الفرنسية ولا ترتدي الحجاب.

ومع ذلك، فهم نفس الليبراليين العرب والمسلمين الذين يطالبون بأنه لا يجب إجبار المسيحيين العرب على الخضوع إلى الثقافة الإسلامية في مجتمعاتهم، وأن الاحترام من قِبل المسلمين والدول الإسلامية يجب أن يعود إلى اختلاف التقاليد الدينية المسيحية الخاصة بهم.

أُصيب المرء بحالة من الذهول بما يمكن أن تفعله الأموال السعودية والأمريكية والسُّلطة السياسية (والدور الإسرائيلي الحاسم) في فترة قصيرة من الزمن. انتشار المنظمات غير الحكومية التي تمولها أمريكا وأوروبا في العالم العربي منذ أوائل التسعينيات (كما هو الحال في أماكن أخرى في جميع أنحاء العالم) نجح في تجنيد جيوش كاملة من المثقفين والفنيين العرب في نظام ليبرالي على غرار النموذج الأمريكي، والإسرائيلي، والسعودي.

ساعد الليبراليون العرب -وخاصة العلمانيين منهم- في إحداث وتبرير هذه المستويات الهائلة من الدمار في أنحاء العالم العربي. ودعا الليبراليون الإسلاميون بدورهم إلى تدخل حلف الناتو في ليبيا؛ الأمر الذي حدث مباشرة، وحدث في سوريا بشكل غير مباشر من خلال التدفقات الهائلة للأموال والأسلحة. هذه المستويات من الدمار لم يسبق لها مثيل حتى في عهد الاستعمار.

ومن خلال تسجيل هذه الإنجازات الليبرالية العربية، نجد أن الرعب الذي ألحقوه بالعالم العربي هائل للغاية؛ مقتل وإصابة الملايين من العراق إلى سوريا، والجزائر، وفلسطين، ولبنان، ومصر، واليمن، وليبيا، والتدمير الكامل للعراق وسوريا وغزة وليبيا واليمن الآن، والفقر المدقع في مصر وفلسطين والعراق وسوريا، إضافة إلى لبنان والأردن والمغرب وتونس واليمن والسودان وغيرها… كل ذلك حرّض عليه أغلبية الليبراليين العرب.

في الواقع، جاءت العديد من هذه الأحداث كنتيجة مباشرة للسياسات التي دعا إليها الليبراليون في الحكومة أو في المعارضة وبين المثقفين، وساعدوا في تحقيقها. ويستمر هؤلاء الليبراليون في العمل بدأب لتبرير هذا التدمير، وإلقاء اللوم عن هذه الجرائم على الآخرين وتبرير كل أنواع الجرائم التي ارتكبها أسيادهم.

فلا يمكن إلقاء اللوم على تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف ولا تنظيم القاعدة بسبب هذا السجل الفريد من الدمار والبؤس. وكان السبب في هذا الدمار هم الليبراليين، ودعمهم الهائل، لدرجة أن الفزع الذي ألحقه حزب البعث، في نسخته العراقية والسورية، بسوريا والعراق وبالدول الأخرى المجاورة، لا يُقارن بما فعلوه. ومع ذلك، فهم نفس الليبراليين الذين ما زالوا يتحدثون عن الحرية والسلام والازدهار؛ في حين أنهم يساعدون على المزيد من القمع والحرب والفقر.

كان الليبراليون العرب والليبرالية العربية عدوًا رئيسًا للعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في العالم العربي خلال نصف القرن الماضي. والقول خلاف ذلك سيكون تجاهلًا لسجلهم الإجرامي، ونسيانًا للحقيقة المروعة التي ساعدوا في إحداثها.

رابط المصدر الأصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …