تناقض العالم .. وأزمتنا الفكرية والنفسية
(1)
مقدمات
عندما تُصدر لك دولة ما نعوشاً وتخفي ما وراء الصورة ، ثم تنطلق وزعماؤها رافعة شعار ” ضد الإرهاب ” فلتتحس عقلك وتبحث عما وراء الصورة ، فالحدث أبداً لم يبدأ عند آخر نعش ولكن مع بداية تحضير العفريت منذ عقود طويلة مع انتهازية الدول الكبرى واحتلال الأراضي والتجزئة والتهجير ، والاستبداد واستعباد الشعوب.
نعوش لبشر قتلوا ببشاعة ودون وجه حق رهائن أو صحفيين أو جنود بسطاء دفعوا هم ثمن إرهاب وعنف زعماء وقادة دول مارسوا هم بأنفسهم الجرائم الأبشع ، فظل العالم في دائرة لا ينفك منها .
دائرة من التناقض قادة وزعماء الإرهاب أرادوا تمريره للعالم ينساق إليه المسلمين من باب الاعتذار عما لم يفعله الإسلام كدين ، في حالة من الانهزام الفكري الذي يعيشون فيه منذ أن نشأت كلمة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر.
وهاهو العالم سيبدأ جولة جديدة من جولات شيطنة الإسلام مستغلاً جرائم تعتبر جرائم جنائية تساوي مثقال ذرة أمام جرائم إبادة جماعية مورست من دول وقادة وزعماء يرفعون شعار الحرب على الإرهاب ويبتزون زعماء عرب ومسلمين بالرخيص ليعلنوا عن اعتذارهم للعالم عن هذه الممارسات التي يقف الشيطان مذهولاً أمام عنفهم هم مع شعوبهم ومعارضينهم.
ليست المشكلة في الإرهاب ولا في العنف ولكن في رد فعلنا نحن المتكرر الذي لا يخرجنا من تلك الدائرة ، فقد بات واضحاً في التاريخ الحديث أن الإرهاب هي الكلمة المطاطة التي تطلق على الخصم كي يُستباح قتله ، لكنها لا تطلق على إبادة الغزاة الأوروبيون لما يقدر بأكثر من مائة مليون هندي من السكان الأصليين ، ولا تطلق على احتلال الأرض وإبادة الإنسان الفلسيطني بأبشع الطرق آخرها قتل 1890 بينهم 447 طفل و14 صحفي في العدوان على غزة في 2014 بمباركة من يقفون إلي جواره.!
ولا تطلق على فرنسا التي قتلت مليون جزائري في الخمسينات وتواطأت في قتل ربع مليون في التسعينات ، ولها طابع صدر في عام 1922 يحمل ذكرى ذبح المسلمين المغاربة، وقد اصطفت رؤوسهم على الجدار، واليوم تتصدر العالم في مسيرة بها من التدليس الذي ظهر في حقيقة الصورة شكلاً وموضوعاً كما كتبت الإندبنت عن حقيقتها.
ولا تطلق على دول وزعماء ساهموا في أكبر موجة من الهجرة الجماعية التي شهدها العالم عام 2014 منذ الحرب العالمية الثانية، مع الحروب في سوريا وليبيا والعراق، وعدم الاستقرار في العالم العربي مما تسبب في تشريد 16.7 مليون لاجئ. بينما تم تشريد ضعف هذا العدد داخليًا في العالم العربي ، كما خاطر 45000 منهم بحياتهم خلال محاولة عبور البحر المتوسط، وارتفع عدد القتلى إلى أكثر من 3000 شخص ، بحسب ما ورد في مقال ترجمته صحيفة التقرير عن ديفيد هيرست- ميدل إيست آي.
(2)
استقبال الحدث
رغم أن هناك تصريحات رصينة كتلك التي أدلى بها رئيس وزراء فرنسا الأسبق دومينيك دو فيلبان ، عندما اعتبر أن ممارسات الغرب هي التي صنعت الإرهاب منذ أن حدث التدخل العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا ومالي ، إلا أن المشكلة ستظل قائمة وسيظل المجرم مجرماً ولو كان دولة والضحية ضحية ولو كان شعباً ، وسيظل المسلمين في أجواء
حراسة الدين والاعتذار عن إجرام البعض كل يوم حتى وإن تعالت أصوات متزنة من هنا أو هناك.
الحقائق ليست غائبة على من يقرأ التاريخ المعاصر جيداً ويعلم متى نشأت كلمة إرهاب وكيف تم تسويقها بالشكل الذي جعل الدعاة والعلماء المسلمون يتبنون الدفاع عن سماحة الإسلام ووسطتيه ورفعوا شعارات مثل حوار الأديان وما شابه ، مما خلق لدى المسلمين شعواً بالدونية أكثر واعتياد على الاعتذار وتبرير كل حدث إرهابي دخيل على الإسلام وأصبحت ثقافة عند المسلمين تم المبالغة فيها، فنشأ ضدها فريق آخر يتفق مع ممارسة العنف ضد الآخر لأنه يستحق ما فعله في خلط واضح بين سياسات الدول وبين الشعوب وبين تراهات مؤسسات مثل صحيفة تشارلي إيبدو وبين تعميم ذلك على أنها مؤامرة كونية من جميع المؤسسات الغربية.
ستبدأ تدعيات المعركة الحالية كالعادة كما حدث في النمسا حيث ناقشت اللجنة الدستورية في البرلمان النمساوي، مشروع “قانون الإسلام”، المثير للجدل، والذي يعتبر المسلمين خطرًا محتملًا، في جلسة مغلقة، بمشاركة خبراء يمثلون الأحزاب السياسية.
ثم في المقابل تبدأ انتشار أخبار دخول أعداد من الأجانب في الإسلام والمبالغة فيها مع بعض الشائعات والأخبار غير الصحيحة التي سيتم تداولها للتنفيس عن الغضبة لما حدث ، ولغة المؤامرة الكونية على الإسلام التي تشبع عند المسلمين شعور المظلومية والضحية كشعوب تميل إلى التفكير العاطفي والشاعرية ولغة البكائيات .
لن يتغير شئ طالما يصر المسلمين على اعتقال أنفسهم في أجواء حراسة الدين شفاهة قولاً وتنديداً واستنكاراً واعتذاراً ، وهم من الداخل يعيشون كم من التناقضات التي تثبت تداولهم للدين الإسلامي عملياً بشكل خاطئ.
الكيل بمكيالين آفة العصر ، ولم نسلم منه كمسلمين ويدل على هشاشة فهمنا لمقاصد الدين ومبادئه ، ففي اللحظة التي يتهم فيها عمرو خالد بأنه من المنافقين والخونة لأنه زار البابا في مصر وهنأه بالعيد ينسى البعض صورة محمد مرسي عندما كان مرشحاً للرئاسة عندما زار الكاتدرائية وآخرها صورة موسى أبومرزوق وهو يترأس وفد حركة حماس إلى الكنيسة للتهنئة بعيد الميلاد.
في الوقت الذي ينصب فيه بعض المسلمين أردوغان وأوغلو على أنهم من حماة الدين بعد وقوفهم الواضح ضد الانقلاب في مصر ، لم ينتبه الكثيرون إلى أن أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا كان في مسيرة فرنسا ضد الإرهاب ، وفي المقابل خبر نقلته وكالة الأناضول عن جاويش أوغلو حول علاقة تركيا بحماس قوله : أننا أقنعنا حماس بأن الوقت الذي سيتم التوصل فيه إلى حل، فإنه سيتضمن الإعتراف بدولة إسرائيل مستقلة”.
هذا التناقض الذي يظهر في كل شئ يجعلنا غير مؤهلين حتى للاعتذار أو الدفاع عن الدين ، ومن الأولى اليوم أن نبحث عن حال تطبيقنا للدين كتداول مدني للحياة وسياسات في كل مجالاتها ، ربما القمع والاستبداد الحالي الذي تمر به المنطقة العربية فرصة لعدم بروز آداء سياسي لمن يحملون خلفية إسلامية لحين توفر الأهلية التي لا تجعلهم سبباً مرة أخرى في تشويه الدين بكم من التنافضات والفجوة بين الشعار والتطبيق.
لن يحدث هذا الأمر والمسلمون يعيشون من منطلق كونهم غرباء عن العالم ، الغربة التي تجعلهم لا يندمجون مع الإنتاج وإحياء الحياة بالقدر الذي يبذلونه في معارك الدفاع والهجوم والتي أغلبها كلامية.
وليتها كلامية من الموجهه للغرب ولكنها كلامية موجهه لنفسه وما وجه للغرب وجه في إطار دفاعي بحت ، لكنه لم يوجه خطاباً عملياً ، حتى اليوم لا نريد أن نفهم العالم ولا نريد للعالم أن يفهمنا .
ستكون جرأة أن أعتبر أن بداية الحل أن نكف عن سجالات الدفاع عن الدين بهذه الطريقة سواء بالاعتذار أو بالهجوم ، ولنعالج تلك الهشاشة والشروخ والغربة التي نصر على أن نغرسها في أنفسنا ، مصدرين للعالم كل عقد من الزمان أننا كائنات مختلفة بيننا وبينها مشكلات وأزمات عبر العصور ، رغم أننا لم نكن سوى رد فعل لكل ممارسات العنف والاضطهاد .
لم نر في العالم أجمع شعوباً تصرف جل عمر أجيالها في إثبات أنها ليست مجرمة ، مجرمي العالم أنفسهم لم يفعلوا ذلك بعد أن غسلوا عارهم وأصبحوا رؤوساء دول وزعماء.
نحن في حاجة إلى الانفكاك الدائم من الشعور بالغربة وكأننا كائنات قادمة من كوكب فضائي ، نحن كمسلمون بشر كأي بشر يعيشون على هذه الأرض منا من يمارس الرذيلة والجرائم ومنا من يعيش مسالماً ، منا من يسرق ومنا الطاهر العفيف . ليس للإسلام ذنب في فهمنا له .
علينا أن نصدر لأنفسنا قبل العالم أن هناك فارق بين المعياري وبين الواقعي .. بين الإسلام كقيم ومبادئ ومُثل وبين الواقع والإجراءات الحياتية التي يمارسها البشر ، فلماذا إذاً يتكرر عند بعض الشباب بعد كل حادث حديث عن التية وعدم الفهم ؟ الإسلام دين أفقه واسع بالشكل الذي يتيح للعقل أن يتداوله بأنماط مختلفة ، وفي ظل أزمات إجتماعية وإقتصادية وسياسية وفي ظل استبداد امتد لقرون فالعقول مشوهة والتعصب مع الانهزامية والشعور بالدونية يسيطران على اللاوعي ،فمن المنطقي أن ينشأ كل هذا التشوه الحادث للدين.
ليست المشكلة إذاً في الإسلام كي نهرع للاعتذار بالنيابة عنه وحراسته بهذا الشكل ، ولكن المشكلة في عقولنا نحن التي جعلتنا لا نبرح ساحة أرادها لنا الأقوى .
……………………………………………………..
نقلا عن موقع” مصر العربية
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …