مصر تواصل تقويض العمل الحقوقي.. والقضاء يحصن الحكومة من المراقبة
تواصل المؤسسات المصرية تثبيت أركان “النظام العسكري” عبر سلسلة من الأحكام التي وصفت بالمسيسة لتحصينه بعيدًا عن أي انتقادات حقوقية، فيما تصدر الأحكام التي تقوض سعي المؤسسات المدنية والحقوقية في رصد الانتهاكات التي تنتهجها السلطات المصرية تجاه المعارضين لها.
وفي هذا السياق، أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية حكمًا يقضي بأن دور الحركات السياسية وائتلافات الشباب الثورية في الكفاح مع الشعوب ضد الاستبداد لحمل الحكومات على احترام حقوق الإنسان لا يجيز لها التدخل في إدارة شئون الدولة.
وبررت المحكمة حكمها بأن “الانتساب للثورة لا يعني الخروج على مبادئها وأهدافها” حسب مذكرة الحكم.
ْوقالت مذكرة المحكمة إن الكفاح ضد الاستبداد لا يجوز أن يتحول للتسلط على العباد، وأنه يتعين على كل مسئول قيادي في الدولة أن يمارس سلطاته في إطار القانون، ولا يجوز له أن يسمح لغير المختصين بالتدخل في إدارة شئون الدولة.
وأتى الحكم على خلفية قرار رئيس مركز ومدينة إدكو بسحب ترخيص البناء الصادر لأحد المواطنين؛ وذلك استجابة للفاكس المرسل إليه من ائتلاف شباب الثورة، وهو الأمر الذي حكمت المحكمة ببطلانه، وأعادت تراخيص البناء المخالف بحجة عدم صلاحية تدخل الائتلاف الثوري في شئون الدولة.
ويؤكد حقوقيون أن الحكم يمثل “انتكاسة لم تعد مستغربة علي القضاء المصري، الذي أصبح ينافس الحكومة في سباق الاستبدادية”، مضيفةً أن “للحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى دورًا فعالاً لتمكين المواطنين من المشاركة والانخراط في تحسين مستواهم باعتبارهم شركاء في عملية التنمية ولتكوين رأي عام مستنير لحمل الحكومات على احترام الحريات”.
ْوقال مراقبون إن الحكم بعدم جواز تدخل الحركات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، في شئون الوظائف العامة، يفرغ قيمة العمل الحقوقي والشعبي من مضمونه؛ حيث تصبح حركات الضغط السياسي مجرد حركات كرتونية لا سلطة لها.
ْوسبق أن أعرب عدد من المنظمات الحقوقية المصرية عن بالغ استنكارها لإصدار المشير عبد الفتاح السيسي- باعتباره رأس السلطة التنفيذية والتشريعية- للقرار بقانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، الذي أبقى على الكوارث “القانونية” ذاتها الواردة بالمشروع السابق اقتراحه من لجنة الإصلاح التشريعي، مضيفًا العديد من المصطلحات الفضفاضة عند تعريفه الكيانات الإرهابية؛ الأمر الذي يهدر الضمانات المنصوص عليها في الدستور المصري، والتزامات مصر الدولية، حسب بيان مشترك للحقوقين.
ْوقال البيان الحقوقي إن ذلك القرار يأتي “فضلاً عن تقويض حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية وحريات الصحافة والرأي والتعبير، هذا بالإضافة إلى إمكانية تطبيقه على الأفراد وإن كانوا غير منتمين لأي شكلٍ تنظيمي”.
ْوكان مجلس الوزراء قد وافق على مشروع قانون بشأن الكيانات الإرهابية المقدم من لجنة الإصلاح التشريعي في نوفمبر 2014 وأرسله لرئاسة الجمهورية؛ تمهيدًا لإصداره، وقد طالب مركز القاهرة لدارسات حقوق الإنسان رئيس الجمهورية بعدم إصداره في تعليق قانوني على نسخة مقترحة من القانون، وهو ما تم تجاهله تمامًا من قبل رئاسة الجمهورية وأصدرته يوم 17 فبراير وفقًا للجريدة الرسمية، وبه العيوب نفسها، والتي تتناقض مع الدستور المصري.
وتؤكد المنظمات أن هذا القرار بقانون قد اعتمد على تعريفات واسعة و”الفضفاضة” للأفعال التي تعتبر الكيان- أو الشخص- إرهابيًّا، مما سيسهل اعتبار الأحزاب السياسية والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، أو أي أصوات نقدية مستقلة إرهابيين.
ْوقد اشتمل القانون- حسب البيان الحقوقي- في مادته الأولى على عبارات “مُجهلة” لا تصلح أن تكون ضابطًا لوضع الكيانات والإفراد على القوائم الإرهابية، ومن بينها “الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو تعطيل أحكام الدستور والقانون أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي”.
وتابع البيان: إن “مثل تلك المصطلحات الفضفاضة تتعارض تمامًا مع ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها عن تعمد وضع نصوص عقابية غامضة،وبالتالي تنفرد السلطات القائمة بفرض تفسيرها الخاص الذي يخدم مصالحها وحدها، وهو ما اعتبرته المحكمة انتهاكًا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها الدستور الحالي في مادته 95”.
يأتي هذا فيما قال حقوقيون إن القرار “لم يكتف بقانون بالمصطلحات الفضفاضة لوصم الكيان أو الأفراد كإرهابيين فحسب، بل إنه اعتبر الكيان إرهابيًّا بأن “يدعو بأي وسيلة “سلمية كانت أم لا بخلاف ما تقتضيه الجرائم الإرهابية من اشتراط العنف أو القوة المسلحة، بل إنها جاءت مجردة وفضفاضة، فهذا التوجه يندرج تحته البيانات أو التقارير أو الوقفات الاحتجاجية أو المقالات الصحفية إن ارتأى أنها تمثل “إخلالاً بالنظام العام أو السلام الاجتماعي”، بحسب نص القانون، وهو ما يعد ترهيبًا وتهديدًا للآراء المعارضة للحكومة بوسائل سلمية”.
وقال بيان صادر عن المجلس الحقوقي المصري (غير حكومي): “إن استخدام نص قانوني بعبارات فضفاضة “كالدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل القوانين” يعد انتهاكًا لحرية التعبير عن الرأي، فعند سنّ قانون التظاهر طالب- ولا يزال- العديد من المنظمات الحقوقية والأحزاب والحركات السياسية والإعلاميين بوقف العمل به؛ وهو ما يعد- طبقًًا لقانون الكيانات الإرهابية- سببًا كافيًا لوصمهم بالإرهاب”.
وتابع المجلس إنه “من المثير للدهشة أن تعريف الكيانات الإرهابية و”الإرهابي” وفقًا للقانون جاء أوسع من تعريف الإرهاب نفسه وفقًا للمادة 86 من قانون العقوبات، والتي عابت عليها المنظمات الحقوقية في حينها استخدامها لمصطلحات فضفاضة”.
وأكدت المنظمات أن “عدم إلحاق القرار بقانون بمذكرة تفسيرية أو إيضاحية، يعدُّ إمعانًا ورغبةً في التجهيل بنصوصه وعدم وضوح حدود تطبيقه؛ حيث تكمن أهميتها في الكشف عن الهدف المراد تحقيقه من النص، فضلاً عن إيضاح معاني ودلالات الألفاظ الواردة فيه وحدود تطبيقه”.
واستنكر عدد من الهيئات الحقوقية أنه “لم يأخذ القانون بتوصيات المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والتي من بينها “تقييد جميع الأحكام التي تُنشئ جرائم إرهابية تقييدًا صارمًا بمبدأ المشروعية القانونية”.
واشترط حقوقيون أن “تصاغ النصوص في عبارات واضحة ودقيقة”، ومشددًا على “قصر تعريف الجريمة الإرهابية على الأنشطة التي تنطوي على استخدام العنف القاتل أو الخطير ضد المدنيين أو تتصل اتصالا مباشرًا باستخدامه، هذا بالإضافة إلى استناد حظر المنظمات الإرهابية على أدلة واقعية على ضلوعها في أنشطة ذات طبيعة إرهابية، وإلى المشاركة الفعلية للأفراد في هذه الأنشطة”، محذرًا من “التجريم استنادًا إلى الأهداف والغايات؛ مما يهدد كل الكيانات المشروعة بما فيها منظمات حقوق الإنسان وجماعات المعارضة”.
ولفت الحقوقيون إلى أن “القرار الصادر- من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة- بالإدراج أو عدم الإدراج لا يعدو أن يكون قرارًا وقتيًا ولا يعتبر بأي حال حكم قضائي مكتمل الخصائص، فالقرار الوقتي لا يُلزم المحكمة بفحص أوراق القضية والنظر في أدلة الثبوت أو مناقشة الشهود بل تصدر القرارات الوقتية من ظاهر الأوراق دون تحقيق في الادعاءات، على خلاف الحكم القضائي الذي يلزم– من الناحية القانونية– المحكمة بالتدقيق في أوراق القضية وسماع دفاع المتهمين وتفنيد الأدلة؛ مما يجعل القرارات التي تصدرها تلك الدوائر تشبه إلى حد بعيد قرارات محاكم القضاء المستعجل”.
وشددوا على أن خطورة تلك القرارات الصادرة من دوائر الجنايات تكمن في “الآثار المترتبة على قرارات الإدراج في قوائم الإرهاب بالمادة 7 من القانون، والتي تعتبرها المنظمات “آثارًا متعسفة في غياب تحقيقات جادة أو فحص دقيق من قبل المحكمة أو توافر ضمانة الدفاع ومعايير المحاكمة العادلة”.
وقالوا إنه “وفي تعارض واضح مع قانون مباشرة الحقوق السياسية رتب القانون في المادة 7 من ضمن الآثار المترتبة على قرار الإدراج على القوائم الإرهابية “فقدان شرط حسن السمعة والسلوك اللازم لتولي الوظائف العامة أو النيابية”.
وفسروا ذلك بقولهم إنه “وفقًا للمادة 2 من قانون مباشرة الحقوق السياسية والتي عددت أسباب الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية- ومنها الترشح للمجالس النيابية- اشترطت صدور حكم نهائي في عدد من الجرائم أوردها على سبيل الحصر، بينما قانون الكيانات الإرهابية اكتفى فقط بقرار وقتي وليس نهائي ليتم منع الأفراد من تولي وظيفة نيابية، مما يجعل مثل تلك المادة بمثابة “سيف” مسلط على رقاب الأحزاب قد يُستخدم لحرمانهم من المشاركة في الانتخابات”.
وسبق أن أكد بيان حقوقي مشترك لعدد من الجهات غير الحكومية على أن مصر “لا تعاني من أي فراغ تشريعي لمواجهة جرائم العنف المسلح الذي تقوم به جماعات وتنظيمات متطرفة، وتبدي تشككها في أن يساهم هذا القانون في القضاء على تلك الجرائم”.
وقال حقوقيون إن “ما تحتاجه مصر الآن هو مراجعة شاملة لترسانة القوانين المعمول بها وتنقيتها مما يخالف الدستور والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر.. إن هذا القانون وغيره من القوانين ذات الطبيعة “الاستثنائية” ستنجح فقط في خنق المجال العام والسياسي في مصر، وتبقى كسيف مسلط على رقاب الفاعلين السياسيين وكافة الأصوات المستقلة بمجرد توجيههم انتقادات لأداء الحكومة أو تعبيرهم عن آرائهم بشكل سلمي”.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …