‫الرئيسية‬ مقالات إنه يعدكم بالفقر
مقالات - مارس 14, 2015

إنه يعدكم بالفقر

بدأ عهده المأفون بالمطالبة بتقسيم الرغيف أربعة أرباع، بشّر الجميع بالفقر والعَوَز.

ويطل علينا، اليوم، من جديد، يقف أمام رجال حكمه المشؤوم، ويقول “وبقول مرة تانية للمصريين بقى، لازم احنا كمان ..نبقى قادرين على ان احنا نا…..بالاعتماد على أنفسنا يعني …لازم.. …هقول كلمة…أأأ …لازم ..لازم ..احنا ..إن شا الله ما نلكشي.. إن شا الله ما ناكلشي …ونبقى ..ااا .. ونبني بلدنا”.

بعيدا عن اللغة العربية، والجمل غير المترابطة، والمفردات التي تحتاج إلى ترجمة، يستكمل السيسي مشوار حنوّه على الشعب المصري ويدعوه إلى الامتناع عن الأكل والشرب، من أجل بناء مصر. ولا أدري، حقيقة، هنا أي مصر يقصد؟ إذا كان الشعب سيمتنع عن الطعام ويموت من الجوع، ماذا يبقى لمصر، إذن، الشوارع والطرقات؟ نميت الشعب بأكمله لنبني جسوراً وطرقاً ومبانيَ تعيش فيها الأشباح؟ إذا لم تكن البلد يمثلها شعبها.. فماذا تكون؟ أم إنه يقصد مصره هو، دولته هو، ومعه أشاوس المجلس العسكري ولواءاته.

يعاني ورجاله من تخمة، بعد أن ابتلعوا ثلاثين مليار دولار قيمة المساعدات الخليجية للانقلاب، قبل أن توضع جميعها في حسابات للجيش، وألقوا هم “بشوية” ملايين للبنك المركزي “يقفل بيها ميزانيته”، كما فضحتهم التسريبات.

40 مليون مصري تحت خط الفقر، ومليونان يبيتون في المقابر، ومليونا طفل شوارع يبحثون عن غذائهم في سلال القمامة، يطالبهم السيسي بالامتناع عن الطعام، ليتمكن من بناء الدولة التي سيعيش فيها. يتنقل في طائرة مروحية، ترافقها طائرات حربية للمحافظة على أمنه وسلامته، بينما الشعب الذي يلقى الهوان في حافلات مهترئة، وقطارات متهالكة، وسيارات تتلاعب بها طرق خربة، يطالبه بالذهاب إلى عمله سيراً على الأقدام، أو راكباً دراجة يسير بها بين المدن المختلفة، “مش علشانه..علشان ماسر!”

الشعب الذي صنفته وحدة الأبحاث لصحيفة “إيكونوميست” البريطانية في عام 2013 عن مكوثه في المستوى الأخير بين دول العالم في جودة العيش طبقا لثلاثين عاملاً، لا تستقيم حياة الشعوب بغيرها، منها الأمن، والصحة والنظافة، والثقافة والبيئة، والتعليم، والبنية التحتية، يطالبه الرئيس بأن يتحمل شظف العيش وغلاء الأسعار، والسكن في العشوائيات، أو في المقابر بين الأموات.

يقابل الشعب الذل بابتسامة عند محاولته الحصول على إسطوانة غاز يطهو بها طعامه، يصبر على الكهرباء المقطوعة، والمياه الملوثة والشحيحة، والطعام المسرطن، والأمن المفقود، والتفجيرات شبه اليومية، والاعتقالات العشوائية، وأحكام الإعدام بالشكارة، والتعذيب في أقسام الشرطة والسجون. ويعيش صابراً راضياً، يتقبل الصفعات ويتلقى الركلات، وهو يردد بعشق: أنا بحب السيسي، أنا انتخبت السيسي.

يصر السيسي على أن هذا هو خيار الشعب وإرادة الشعب. الشعب الذي خرج على الحاكم المنتخب في الثلاثين من يونيو، اليوم الذي اعترف سفاح الداخلية المطرود بأنه صنيعة جهاز الشرطة ومعه الجيش وأذرعتهم الإعلامية.

ولكن، أن يخرج مئات آلاف المخدوعين والمغيبين والسفهاء يركب ظهورهم أمناء وضباط الشرطة ورجال الجيش، يطالبون برحيل الديكتاتور محمد مرسي وجماعته الإرهابية التي هبطت عليهم من المريخ، ولم يخترها الشعب في خمسة انتخابات. حين يختار المغفلون الخروج على الجماعة التي أخذت الفرصة عاماً، فلم تحقق لهم رغد العيش، ولم تصبح مصر كأوروبا، فقرروا أن يعيدوا عسكرا، ذاقوا الهوان على يديه ستين عاما، ليخلصهم من تلك الجماعة التي استولت على الرئاسة بآراء الناخبين، وأخذت الديمقراطية سلماً للوصول إلى الحكم.

قد تعيش أزهى عصور الحرية تحت رئاسة “حاكم إرهابي” كالرئيس محمد مرسي، تقوم بـ 22 مظاهرة مليونية في عام، وأربعة آلاف وخمسمائة مظاهرة وإضراب، وتشاركك 34 فضائية وقناة حكومية وعشرات الصحف والمجلات في سبّه وشتمه، هو وعائلته وجماعته، صباح مساء، بينما تنام أنت في بيتك آمنا مطمئنا. لكن، حينما يرحل ذلك الديكتاتور، لن تأمن على نفسك أن تدخل دورة المياه، بدون خوف من زوار يقتحمون بيتك قبل الفجر، أو اختطافك من مقر عملك أو من داخل عربة قطار. لن تأمن على فتياتك الحرائر الطاهرات من الاغتصاب في السجون أو داخل المدرعات.

أما أبناؤك وقرة عينك من ذقت المر في حياتك لتراهم أطباء أو مهندسين أو محامين أو أساتذة في المدارس والجامعات، فقد تستلم جثة أحدهم يوما من قسم الشرطة وقد قُطع لسانه، وكُسرت أضلاعه،وفقئت عيناه، واعتُدي عليه جنسياً.

أنت من اخترت، يقول لك قائد الانقلاب. هذا هو حكم العسكر الذي نادى به المعاتيه والمغفلون، ولهؤلاء جميعا نقول: لا نريد منكم اعتذارا، لقد فقدتم عقولكم قبل ضمائركم، ولا أمل فيكم. نريد منكم فقط أن تستمعوا لكلام سيدكم الجنرال، وتمتنعوا عن الطعام والشراب. كي يبني الأحرار مصر جديدة، دولة حرة نظيفة، بعد أن يموت مغفلوها وعبيدها من الجوع، وتمتلئ سجونها بضباط القتل والموت والتعذيب، وقبلهم قضاة الظلم والفساد والحكم بعد المكالمة، ومعهم إعلاميو الجهل والتحريض، وبينهم أباطرة الفساد والسرقة والنهب، يتقدمهم جنرالات الخيانة والتخابر والترامادول.
—–
نقلا عن (العربي الجديد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …