‫الرئيسية‬ عرب وعالم ذكرى مجزرة حماة 1982.. أكبر مجزرة في العصر الحديث
عرب وعالم - فبراير 2, 2015

ذكرى مجزرة حماة 1982.. أكبر مجزرة في العصر الحديث

تعد مجزرة حماة 1982م أكبر مجزرة في العصر الحديث، كما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية. وقد تعرضت فيها مدينة حماة إلى أوسع حملة عسكرية شنها النظام السوري ضد المعارضة, ولقد أودت تلك المذبحة بحياة عشرات الآلاف من أهالي مدينة حماة.

بدأت المجزرة في 2 فبراير/شباط عام 1982م واستمرت 27 يومًا، حيث قام النظام السوري بتطويق مدينة حماة وقصفها بالمدفعية، ومن ثَمَّ اجتياحها عسكريًّا, وارتكاب مجزرة مروعة كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة، وكان قائد تلك الحملة العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد.

ورغم مضي الأعوام إلا أن ما شهدته تلك المدينة التي تتوسط الأراضي السورية ويقطنها قرابة 750 ألف نسمة يعتبر الأكثر مرارة وقسوة قياسًا إلى حملات أمنية مشابهة، فلقد استخدمت حكومة الرئيس السوري حافظ الأسد الجيش النظامي والقوات المدربة تدريبًا قاسيًا، ووحدات من الأمن السري في القضاء على المعارضة واجتثاثها.

وتشير التقارير التي نشرتها الصحافة الأجنبية عن تلك المجزرة إلى أن النظام منح القوات العسكرية كامل الصلاحيات لضرب المعارضة وتأديب المتعاطفين معها، وفرضت السلطات تعتيمًا على الأخبار؛ لتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية.

ومن الجدير بالذكر أنه وإلى الآن هناك مطالبات من منظمات حقوقية بتحقيق دولي في أحداث حماة، ومعاقبة المسئولين عن المجزرة، والتي تعتبر الأعنف والأكثر دموية وقسوة في تاريخ سوريا الحديث كله.

أسباب اندلاع أحداث حماة

جاءت تلك الأحداث في سياق صراعٍ عنيفٍ بين نظام الرئيس السوري حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت في تلك الفترة من أقوى وأنشط قوى المعارضة في البلاد.

واتهم النظام حينها جماعة الإخوان بتسليح عدد من كوادرها وتنفيذ اغتيالات وأعمال عنف في سوريا من بينها قتل مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية في يونيو 1979م في مدينة حلب شمال سوريا، ورغم نفي الإخوان لتلك التهم وتبرّئهم من أحداث مدرسة المدفعية، فإن نظام حافظ الأسد حظر الجماعة بعد ذلك، وشن حملة تصفية واسعة في صفوفها، وأصدر القانون 49 عام 1980م الذي يعاقب بالإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

أحداث مجزرة حماة

دامت المجزرة 27 يومًا، بدءًا من 2 فبراير/شباط 1982م، وقد قام النظام السوري بحشد:

– سرايا الدفاع.

– واللواء 47 [دبابات].

– واللواء 21 [ميكانيك].

– والفوج 21 [إنزال جوي (قوات خاصة)].

فضلاً عن مجموعات القمع من مخابرات وفصائل حزبية مسلحة.

وقامت تلك القوات كلها مجتمعة بقصف المدينة وهدمها، ومن ثَمَّ اجتياحها عسكريًّا وحرقها, وارتكاب إبادة جماعية سقط ضحيتها ما بين 30 ألف إلى 40 ألف قتيل، وهدمت أحياء بكاملها على رءوس أصحابها، كما هدم 88 مسجدًا وثلاث كنائس، فيما هاجر عشرات الآلاف من سكّان المدينة؛ هربًا من القتل والذّبح والتنكيل.

ولقد قام النظام السوري بمنح القوات العسكرية كامل الصلاحيات لضرب المعارضة وتأديب المتعاطفين معها، ولتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية فرضت السلطات تعتيمًا على الأخبار، وقطعت طرق المواصلات التي كانت تؤدي إلى المدينة، ولم تسمح لأحد بالخروج منها.

وخلال تلك الفترة كانت حماة عرضة لعملية عسكرية واسعة النطاق شاركت فيها قوات من الجيش والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والاستخبارات العسكرية ووحدات من المخابرات العامة والمليشيات التابعة لحزب البعث، وقاد تلك الحملة العقيد رفعت الأسد الشقيق الأصغر للرئيس السوري حافظ الأسد والذي عُيِّن قبل المجزرة بشهرين مسئولاً عن الحكم العرفي في مناطق وسط سوريا وشمالها، ووضعت تحت إمرته قوة تضم 12 ألف عسكري مدربين تدريبًا خاصًّا على حرب المدن.

ولقد عكست اضطرابات حماة تحولاً واضحًا في السياسة التي اتبعها النظام السوري في حينه تمثل في الاستعانة بالجيش والقوات المسلحة على نطاق واسع لإخماد العنف السياسي الذي اندلع بين عامي 1979م و1982م، والزج بالمدنيين في معترك الصراع مع المعارضة، وقد كان هؤلاء المدنيون هم الضحية الأبرز في هذه المجزرة المروعة، حتى إن سوريا بعد تلك الوحشية التي استخدمها النظام لم تشهد أي احتجاجات شعبية على السياسات التي ينتهجها النظام إلى عام 2011م عندما اندلعت الاحتجاجات السورية.

أعداد ضحايا حماة

يختلف تحديد أعداد ضحايا المجزرة باختلاف مصادرها:

– يقول روبرت فيسك (الذي كان في حماة بعد المجزرة بفترة قصيرة): إن عدد الضحايا كان 10 آلاف تقريبًا.

– جريدة الإندبندنت قالت بأن عدد الضحايا يصل إلى 20 ألفًا.

– وفقًا لتوماس فريدمان: قام رفعت الأسد بالتباهي بأنه قتل 38 ألفًا في حماة.

– اللجنة السورية لحقوق الإنسان قالت بأن عدد القتلى بين 30 و40 ألفًا, غالبيتهم العظمى من المدنيين. وقضى معظمهم رميًا بالرصاص بشكل جماعي، ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية.

– تشير بعض التقارير إلى صعوبة التعرف على جميع الضحايا؛ لأن هناك ما بين 10 آلاف و15 ألف مدني اختفوا منذ وقوع الأحداث، ولا يُعرف أهم أحياء في السجون العسكرية أم أموات.

خلاصة عدد الضحايا والخسائر:

– عدد الضحايا الذين سقطوا ما بين 30-40 ألفًا، من بينهم نساء وأطفال ومسنون.

– إضافة إلى 15 ألف مفقود لم يتم العثور على آثارهم منذ ذلك الحين.

– اضطر نحو 100 ألف نسمة إلى الهجرة عن المدينة بعد أن تم تدمير ثلث أحيائها تدميرًا كاملاً.

– تعرضت عدة أحياء وخاصة قلب المدينة الأثري إلى تدمير واسع.

– إلى جانب إزالة 88 مسجدًا وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية؛ نتيجة القصف المدفعي.

شهادات حية

ذكرت صحيفة النوفيل أوبزرفاتور الفرنسية بتاريخ 30 إبريل/نيسان 1982م:

“في حماة، منذ عدة أسابيع، تم قمع الانتفاضة الشعبية بقساوة نادرة في التاريخ الحديث.. لقد غزا (حافظ ورفعت أسد) مدينة حماة، بمثل ما استعاد السوفيات والأمريكان برلين، ثم أجبروا من بقي من الأحياء على السير في مظاهرة تأييد للنظام!! صحفي سوري مندهش قال موجهًا كلامه لأحد الضباط: رغم ما حدث، فإن هناك عددًا لا بأس به في هذه المظاهرة. أجاب الضابط وهو يضحك: نعم، ولكن الذي بقي أقل من الذين قتلناهم”.

وتحت عنوان: “في سورية، الإرهابي رقم واحد هو الدولة” ذكرت صحيفة لوماتان الفرنسية في عددها رقم 1606 تاريخ 24 إبريل/نيسان 1982م:

هنالك على الأقل 20.000 (عشرون ألف) سجين سياسي، (وربما وصل العدد إلى 80.000 (ثمانين ألفًا) في سوريا، حيث العنف والإرهاب السياسي هما اليوم عملة رائجة. إن جهاز القمع التابع للنظام مدهش للغاية: سرايا الدفاع بقيادة رفعت أسد، سرايا الصراع بقيادة عدنان أسد، الوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر، المخابرات العامة،… وقد اشترت وزارة الداخلية مؤخرًا من شركة فرنسية عقلاً إلكترونيًّا يمكن له أن “يفيّش” (أي يضع على اللوائح السوداء) 500.000 (نصف مليون) شخص دفعة واحدة.

وذكرت مجلة الفيزد الفرنسية في عددها الصادر في مايو/أيار 1982م: “وكان القمع مميتًا أكثر من يوم حرب الكيبور (يوم الغفران)”.

وتقول أيضًا: “… المدفعية الثقيلة تطلق قذائفها على الآمنين. وطوال أربع وعشرين ساعة تساقطت آلاف القذائف والصواريخ على حماة. كل مجمّع سكني وكل منزل كان مستهدفًا”.

ويذكر دبلوماسي غربي في شهادته على الأحداث: “إنه أعنف قصف حدث منذ حرب سوريا عام 1941م بين أنصار حكومة فيشي من جهة وأنصار فرنسا الحرة والبريطانيين من جهة أخرى”.

ويكمل شاهدته الحية: وأخيرًا وحوالي منتصف الأسبوع الماضي، استطاعت الدبابات اختراق المدينة وطوال أيام كاملة، كانت المعركة مستمرة وبشدة. من بيت إلى بيت، أو بالأحرى من أنقاض إلى أنقاض. هذا، وتتكتم الدولة على عدد القتلى والجرحى من الجانبين. ويضيف الدبلوماسي الغربي قائلاً: “ولكن الطلب على الدم في المراكز الطبية كان كثيرًا وكثيرًا مثل أيام (حرب الكيبور) التي سببت في سوريا آلافًا من القتلى والجرحى”.

ويختم الدبلوماسي حديثه قائلاً: “يمكن القول إن ما جرى في الأسبوع الماضي في حماة هو (فرصوفيا أخرى)، أي مثلما حدث لفرصوفيا أثناء الحرب العالمية الثانية… إنه فعلاً، موت مدينة”.

كما ذكرت مجلة الإيكونومست في عددها الصادر في مايو (مايس) 1982م تحت عنوان أهوال حماة: “إن القصة الحقيقية لما جرى في شهر فبراير/شباط في مدينة حماة الواقعة على بعد 120 ميلاً شمال دمشق العاصمة لم تعرف بعد، وربما لن تعرف أبدًا. لقد مرّ شهران قبل أن تسمح الحكومة السورية للصحفيين بزيارة خرائب المدينة التي استمرت تحت قصف الدبابات والمدفعية والطيران ثلاثة أسابيع كاملة. ونتيجة لذلك، فإن قسمًا كبيرًا من المدينة القديمة القائمة في وسط البلد قد مُحِي تمامًا، وسوِّي مؤخرًا بواسطة الجرافات”.

التحقيق في أحداث حماة

بدلاً من أن تتخذ السلطات السورية الإجراءات الكفيلة بالحد من آثار المجزرة وتداعياتها على سكان المدينة المنكوبة والمجتمع السوري بشكل عام، والتحقيق في أعمال التنكيل والعنف التي وقعت ضد الأهالي وأبيدت خلالها أسر بكاملها، فقد عمدت إلى مكافأة العسكريين المشتبه في تورطهم فيها أو الذين كان لهم ضلع مباشر في أعمال القمع، ومن بين هؤلاء العقيد رفعت الأسد الذي عين نائبًا لرئيس الجمهورية لشئون الأمن القومي، وضباط كبار في الجيش والمخابرات جرى منحهم رتبًا أعلى، كما تم تعيين محافظ حماة آنذاك محمد حربة في منصب وزير الداخلية، وكانت تلك الإجراءات بمنزلة استهتار غير مسوغ من قبل الحكومة بالمشاعر العامة، وتأكيدًا واضحًا على استمرار منهجية القوة بدلاً من الحوار في التعاطي مع الشئون الداخلية.

هذا إضافةً إلى السجناء السياسيين الذين أودعوا في السجون العسكرية عشرات السنين, وإنزال عقوبة الإعدام بكل مواطن ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين, عدا عن المفقودين الذين لا يعرف أهلهم هل هم أحياء أم أموات.

ذكرى الأحداث لدى أهالي مدينة حماة

لا تزال ذكرى مجزرة حماة المروعة ماثلة في أذهان أهالي المدينة حتى الآن (2011م)، والصور المرعبة والفظائع التي ارتكبت أثناء تلك المجزرة جعلت أهالي المدينة يعيشون في خوف دائم من النظام، وحتى اليوم. ولا تكاد تخلو عائلة في حماة إلا وفيها قتيل أو مفقود أو مهاجر جرَّاء تلك المجزرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …