‫الرئيسية‬ عرب وعالم الأزهر يتذكر مسلمي ميانمار أخيرًا ويحذر من “العنف”
عرب وعالم - يناير 22, 2015

الأزهر يتذكر مسلمي ميانمار أخيرًا ويحذر من “العنف”

رغم مرور نحو عام ونصف العام على بدء أعمال التطهير العرقي ضد مسلمي “الروهينجا” في دولة مينمار شرقي آسيا، إلا أن بيانا للأزهر الشريف أعرب مؤخرا عن قلقه الشديد تجاه ما تقوم به سلطات ميانمار من “حملات عدوانية وممارسات تعسفية” ضد المواطنين المسلمين.

وطالب الأزهر، في بيانه، كافة المنظمات الحقوقية بتحمل مسئولياتها وحماية المواطنين المسلمين بميانمار من الخطر الداهم الذي يفقدهم حق الحياة، والذي يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

والروهينغا أقلية مسلمة تسكن في إقليم أراكان في ميانمار، كانت تمثل نحو 90 في المائة من سكانه، غير أن هذه النسبة انخفضت إلى 25 في المائة من السكان بعد سلسلة من موجات العنف الطائفي ضدهم من قبل الأكثرية البوذية، وبتواطؤ من السلطات التي ترفض الاعتراف بهم وتعتبرهم غرباء.

وبحسب تقارير إعلامية، تفرق نحو مليوني شخص من {الروهينغا} بين دول مختلفة، أبرزها “بنغلاديش وماليزيا وتايلاند والسعودية والإمارات وباكستان”.

وبحسب تلك تقارير، فإن الروهينغا تعرضوا لسلسلة من عمليات طرد وتهجير جماعي متكررة، ففي عام 1962 وعقب الانقلاب العسكري، هاجر أكثر من 300 ألف شخص إلى بنغلاديش.

وفي العام 1978 غادر منهم إقليم أراكان أكثر من نصف مليون شخص، في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40 ألف شخص، غالبيتهم من الشيوخ والنساء والأطفال، حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

الموقع الجغرافي لبورما

في إحدى بلدان الهند الصِّينيَّة تقع “بورما- ميانمار” في جنوب شرق آسيا وماليزيا. ويحدُّها من الشمال الصِّين، ومن الجنوب خليج البنغال، ومنَ الشَّرق الصِّين وجمهورية تايلاند، ومن الغرب خليج البنغال وبنجلاديش، ويسكن أغلبية المسلمين في إقليم أراكان جنوب غربي بورما، ويفصله عن باقي أجزاء بورما حدٌّ طبيعيٌّ هو سلسلة جبال “أراكان يوما” الممتدَّة من جبال الهملايا.

تحدُّ المرتفعاتُ بورما من الغرب، حيث جبال “أراكان” وهضبة “شين”، وترتفع أرضها في الشَّرق نحو تايلاند ولاوس حيث توجد هضبة التّوائيَّة، وأهم أنهارها “إيراوادي” الَّذي يجري في وسط البلاد من الشَّمال إلى الجنوب في وسط أرضٍ سهليَّةٍ، وقسم من نهر “سلوين” قرب حدودها الشَّرقية، وأحوالها المناخيَّة تتدرج تحت النِّظام الموسمي، وتقلُّ حدَّة الحرارة في الشَّمال، أمَّا الجنوب فحارٌ رطبٌ وتسوق الرِّياح الموسميَّة الجنوبيَّة الغربيَّة أمطارها، فتتساقط في الصِّيف بكمياتٍ وفيرةٍ. وتقدَّر مساحتها بأكثر من 261.000 ميل مربَّع، وتقدَّر مساحة إقليم أراكان قرابة 20.000 ميل مربَّع، ويفصله عن بورما حدٌّ طبيعيٌّ هو سلسلة جبال “أراكان يوما” الممتدَّة من جبال الهملايا.

السُّكان تعدادهم وأجناسهم

في بورما “ميانمار” يزيد عدد السُّكان عن 55 مليون نسمة، ونسبة المسلمين في هذا البلد البالغ لا تقل عن 15% من مجموع السُّكان، نصفُهم في إقليم أراكان- ذي الأغلبية المسلمة- ويختلف سكان بورما من حيث التَّركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للبلاد، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمانيَّة، ويطلق على هؤلاء “البورمان”، وأصلهم من التبّت الصِّينيَّة وهم قبائل شرسة، وعقيدتهم هي البوذيَّة، هاجروا إلى المنطقة “بورما” في القرن السَّادس عشر الميلادي، ثمَّ استولوا على البلاد في أواخر القرن الثَّامن عشر الميلادي وهم الطَّائفة الحاكمة، وباقي السُّكان يتحدثون لغات متعدِّدة، ومن بين الجماعات المتعدِّدة جماعات أراكان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أراكان بورما وجماعات الكاشين.

تصل نسبة المسلمين إلى أكثر من 20%، وباقي أصحاب الدِّيانات من البوذيين “الماغ” وطوائف أخرى. ويتكون اتحاد بورما من عرقيات كثيرة Ethnicities جدًّا تصل إلى أكثر من 140 عرقًا، وأهمها من حيث الكثرة “البورمان”، وهناك أيضًا الـ “شان وكشين وكارين وشين وكايا وركهاين والماغ”، وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات، والمسلمون يعرفون في بورما بـ “الرّوهينغا”، وهم الطَّائفة الثانية بعد “البورمان”، ويصل عددهم إلى قرابة الـ10 ملايين نسمة يمثلون 20% من سكان بورما البالغ عددهم أكثر من 50 مليون نسمة، أمَّا منطقة “أراكان” فيسكنها 5.5 مليون نسمة، حيث توجد كثافة عدديَّة للمسلمين يصل عددها إلى 4 ملايين مسلم يمثلون 70% من سكان الإقليم، وإن كانت الإحصاءات الرَّسميَّة لا تنصف المسلمين في هذا العدد، حيث يذكر أنَّ عدد المسلمين- حسب الإحصاءات الرسميَّة- بين 5 و 8 ملايين نسمة، ويُعدّ المسلمون من أفقر الجاليات في ميانمار وأقلها تعليمًا ومعرفتهم عن الإسلام محدودة.

وبورما بلدٌ زراعيٌّ يعيش ثلاثة أرباع أهلها على الزِّراعة، ويعمل بالزِّراعة 43% من القوَّة العاملة، وأبرز حاصلاتها الأرز، وهو الغذاء الأساسي لمعظم سكانها، ويفيض عن حاجتها وتصدِّر منه كميات كبيرة، وتحتل المكانة الرَّابعة في تصدير الأرز بين دول العالم، إلى جانبه يزرع الذُّرة والبذور الزَّيتيَّة، ثمَّ المطاط وقصب السُّكر والشَّاي، وتشغل الغابات مساحة واسعة تزيد على نصف مساحة البلاد، ولهذا يعدُّ الخشب الجيد من أهم صادراتها، هذا إلى جانب بعض المعادن مثل الرَّصاص والأنتيمون والبترول، حيث دخلت البلاد في سلك الدُّول الَّتي بها مخزونٌ نفطيٌّ، وحصلت “ميانمار” على قروض من الحكومة الصِّينيَّة للتَّنقيب عن مواردها النِّفطيَّة، ووقّعت الشَّركة الوطنيَّة الصِّينيَّة للبترول عقودًا للمشاركة في الإنتاج مع وزارة الطَّاقة في “ميانمار” تغطي مشروعات استكشاف النِّفط الخام والغاز الطَّبيعي في ثلاث مناطق عميقة، والمياه بالقرب من السَّاحل الغربي للبلاد، فقد قامت الشَّركة الوطنيَّة الصِّينيَّة للبترول بدراسة جدوى لاستخراج النِّفط والغاز في “ميانمار”.

التَّاريخ الحديث لبورما

في 1 أبريل 1937 انفصلت “بورما” عن الهند نتيجة اقتراع بشأن بقائها مع مستعمرة الهند أو استقلالها لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة، حيث كانت إحدى ولايات الهند المتَّحدة، وتتألف من اتحاد ولايات هي: بورما وكارن وكابا وشان وكاشين وشن. وفي 1940 قامت ميليشيا “الرّفاق الثَّلاثين” جيش الاستقلال البورمي، وهو قوة مسلحة معنيَّة بطرد الاحتلال البريطاني، وقد تلقَّى قادته “الرّفاق الثّلاثون” التَّدريب العسكري في اليابان، وعادوا مع الغزو الياباني في العام 1941م، ممَّا جعل “ميانمار” نقطة مواجهة خلال الحرب العالميَّة الثَّانية بين بريطانيا واليابان، وفي يوليو 1945 عقب انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية لصالح الحلفاء، أعادت بريطانيا ضم بورما كمستعمرةٍ، حتَّى إنَّ الصِّراع الدَّاخلي بين البورميين أنفسهم كان ينقسم بين موالٍ لبريطانيا أو لليابان ومعارض لكلا التَّدخُّلين، ثمَّ نالت بورما استقلالها سنة 1948م وانفصلت عن الاستعمار البريطاني.

الإسلام في بورما “ميانمار”

وصل الإسلام إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرَّشيد- رحمه الله- في القرن السَّابع الميلادي عن طريق الرَّحالة العرب، حتَّى أصبحت دولةً مستقلَّةً حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التَّوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما بين عامي (834 هـ – 1198 ،1430م – 1784م)، وانتشر الإسلام في كافة بقاع بورما وتوجد بها آثارٌ إسلاميَّةٌ رائعةٌ، منَ المساجد والمدارس والأربطة، منها مسجد “بدر المقام” في أراكان وهو مشهورٌ، ويوجد عددٌ منَ المساجد بهذا الاسم في المناطق السَّاحليَّة في كلِّ منَ الهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند وماليزيا وغيرها، وأيضا مسجد “سندي خان” الَّذي بني في عام 1430م وغيرها.

الاحتلال البوذي لأراكان في عام 1784م احتل أراكان الملك البوذي البورمي “بوداباي”، وضمَّ الإقليم إلى بورما؛ خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، فأخذ يخرب ممتلكات المسلمين، ويتعسَّف في معاملتهم؛ فامتلأت السُّجون بهم وقتل من قتل، ورحل الكثيرون، لقد دمَّر “بوداباي” كثيرًا منَ الآثار الإسلاميَّة منَ المساجد والمدارس، وقتل الكثير من العلماء والدُّعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين “الماغ” على ذلك خلال فترة احتلالهم الَّتي ظلَّت لأربعين سنة، انتهت بمجيء الاستعمار البريطاني، في العام 1824م، فقد احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانيَّة الاستعماريَّة.

مذبحة على يد البوذيِّين

وفي العام 1937م، ضمَّت بريطانيا بورما مع “أراكان”- الَّتي كان يقطنها أغلبية منَ المسلمين- لتكوِّن مستعمرةً مستقلَّةً عن حكومة الهند البريطانيَّة الاستعماريَّة كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية الَّتي لا تغيب عنها الشَّمس خلال الحقبة الاستعماريَّة آنذاك، وعُرفت بحكومة “بورما البريطانيَّة”. وفي العام 1942م تعرَّض المسلمون لمذبحةٍ وحشيَّةٍ كبرى من قِبَل البوذيِّين “الماغ”، بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيِّين البورمان والمستعمرين البريطانيِّين وغيرهم، راح ضحيتها أكثر من “مائة ألف مسلم”، وأغلبهم منَ النِّساء والشُّيوخ والأطفال، وشرَّدت الهجمة الشَّرسة مئات الآلاف منَ المسلمين خارج الوطن، ولا يزال النَّاس- وخاصَّةً كبار السِّنِّ- يذكرون مآسيها حتَّى الآن من شدَّة قسوتها وفظاعتها، ويؤرخون بها، ورجحت بذلك كفة البوذيِّين “الماغ”، وكانت سطوتهم مقدمة لما تلا ذلك من أحداث، وفي العام 1947م قُبيْل استقلال بورما، عُقد مؤتمر في مدينة “بنغ لونغ” للتحضير للاستقلال، ودعيت إليه جميع الفئات والعرقيَّات باستثناء المسلمين “الرّوهينغا” لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير مصيرهم، وفي 4 يناير 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لـ “بورما” شريطة أن تمنح لكلِّ العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما إن حصل “البورمان” على الاستقلال حتَّى نقضوا عهودهم، حيث استمرت في احتلال أراكان دون رغبة سكانها من المسلمين الرّوهينغا والبوذيّين “الماغ” أيضًا، وقاموا بممارساتٍ بشعةٍ ضدَّ المسلمين، وظلَّ الحال على ما هو عليه من قهرٍ وتشريدٍ وإبادةٍ، ليزداد الأمر سوءًا بالانقلاب الفاشي 1962.

الرّوهينغا .. مأساة تسلم لمأساة

منذ استولى العسكريون الفاشيُّون على الحكم في بورما بعد الانقلاب العسكري الَّذي قام به الجنرال “نيوين” عام 1962م بدعم المعسكر الشُّيوعي الفاشي الصِّين وروسيا، يتعرض مسلمو أراكان لكلِّ أنواع الظُّلم والاضطهاد من القتل والتَّهجير والتَّشريد والتَّضييق الاقتصادي والثَّقافي ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدِّين واللغة والشَّكل، كما يتعرضون لطمس الهوية ومحو الآثار الإسلاميَّة، وذلك بتدميرها من مساجد ومدارس تاريخيَّة، وما بقي يمنع منعًا باتًّا منَ التَّرميم فضلًا على إعادة البناء أو بناء أي شيءٍ جديدٍ له علاقةٌ بالدِّين من مساجد ومدارس ومكتبات ودور للأيتام وغيرها، وبعضها تهدَّم على رءوس النَّاس بفعل التقادم، والمدارس الإسلاميَّة تمنع منَ التَّطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو خريجيها. كما توجد محاولات مستميتة لـ”برمنة” الثَّقافة الإسلاميَّة وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسرًا. وأيضًا التَّهجير الجماعي من قرى المسلمين وأراضيهم الزِّراعيَّة إلى مناطق قاحلةٍ تعدُّ مخيمات تفتقد لمقومات الحياة، وتوطين البوذيِّين في “قرى نموذجية” تبنى بأموال وأيدي المسلمين وتسخير المسلمين للمهام الصَّعبة، كالعمل في البناء وتحت حرارة الشَّمس الملتهبة، وشقِّ الطُّرق الكبيرة والثَّكنات العسكرية، دون أي تعويضٍ يعود على المسلمين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات الفاشية الَّتي لا تعرف الرَّحمة.

التَّرحيل والعقاب الجماعي للمسلمين

يتعرَّض المسلمون في “أراكان” للطَّرد الجماعي المتكرر خارج الوطن، مثلما حصل عقب الانقلاب العسكري الفاشي، حيث طرد أكثر من 300.000 مسلمٍ إلى بنغلاديش. وفي العام 1978م طرد أكثر من 500.000 أي نصف مليون مسلمٍ، الآن يعيشون في أوضاع قاسية جدًّا، مات منهم قرابة 40.000 منَ الشُّيوخ والنِّساء والأطفال حسب إحصائيَّة وكالة غوث اللاجئين التَّابعة للأمم المتَّحدة، وبالطَّبع حياتهم محاطة بالمشكلات مع البنغاليين الفقراء وسط موارد محدودة، وفقر بلا حدودٍ، وكل هذا لا يعلم عنه المسلمون في العالم شيئًا، وإن علموا وقفوا مكتوفي الأيدي.

وفي العام 1988م، تمَّ طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النّموذجيَّة للبوذيِّين في محاولة للتَّغيِّير الدِّيموغرافي، وأيضًا في العام 1991م تمَّ طرد قرابة 500.000 أي نصف مليون مسلمٍ، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامَّة الَّتي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقامًا من المسلمين؛ لأنَّهم صوتوا مع عامَّة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الدِّيمقراطي NLD المعارض، ومن الإجراءات القاسية للنِّظام القائم كذلك إلغاء حقّ المواطنة للمسلمين؛ حيث تمَّ استبدال بطاقتهم الرَّسميَّة القديمة ببطاقات تفيد أنَّهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التَّعذيب أوِ الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلًا.

الحرمان منَ التَّعليم

يحرم أبناء المسلمين من مواصلة التَّعليم في الكليات والجامعات، إمعانًا في نشر الأميَّة، وتحجيمهم وإفقار مجتمعاتهم، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، ومن ثمَّ يعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السُّجون، إضافة لحرمانهم من الوظائف الحكوميَّة مهما كان تأهيلهم، حتَّى الَّذين كانوا يعملون منذ حقبة الاستعمار أو القدماء في الوظائف أجبروا على الاستقالة أو الفصل التَّعسُّفي، إلا عمداء القرى وبعض الوظائف الَّتي يحتاجها العسكر، فإنَّهم يعيِّنون فيها المسلمين بدون رواتب، بل على نفقتهم ويدفعون تكاليف المواصلات للعسكر واستضافتهم عند قيامهم بالجولات التَّفتيشيَّة للقرى، ويضاف لذلك منعهم منَ السَّفر إلى الخارج حتَّى لأداء فريضة الحجِّ إلا إلى بنغلاديش ولمدَّةٍ يسيرةٍ، ويعتبر السَّفر إلى عاصمة الدَّولة “رانغون” أو أية مدينةٍ أخرى جريمة يعاقب عليها، وكذا عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة “أكياب”، بل يمنع التَّنقُّل من قريةٍ إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريحٍ.

المسلمون لا حياة لمن تنادي

لا يسمح للمسلمين باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذنٍ مسبقٍ، وأمَّا المبيت فيمنع منعًا باتًّا، ويعتبر جريمةً كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، كما تفرض عقوباتٍ اقتصاديَّةً مثل الضَّرائب الباهظة في كلِّ شيءٍ، والغرامات الماليَّة، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم بسعرٍ زهيدٍ لإبقائهم في فقرهم المدقع أو لإجبارهم على ترك أراضيهم وممتلكاتهم.

مطالب المسلمين في بورما أن تمنح قضاياهم مكانتها اللائقة، والبحث والدِّراسة عنها، بالإضافة إلى توفير فرص التَّعليم لأبناء “الشَّعب الروهنجي”، وتخصيص المقاعد للمنح الدِّراسيَّة في الجامعات بكمياتٍ معقولةٍ، وفتح المعاهد والجامعات، حيث تعدُّ أوضاع المسلمين في بورما مأساويةً، وظلُّوا ضحايا لشتّى أصناف الاضطهاد في مختلف نظم الحكم الَّتي مرت على بورما، حتَّى عهد الاضطهاد المجرد منَ الإنسانيَّة من الحكومة العسكريَّة منذ أكثر من نصف قرنٍ، فيتعرض المسلمون للتَّشريد والتَّهجير والقتل والسِّجن وتوطين الآخرين في أراضيهم وغصب ونهب ممتلكاتهم وتقييد تنقلاتهم.

العالم يدعم الدِّيمقراطيَّة.. ولكن

كانت للصِّين علاقاتٌ قديمةٌ مع “ميانمار” بورما، حيث تلتقي الحدود معها، وتجمعهما البوذيَّة الَّتي يعتنقها الشَّعبان، ولها مصالح منذ الثَّورة الثَّقافية الَّتي أرادت تصدير أفكارها إلى الدُّول المتاخمة لها، وهي الحليف الأوثق للعسكر هناك كما ذكر ذلك موقع الـ BBc، بل هناك اتفاقاتٌ ثقافيَّةٌ للارتباط القديم بين البوذيِّين في كلا البلدين، تجلَّى ذلك خلال زيارة للوفد الثَّقافي الصِّيني، وكانت العلاقات تسير على وتيرتها كعلاقة صداقةٍ وتعاونٍ وذلك في العقود الأخيرة، ولا توجد مشاكل قائمة بين البلدين، وأنَّ الصَّداقة بين “ميانمار” والصِّين راسخةٌ، والتَّعاون على المستوى الثَّنائي والإقليمي والدَّولي بينهما يحقِّق تقدِّما جيدًا.

وتعرضت “ميانمار” لعقوبات أمريكيَّة وأمميَّة على إثر قمع الجيش لثورة الرّهبان البوذيِّين، 20 سبتمبر 2007م، في شوارع “بانجون” كبرى المدن البورميَّة، حيث تحدى عشرات آلاف الرهبان البوذيِّين في “البلاد الإجراءات الأمنيَّة الَّتي فرضها الجيش، ونفذوا مظاهرات حاشدة في اثنتين من كبرى مدن البلاد، في احتجاج سلمي بدأه الرُّهبان للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري المستمر منذ 45 عاماً، وشارك الآلاف في “يانغون” و”مالاوي” المدينة البورميَّة في السَّير بسلامٍ خلف الرُّهبان، وكذلك الكثير من مسئولي الدُّول مثل رئيس الوزراء الإيطالي “رومانو برودي”، ورئيس الحكومة البريطانيَّة “غوردون براون”، والمتحدِّث باسم المفوضيَّة الأوروبيَّة “أماديو ألتافاج تارديو”، ووزارة الخارجيَّة الإسبانيَّة ونظيرتها السنغافوريَّة، وفي كلِّ ذلك لم يتحدَّث أحد عن المسلمين في بورما الَّذين يعانون الأمرَّين.

بحكم المصالح، تراخت الصِّين في شجب الإجراءات القمعيَّة الَّتي قامت بها القوات العسكريَّة الحاكمة مع المطالبين بالدِّيمقراطيَّة منَ الرُّهبان البوذيِّين أو “ثورة الحفاة” كما يحلو للرّهبان تسميتها، ولكن مع الضَّغط على بورما لدعم الدِّيمقراطيَّة الَّتي كانت للبوذيِّين وحدهم، نجد بكّين تؤيد الإصلاح في “ميانمار”، لكنَّها من خلف دعوتها الخجولة للقادة العسكريِّين تخفي الرَّغبة لحماية مصالحها الإستراتيجيَّة والأمنيَّة، المصالح المتبادلة، حيث تحصل الصِّين على قواعد وتسهيلات عسكريَّة في موانئ المطلة على خليج البنغال والمحيط الهندي، وأنَّ العقوبات لن تفيد جهود الوساطة الَّتي يقوم بها الأمين العام للأمم المتَّحدة، ويسهم فى تحقيق الاستقرار والمصالحة والدِّيمقراطيَّة والتَّنمية في “ميانمار”، ولكن بعد رسالة مساعد وزير الخارجيَّة الأمريكية “جون نيجروبونتي” الموجَّهة إلى الصِّين والهند، والَّتي ورد فيها أنَّ من واجب البلدين بصفتهما قوَّتين إقليميتين التَّوقُّف عن تزويد “ميانمار” بالأسلحة والطاَّقة، على إثر عمليات القمع الَّتي قامت بها المجموعة العسكريَّة الحاكمة لتحركات كانت تطالب بالدِّيمقراطيَّة، وذلك في مؤتمر حول آسيا نظمته مجموعة “إنتربرايز إنستيتيوت الأمريكيَّة”: “إنَّ الوقت حان لأنْ تضع بكين ودلهي جانبًا عقود الطاقة الَّتي ملأت جيوب المجموعة الحاكمة وتوقفا مبيعات الأسلحة إلى هذا النِّظام”، ممَّا دعا الصِّين أن تظهر القلق حول الوضع في “ميانمار”.

الوضع المضطرب في “ميانمار” يقلق الصِّين، الجارة الكبرى للبلاد، الَّتي تشترك معها بحدودٍ يتجاوز طولها ألفي كيلومتر عبر أحراشٍ وجبالٍ وأنهارٍ، تشمل جزءًا من أراضي “المثلث الذَّهبي”، مصدر إنتاج وتهريب المخدرات بمنطقة جنوب شرق آسيا، ومن أبرز أهداف الصِّين الإستراتيجيَّة في “ميانمار” محاصرة التَّحالف النَّاشئ بين الهند والولايات المتحدة واليابان وإستراليا، فهذا التَّحالف يهدِّد الصين، لذا فهي تجد أنَّه منَ الطَّبيعي إقامة علاقاتٍ جيِّدةٍ مع هذا البلد المجاور، وبدون دعم الصِّين ربما لن تقوى الحكومة العسكريَّة على الصُّمود، وقد تنهار في أي لحظةٍ، ولكن لم نسمع صوتًا واحدًا يدين القمع الَّذي يتعرَّض له المسلمون الَّذين راحوا ضحايا للمطالبة بالدِّيمقراطيَّة، ويدفعون الثَّمن غاليًا، بينما التَّنظيمات العرقيَّة والدِّينيَّة الأخرى لم تلق من القمع شيئًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …