‫الرئيسية‬ مقالات جريمة تشابِل هِل: دمنا على شاشاتهم!
مقالات - فبراير 19, 2015

جريمة تشابِل هِل: دمنا على شاشاتهم!

جريمة قتل المسلمين الثلاثة، ضياء بركات، ويسر ورزان محمد أبو صالحة، في مدينة تشابِل هِل، بولاية نورث كارولاينا الأميركية والتي ارتكبها أميركي أبيض اسمه كريغ هِكس، نكأت جراحاً في أعماق كثير من المسلمين، وأثارت مزيجاً من الصدمة والشعور بازدواجية الخطاب العالمي ضد «الإرهاب». دم المسلم لا يهم. تلك كانت الرسالة التي أوحت بها الميديا (وسائط الإعلام) السائدة من خلال تجاهلها الجريمة ساعات عدة قبل أن تتصدر أخبارها تويتر والوسائط الاجتماعية الأخرى، فتضطر إلى تناولها. استجابت الميديا ببطء (وكذلك الميديا العربية السائدة بحكم التبعية والتصهين)، كما أحجم الساسة الأميركيون عن التعليق، وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما، الذي صمت عن الجريمة ثلاثة أيام حسوما، ولما انتقده الرئيس التركي إردوغان، لم يجد بداً من استنكارها، ولكن بلغة خالية من الربط بالإرهاب: «جرائم قتل وحشية ومثيرة للسخط»، و يجب ألا يكون أحد في الولايات المتحدة هدفاً بسبب مظهره أو عبادته. كنت في العاصمة الماليزية كوالا لمبور عندما حصلت الجريمة، ولاحظت كيف تناول وولف بلتزر مذيع CNN الخبر في برنامجه (Situation Room) حيث حاول وضعه في إطار الخروج عن السياق الأميركي قائلاً إن الجريمة لا تمثل أميركا ولا قيمها- تكتيك دعائي يحمل في طياته المدح بما يشبه الذم، ويذكرني بقول إسحاق رابين، الذي علق على مذبحة المسجد الإبراهيمي عام 1994 بالقول: «إنه يوم أسود في تاريخ الصهيونية»، وطارت شبكات الأخبار الأميركية حينها بالتصريح.

التقى بلتزر (وهو يهودي صهيوني وكان في الثمانينيّات مراسل صحيفة الجيروسلم بوست في واشنطن) بضيوف في برنامجه، وكان لافتاً الأوصاف التي تداولها المتحاورون عن الجريمة: shocking صادمة، awful بشعة، horrific مروّعة، وهي صفات يمكن إطلاقها على غرق عبّارة أو اصطدام قطار، لا على فعل من أفعال الإرهاب. بل إن CNN عرضت على شاشتها هذا العنوان: “الجيران: عُرف هِكس بإنقاذ الكلاب من مزارع الاستيلاد”.

مرة أخرى، لم تكن الميديا السائدة لتتناول الجريمة لولا تصدّر أخبارها الوسائط الاجتماعية، لاسيما تويتر، والضغط الهائل الذي مارسه المواطن الكوني عبر وسوم (هاشتاغات) أبرزها: ChapelHillShooting# الذي غص بتغريدات تتهم الميديا السائدة بالعنصرية وعدم الاكتراث بأرواح المسلمين. أشارت الميديا إلى القاتل بالملحد، وحرصت على إبراز ترجيح شرطة تشابِل هِل أن خلافاً حول موقف سيارة كان دافع الجريمة، وليس «الكراهية» لدين الضحايا كما أكد محمد أبو صالحة، والد الشهيدتين، يسر ورزان. المعلق الأميركي، جي سي ويرليمِن قال إن القاتل «أبيض، ولذا كان من المتوقع ألا تسارع الميديا إلى وصف فعلته البشعة بجريمة الكراهية أو الهجوم الإرهابي»، والسبب أن «كلمة «الإرهاب» مقصورة حصراً على أفعال العنف السياسي التي ينفذها مسلمون». في البدء، يضيف ويرليمِن، قدَّمت الميديا الجريمة بوصفها «نزاعاً حول موقف سيارة»، وهو «مجاز مألوف في الميديا الأميركية للتقليل من جريمة الرجل الأبيض ولوم الضحية المسلمة». ويصل ويرليمِن إلى القول: «لو كان مسلماً هو من قتل ثلاثة أشخاص بيض بأسلوب الإعدام، لما تحدثت الميديا عن خلاف حول موقف سيارات». محمد أبو صالحة، والد الشهيدتين، فنّد في حديثه إلى المراسلين رواية النزاع على «الموقف» مؤكداً أنها جريمة كراهية: «الرجل أزعج ابنتي وزوجها مراراً من قبل، وتحدث إليهما والمسدس في حزامه، ولم يكونا مرتاحيْن له، لكنهما لم يعرفا أنه سيذهب إلى هذا الحد». يسر، زوجة ضياء، أقسمت لأبيها أن جارهما يكرههما: «والله، إنه يكرهنا من أجل هويتنا ومظهرنا». يقول ويرليمِن إن الدلائل تشير إلى أن هدف الجريمة كان «العداوة الدينية»، لاسيما بالنظر إلى تدوينات القاتل الكارهة للإسلام في حسابه على فيسبوك، مطالباً الملحدين «بالتبرؤ من المتطرفين في صفوفهم». هؤلاء المتطرفون هم «الملحدون الجدد» الذين ليسوا سوى «متعصبين دينيين» كما يصفهم نوعم تشومسكي (موقع ميدل إيست آي، 12 شباط/فبراير 2015).

كرِس هيجز، صحافي ومؤلف أميركي، حذّر أيضاً من هؤلاء الملحدين الذين «شأنهم شأن الأصوليين المسيحيين يؤيدون المشاريع الإمبراطورية والحروب الاستباقية للولايات المتحدة بوصفها ضرورة في المعركة ضد الإرهاب والدين غير العقلاني. إنهم يقسّمون العالم إلى عرقين: متفوق ومتخلف؛ أولئك المستنيرين بالمنطق والمعرفة، وأولئك المحكومين بالمعتقدات الدينية غير العقلانية والخطيرة». الملحدون الجدد، مثل إرهابي تشابِل هِل، «يجادلون، كما يجادل المتشددون المسيحيون، أن بعض البشر، ربما كثيراً من البشر، لا بد أن يُستأصلوا من أجل تحقيق عالم أفضل». في كتابه: «أنا لا أؤمن بالملحدين»، ينتقد هيجز بقوة كاتبين أميركيين من «الملحدين الجدد»، هما كريستوفر هتشنز، وسام هارس، اللذان ألف كل منهما كتاباً «يشيطن» المسلمين. وبحسب هيجز، فقد وصف الكاتبان العالم الإسلامي «بلغة تشبه في عنصريتها وغلظتها اللغة التي يستخدمها بات روبنسِن، والراحل جيري فولوِل (واعظان تليفزيونيان شهيران من المؤمنين بالمسيحية الصهيونية)». أحدهما، هارس، دعا إلى ضرب العالم الإسلامي بالأسلحة النووية وقتل عشرات الملايين في يوم واحد؛ لأن هؤلاء المسلمين لا يملكون آمالاً ولا طموحات، فقط يبدون في صورة بشر!.

في عصر الوسائط الجديدة، أصبح من المستحيل إخفاء الحقائق. الفنان البرازيلي المستقل، كارلوس لطوف، رسم جثث شهداء تشابِل هِل وبجانبها مراسل يحمل كاميرا ويقول متثائباً: «3 مسلمين صغار السن قتلهم مسلح وحيد. لا خبر عاجل هنا». المعلقة الأميركية، سالي كون، غردت بما يلي: «المسلم مطلق النار: كل الدين مذنب. الأسود مطلق النار: كل العرق مذنب. الأبيض مطلق النار: ذئب وحيد مختل عقلياً». وهكذا فإن الأبيض مطلق النار مجرد «مسلح» (شخص يحمل سلاحاً)، «وحيد» (يعمل بمفرده، ومن ثم فلا يشكّل خطراً، بعكس المسلم مطلق النار الذي هو جزء من مؤامرة كونية).

عادة ما تصوّر الميديا القاتل الأبيض بوصفه جزءا من «الاستثناء» و«الهامش»، بينما تصوّر القاتل المسلم بوصفه جزءا من «السائد» و«المهيمن». تلتقي الميديا بعائلة الإرهابي المسيحي أو اليهودي الأبيض التي تبدو غير مصدّقة، وباكية، مضْفيةً بذلك لمسة إنسانية وحميمية على المشهد برمته، بينما لا تظهر عوائل المسلمين المتهمين بالإرهاب، وكأنهم «مقطوعون من شجرة». وبالطبع، فإن القاتل الأبيض مدمن على الكحول، أو مصاب باضطرابات نفسية، أو حديث عهد بطلاق، بعكس «الإرهابي» الآخر الذي لا يشكو غير «جيناته» الإرهابية.

قناة العربية تقدم لنا نموذجا صارخا من هذه الازدواجية الفجة إذ وصفت على صدر شاشتها هِكس بالمشتبه به، وهي التي سارعت إلى وصم مهاجمي مجلة شارلي إبدو بالإرهاب. وفي موقعها أشارت إليه بالمسلح، وليس بالإرهابي على غير عادتها عندما يكون الفاعل مسلماً، ونأت عن وصف الجريمة بالمجزرة أو المذبحة، مختارة بدلاً من ذلك وصف «المقتلة»، وحرصت على عدم إساءة فهمها قائلة: «ما سمّوه مجزرة»، مضيفة أن القاتل اعترف «بما ارتكب» حاذفة كلمة: «الجريمة». حاولت العربية الدفاع عن الإرهابي الأميركي فقالت إنه «من النوع المشاكس الميال للتحدي» (عظيم)، و «انطوائي وصدره ضيّق» (يا حرام!)، و«زواجه انتهى في 2004 بالطلاق» (مفهوم)، «ولا يطيق أي إزعاج يأتيه من أي جار» (تبرير للقتل واتهام ضمني للشهداء الثلاثة بإزعاجه ودفعه إلى ارتكاب الجريمة).

ومضت العربية في اختلاق ذرائع للجريمة مشيرة إلى أن هِكس (يحلو لها أن تسميه باسمه) «عاطل عن العمل»، و«قيل» إنه اختلف مع الضحايا على موقف سيارات (13 شباط/فبراير 2015)، حتى أكثر الوسائط الإخبارية حقداً على الإسلام والمسلمين لا يمكن أن تكتب أحقر من هذا، إيديولوجية «الإلحاد الجديد» كما يصفها هيجز، لا تقل عن دين «الصهيونية الجديدة» التي تعتنقها وسائط خليجية، أبرزها قناة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …