‫الرئيسية‬ مقالات احذروا دوامة السعادة
مقالات - مارس 14, 2015

احذروا دوامة السعادة

هل حقق الإشباع المادي السعادة للإنسان ؟ وبماذا نفسر قيام بعض الأثرياء بالانتحار ؟ ، وكيف نفسر قيام بعض الأغنياء بالاعتداء على حقوق الفقراء ؟ ، وبماذا نفسر قيام بعض الدول الغنية بالاستيلاء على ثروات الدول الفقيرة وسلب خيراتها ؟ .

إن الإجابة الموضوعية على هذه التساؤلات تدور حول أن سعادتهم لم تكتمل ويبحثون عن شيء خفى لاستكمالها مثل : السيطرة ، والجاه ، والتميز ، والاستعلاء. وكلما زادت درجة الغنى والثراء كلما زادت عندهم الرغبة في البحث عن الشيء الخفي .

نستنتج من ذلك كله أنهم تُعساء من المنظور المعنوي بالرغم من ثرائهم المادي ، لذلك ينتحرون او يقاتلون ويعرضون حياة جنودهم للخطر.

وقد أدى ذلك إلى تعديل فكر الاقتصاديين بالربط بين الدخل والسعادة ، حيث كان تركيز الاقتصاديين لزيادة معدل دخل الافراد كهدف لإسعاد الانسان ..لكن تبين ان هذا الفكر غير دقيق ويحتاج للتعديل.. حيث يقع الانسان في دوامة السعادة التي كلما حصل على متعة زهد فيها ولهث وراء متع اخرى فيصبح لاهثاً مثل المدمن الذى يدخل دوامة الادمان . 

لهذا تواصلت ابحاث علماء الاقتصاد السلوكي وكشفت الابحاث أن 

الطريقة الوحيدة لتحقيق السعادة هي الابتعاد عن المقارنات مع الاخرين تماماً، بل الذهاب في الاتجاه المعاكس أحياناً.

مثلا في السيارات، مالك الهونداي قد يكون أسعد بسيارته من مالك المرسيدس 350، لأن الأخير يرى ما ينقصه كلما يمر بجانب مرسيدس احدث .. حيث ان الفروق بين موديلات المرسيدس متسعة وواضحة ..بينما في سيارات هونداي أٌقل اتساعا ووضوحا .

في كتابه الشهير «الانخداع بالعشوائية” ، يقدم عالم الفرضيات (نسيم نكولاس) قصة وددت مشاركتكم لها وببعض الدروس التي استقيتها منها مع بعض التحوير لتناسب الواقع فى بلادنا

تعاسة افضل مسكن في أفضل حي !! 

“سرور” شاب تخرج من كلية الحقوق ..اجتهد في عمله وكافح وبدأ في العمل لدى محام مشهور .. استطاع ان يحصل على شقة في حي شبرا الفقير ..وتزوج وانجبت زوجته له ابناء كلهم التحقوا بمدارس لغات .. وبعد سنوات من الكفاح توفى المحام الكبير ..فحصل على قضايا كثيرة من مكتبه ..وافتتح مكتباً خاصاً ..وتدفقت الاموال عليه ..فقرر ان يسكن في كومبوند بالقاهرة الجديدة ( حي الاثرياء والنخبة) ..لم يتمكن من شراء قصر او فيلا بل تملك شقة بالكومبوند الذى يضم الاثرياء بالقاهرة الجديدة ..ورغم وجود بحيرات صناعية وكل وسائل الرفاهية ..الا انه شعر ان ابنائه غير سعداء ..فحين يخرجون مع جيرانهم الجدد لا يتمكنون من الشراء مثلهم ..وزوجته اكتشفت ان خاتم السوليتير الذى اهداه لها مؤخرا ، هو الاقل بين ما تتحلى به جاراتها ..وكانت تشعر بالخجل من ضعف قيمة حليها امام الاخريات .. وهو رغم ان لديه سيارة مرسيدس ..الا انه شعر انه الاقل بين المرسيدس الحديثة التي يحرص جيرانه على اقناء مميزات رفاهية خاصة لهم فقط بموديلات سياراتهم. 

لا شك أنكم ترون الهزلية في هذه القصة. ولكنها تقع في أحيان كثيرة للعديد من الناس. فهي نموذج لأحد الأخطاء الدفينة في نظرة الإنسان إلى الواقع وهو ما يعرف بـ “الانحياز الانتقائي”

، ” سرور” عندما قارن وضعه بغيره لتحديد مدى نجاحه، استخدم عيّنة منتقاة لا تعكس الواقع ككل. فهو لم يقارن نفسه بأقربائه في شبرا (حيث إنه حقق نجاحاً أكبر من أي منهم)، ولم يقارن نفسه برفاقه في الجامعة (حيث حقق نجاحاً أكثر من 99 في المائة منهم)، ولم يقارن نجاحه برفاقه الذين بدأ معهم في مكتب المحاماة (حيث حقق نجاحاُ أكثر من 90 في المائة منهم)، إنما قارن نفسه بالطبقة التي تعيش حوله وترسل أبناءها إلى مدرسة ابنه نفسها، وبالمقارنة مع هذه الطبقة هو بالفعل الأقل ثروة ومالاً، ولكن ذلك ليس لأنه فاشل، بل لأنه اختار أن يعيش ويقارن ضمن الطبقة التي تمثل أكثر طبقات المجتمع ثراءً، فهو من هذا المنطلق من ضمن الفئة التي تمثل أغنى 1 في المائة في المجتمع وإن كان في ذيل تلك القائمة. ولكن لأن غالبية احتكاكه وتعاملاته أصبحت مع هذه الفئة نفسها (سواء كانوا جيرانا، أو عملاء في مكتب المحاماة. إلخ) فإنه أصبح يستخدمهم كمعياره الوحيد للمقارنة.

وبالتالي فإننا ننصح “سرور” بأن ينظر إلى من هم أقل منه (وهم كثيرون) ليحمد الله على نعمه التي لا تحصى، ولكن أثر هذه النصيحة قد لا يمتد لأكثر من 15 دقيقة لتنتهي بمجرد أن يذهب “سرور” لاجتماعه القادم مع أحد المليارديرات. لذا فقد تكون النصيحة الأفضل (والأكثر دواماً) هي أن يبيع “سرور” منزله في القاهرة الجديدة ويشتري منزلاً آخر واسع متميز في شبرا، فهو في هذه الحالة سيمتلك أكبر منزل في افضل شارع رئيسي بالحي، كما سيتذكر كل يوم كم هو محظوظ لأنه أجبر نفسه على توسيع مجال المقارنة لتشمل أشخاصا أقل منه يراهم كل يوم.

مما سبق نكتشف ان السعادة لا تتحقق بمجرد الدخل المادي ، حيث يشعر الانسان بالتعاسة رغم زيادة دخله إذا ما عاش في وسط الاثرياء .. في حين يمكنه ان يشعر بالسعادة اذا عاش بنفس الدخل ين اصحاب دخل اقل .. وهذا ما يفسر زيادة نسب الانتحار في الدول الاكثر دخلا عن دول اخرى فقيرة.

باختصار السعادة لا تتحقق بتملك الشيء بل بادراك قيمة هذا الشيء والرضا به.

——
نقلا عن (الجزيرة مباشر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …