‫الرئيسية‬ مقالات خطاب أم تسريب؟!
مقالات - فبراير 23, 2015

خطاب أم تسريب؟!

يحتاج السيسي أن يضغط حروف كلماته وهو يهتف أمام المشاهدين: الثأر، ربما لأنه لا يملك من الكلمة سوى حروفها، هذه هي الجملة الوحيدة في خطاب السيسي بالأمس التي يبدو فيها متحدثًا للناس.

يسيطر على الخطاب طوال 37 دقيقة أجواء التسريبات، منطق التسريب يقف خلف كل عبارة، هذا رجل لا يتحدث إلى الناس؛ ذلك لأن ما يقال مخجلًا، لا يحب أي سياسي أن يعرفه عنه الناس، خاصة إذا كان من النوع الذي يتصدر بوصفه، “دكر”، أسد، قوي، لا يخشى شيئًا، كرامته فوق كل اعتبار، يحترم نفسه وشعبه، وخصومه السياسيين، ولا يتجاوز القانون.

كما تأتي بعض فقرات الخطاب كوميدية، وهزلية، إلى درجة يستحيل معها اعتبار أن ما يقال جادًا بأي مستوى من المستويات، هذا حديث رجل لأصدقائه في “قعدة حلوة”.

يتحدث السيسي عن الغارة الجوية على ليبيا مثلًا، ويقول إنها كانت “محل تقدير كل المصريين، والأشقاء العرب، وكثير من دول العالم”، والسؤال: هل يمكننا أن نتعامل مع العبارة السابقة بمعزل عن أجواء “جلسات الأنس”، هذا رجل لم يقرأ بيان مجلس التعاون الخليجي، والرسائل الواضحة التي تأتينا من نوافذ إعلامية تتحكم فيها دوائر إماراتية وسعودية، كما لم يمر عليه بأي حال من الأحوال بيان الدول الغربية الذي يرفض بشكل حاسم التدخل العسكري في ليبيا، والذي جاء ردًا على طلب مصر بغطاء سياسي أممي للغارة الجوية على ليبيا مرجحًا الحل السياسي دون غيره.

يتحدث السيسي عن علاقته بمعارضته، ويطرح نموذجًا لم يسبقه إليه سوى مبارك، يخبرنا صراحة أنه يوجههم إلى شكل التحالفات التي ينبغي عليهم أن يخوضوا بها انتخابات البرلمان، يخبرنا أنه هو من يضبط لهم إيقاع التنافسية السياسية، رئيس على قمة السلطة، يتحدث إلى مرشحي البرلمان، الذي سيعارضه، ويحاسب حكومته، موضحًا لهم سبل الأداء. كلنا يعرف أن معارضة السيسي نصفهم في السجون والنصف الآخر بين هارب ومنتظر، وكلنا يعرف أن البرلمان المقبل هو برلمان الولاء والبراء السياسي، برلمان المحاسيب، والأتباع، لا معارضة فيه ولا يحزنون، إلا أن الإعلان عن ذلك بكل هذه الأريحية يتجاوز البجاحة إلى ما هو أكثر عبثية، واستهتارًا؛ هنا يظهر منطق التسريب مرة أخرى دون أن نفقد متعة “القعدة الحلوة”.

يتحدث السيسي عن مساعدات الخليج لمصر، صوت منخفض، خشوع، عين في الأرض، شكر جزيل، تكرار للشكر، ذكر للدول، تكرار لأسمائهم، وقبل أن يختم يخبرهم أن التسريبات التي أظهرته حاقدًا عليهم وعلى أموالهم “المتلتلة”، وفلوسهم “اللي زي الرز”، ما هي إلا “عمل” حروب الجيل الرابع، المونتاج السيئ الذي يظهر كل 10 ثوان من عمر الفيديو يحجب عن المشاهدين هنا لزمات سكندرية، جوانية، وذلك قبل أن يختم السيسي كلامه الموجه لدول الخليج بأن يدعو لهم، قائلًا بالحرف الواحد: “ربنا يحفظ بلادكم، وخلوا بالكم من بلادكم”.

يتجاوز السيسي خطاب وزير داخليته، وإعلامه، وهو نفسه، طوال 7 أشهر، معترفًا أن هناك شبابًا بريئًا داخل السجون، ويعلل ذلك بكلمة واحدة: الظروف، ويعلن أنه بصدد الإفراج عن الفوج الأول من المعتقلين ظلمًا، يبدو الحديث هنا أكثر اقترابًا من فكرة الرهائن منه إلى المسجونين ظلمًا، كما يبدو منطق التسريب أكثر حضورًا من منطق الخطاب الموجه للأمة.

يرى السيسي أنه يحترم المصريين، كلهم، بكافة أطيافهم، والدليل أنه تواصل مع الجميع، وتحدث مع الجميع في السياسة والاقتصاد والاجتماع والدين والتنمية طوال 1000 ساعة، هكذا يقول، ومع ذلك، انظر إلى المعجزة، لم يتجاوز في حق أحد طوال الساعات الألف!

يتحدث السيسي عن أشهره السبعة الماضية، واصفًا سياقهم الزمني والسياسي بالمناخ الإيجابي، ومحذرًا من أعدائه وخصومه الذين يريدون أن يفسدوا على المصريين هذا المناخ الإيجابي، لاحظ: المناخ الإيجابي الذي كان من نتائجه اعتقال شباب بريء بسبب الظروف.

يدرك السيسي جيدًا أن المكابرة كانت السبب الرئيس في فشل الإخوان، ومع اقتراب النهاية يحاول أن يتعلم، فيعترف بما لا سبيل إلى إنكاره، شيماء الصباغ، يستثني سندس رضا طبعًا، شهداء الدفاع الجوي، ويقول إن النيابة تحقق وإنه لن يتهاون!

لو لم يكن السيسي هو من اتخذ قرار رفع أسعار السجائر، وهو مدخن كما نعلم، لقلنا إن “مزاج” الرجل قد غلا عليه فقرر تغييره، وجاء الخطاب نتيجة مباشرة لهذا التغيير؛ إلا أن القرار قراره، ولا شك أنه كان يعلم تبعاته، فما الذي حدث؟

يبدو لي، مع العلم أنني لا أدخن السجائر إلا معزومًا، أن السيسي أفلس، وأنه انكشف، وأن اللجوء للمونتاج، والموسيقى التصويرية، والفواصل، والدعاء للسعوديين، والإماراتيين، والكوايتة، والتودد للشباب، والوعد بالإفراج عن سجنائهم، والتحقيق بشأن شهدائهم، ومهرجان الاعترافات المجانية؛ كل ذلك لا يخفي وراءه سوى قائد مهزوم، يحاول، هانت.
———-
نقلا عن موقع (التقرير)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …