هل اقترب السيسي من الخطوة المؤلمة؟!
لا أملك مصدرا موثوقا يؤكد التقارير التي تتسرب عن لقاءات جرت في الفترة الأخيرة داخل السجون مع قيادات بجماعة الإخوان المسلمين ، وعلى رأسهم الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق ، لاستمزاج تصوراتهم لأي تسوية سياسية مقبلة ، ولكني أملك معلومة محددة في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بثلاثة من قيادات الإخوان السابقين والذين انشقوا على الجماعة ، مختار نوح وكمال الهلباوي وثروت الخرباوي.
وكان هذا اللقاء المفاجئ وغير المرتب له مسبقا قبل زيارة السيسي للسعودية بيومين ، وقد استمر اللقاء ثلاث ساعات كاملة ، وأعلن المشاركون فيه بعد خروجهم أنهم ممنوعون من الإدلاء بأي تصريحات أو معلومات عما جرى في اللقاء ، غير أن الموضوع لا يحتاج لتخمين طويل لكي ندرك أن موضوع اللقاء هو “القضية الإخوانية” ، إن صح التعبير ، والبحث عن أفكار للحل والخروج من المأزق الذي تسبب فيه تصعيد مبالغ فيه للحملة على الجماعة ، ويأتي استقبال السيسي بنفسه للثلاثة ، وليس أي مستوى سياسي أقل من رئيس الجمهورية ليعني أن الموضوع حساس وخطير وشديد الأهمية والسرية وعاجل أيضا ، كما أنه من ضياع العقل تصور أن هذا اللقاء مع “القيادات الإخوانية” السابقة مقطوع الصلة عن “موضوع” زيارة السيسي للمملكة ، واستجماع إجابات مقنعة على أسئلة مهمة ستطرح عليه في الرياض لاحقا .
زيارة السيسي للرياض كانت غير معتادة ، فهي أقصر زيارة لرئيس مصري للمملكة ، لم تستغرق أكثر من ثلاث ساعات ، شاملة وصول الطائرة الرئاسية ومغادرتها ، حسب بيانات وكالة الأبناء السعودية الرسمية ، واستغرق لقاء الوفدين حوالي ساعة ، بينما كان لقاء السيسي وسلمان منفردين حوالي نصف ساعة ، وهذا يعني أن الموضوع خطير وعاجل ومحدد جدا ولا يحتمل مجاملات ، وقد لوحظ أن الإعلام السعودي أفرد مساحات واسعة للاحتفاء بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، التي توافقت زمنيا مع زيارة السيسي ، وكانت هناك تفاصيل كاملة لموضوعات الزيارة والمشروعات المشتركة والاستراتيجيات الجديدة بين البلدين ، وهو ما اختفى تماما في تغطية زيارة السيسي ، التي بدت وكأنها سرية ، كما أن الإعلام الرسمي المصري هو الآخر لم يجد ما يقوله عن الزيارة ، باستثناء العبارات الإنشائية الثابتة عن ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين ، وهي عبارات لا تشبع العقل الباحث عن معنى ومغزى تلك الزيارة العاجلة والقصيرة والاستثنائية.
من الواضح أن الموجة التي تفاءلت كثيرا بكسر تيار الربيع العربي قد تراجع وهجها ، والزخم الذي دفعت فيه الإمارات بموجة مضادة في مصر وتونس وليبيا واليمن ، والذي ازداد حماسة وغرورا بعد نجاح تحولات 30 يونيو في مصر ، من الواضح أنه يعاني إحباطا كبيرا الآن ، وحالة انسحاب سياسي واستراتيجي في جميع المواقع ، بل يمكن القول بأن ما جرى في مصر استنفر الباقين ومنحهم حصانة مكنتهم من استيعاب الحملة ، ففي ليبيا فشلت عملية اختطاف الثورة وتنصيب الجنرال حفتر زعيما رغم الدعم المهول الذي تلقاه وما يزال ، وفي تونس فشلت عملية إقصاء وتدمير حركة النهضة “إخوان تونس” وأصبحت شريكة قوية في الحكم وتقود المعارضة البرلمانية في تجربة ديمقراطية ملهمة ، وفي اليمن فشلت عمليات تعبيد الأرض لعودة أسرة علي عبد الله صالح ، سواء من خلاله هو نفسه أو من خلال ابنه وثيق الصلة بالإمارات والمقيم فيها ، وانتهت المغامرة بتمزيق اليمن واختطافها إيرانيا من خلال جماعة الحوثي ، وفي سوريا تسبب خذلان الثورة السورية في ولادة تنظيمات إرهابية مروعة واستفحال خطرها بما يهدد دول الجوار بالكامل.
هذا المسار الجديد ولد قناعة واضحة لدى دول الخليج ، وحتى لدى دوائر غربية ، بأن فكرة سحق قوة بحجم التيار الإسلامي أو الإخوان المسلمين في المنطقة العربية هو خيال سياسي غير قابل للتحقيق ، وأن الإصرار على هذا المسار والمراهنة على نجاحه تسبب في تشظي المنطقة وصناعة فجوات سياسية وفراغات أمنية خطيرة ، وانقسامات بين دول المنطقة نفسها على خلفية الانقسام في هذا الملف تحديدا ، وأن الخليج والمجتمع الدولي نفسه لن يسمح بالمزيد ، ولذلك كان الموقف الأوربي والأمريكي صارما في منع السيسي من التدخل في ليبيا ، وكانت اللغة فجة وخشنة ، مع التأكيد المتكرر على أنه لا حل إلا الحوار السياسي بين الليبيين ، بما يعني حضور الإخوان في أي تسوية سياسية هناك ، ومن ثم فالقناعة لدى الجميع هي البحث عن تسويات ، تمنع التشظي وتملأ الفراغات الأمنية والسياسية وتوقف موجة الدم والعنف التي تجتاح المنطقة وتجفف المنابع الفكرية والدينية والسياسية التي تغذي الإرهاب في المنطقة ، وهذه التسويات لا يمكن أن تتم إلا بمشاركة قوتين أساسيتين في المنطقة : تركيا الدولة الأهم عسكريا واقتصاديا ، والإخوان التنظيم الأوسع انتشارا ، وهذا ما تسعى إليه بقوة المملكة العربية السعودية الآن في ظل قيادة الملك سلمان ، وقد اتخذت خطوات فعلية سبق وأشرت إليها في مقال سابق ، حيث استضافت منظمات محسوبة على الإخوان كما استضافت قيادات إخوانية يمنية وجرت لقاءات أخرى في عواصم أوربية مختلفة.
هذا السياق شبه المجمع عليه حاليا ، لا تقبله دولتان في المنطقة ، مصر والإمارات ، ولكن الإمارات لا تستطيع أن تواصل تمردها على الإرادة الخليجية والسعودية بشكل خاص طويلا ، وعما قريب ستكون ملزمة بالاندماج في الترتيبات الجديدة ، بما يعني أن السيسي يصبح الوحيد الذي يغرد خارج هذا السياق ، وهو مدرك أنها ترتيبات ماضية في طريقها ، سواء أحب أو كره ، وتحظى بقبول دولي ، كما أن الظروف الاقتصادية والأمنية والسياسية في مصر لا تسمح له بتحدي هذا المسار الجديد أو تجاهله ، ومن ثم ، أتصور أن تفكير صاحب القرار في القاهرة ينحصر الآن في البحث عن الصيغة الأقل ضررا للخطوة التي يتوجب عليه أن يتراجعها ، وحجم هذه الخطوة ، فالخطوة قادمة لا محالة ، والتردد هو في التفاصيل فقط ، خاصة وأن “الفاتورة” الداخلية منذ 3 يوليو حتى الآن باهظة ومعقدة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1
—-
رابط المصدر الأصلي
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …