هل “الهولوكوست” أكثر قداسة من النبي محمد؟
أنا مسلم أعيش في أوروبا منذ أربعين عاما.. لست إرهابيا ولن أكون.. فلماذا أوضع وعشرة ملايين مثلي في حال دفاع عن النفس في كل مرة تتعرض مؤسسة أوروبية لهجوم إرهابي..
وهل اعتذر 300 مليون أمريكي لضحايا حربهم في العراق؟ أو 66 مليون فرنسي لقصفهم ليبيا؟. ثم هل “الهولوكوست” أكثر قداسة من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قال: “إننا نواجه حربا” ولم يحدد طبيعة هذه الحرب، الأمر الذي دفع رئيس وزرائه مانويل فالس إلى التأكيد بأن فرنسا “في حرب ضد الإرهاب وليس ضد دين ما”، في إشارة “مغمغمة” إلى الإسلام، بينما ذهب بعض الكتاب الفرنسيين إلى درجة القول “إن فرنسا تواجه هجمات مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر”.
ما حدث في فرنسا “جريمة” يريد البعض استغلاله وتحويله إلى حرب ضد الإسلام والمسلمين، وتحميل المسلمين في فرنسا والعالم بأسره المسئولية عنها، ومن لا يدينها أو يتبرأ منها بشكل مباشر مشروع فهو مجرم أو إرهابي.
لماذا نوضع كمسلمين في أوروبا في حال الاتهام، ونطالب بالدفاع عن النفس؟ ولماذا هو مطلوب من كل واحد من العشرة ملايين مسلم أوروبي أن يشارك في المظاهرات المنددة بالإرهاب، وأن يقدم صك براءة من منفذي هذا الهجوم، حتى يتم القبول به كمواطن سوى يستحق العيش الكريم بعيدا عن الشبهات؟.
نسأل مرة أخرى: هل طالبنا أكثر من 300 مليون أمريكي أن يتبرءوا، الواحد تلو الآخر، من العدوان الأمريكي على العراق، الذي رمّل مليون امرأة ويتَّم أربعة ملايين طفل بناء على أكاذيب ومعلومات جرى تلفيقها خصيصا لتسويق هذا العدوان؟.
نسأل للمرة الثالثة: ألم ترسل الحكومة الفرنسية طائراتها إلى ليبيا لتقصف جنودا ومواطنين ليبيين، والآن سوريين وعراقيين؟ وهل طالبنا الشعب الفرنسي بالاعتذار لنا أو تنظيم المسيرات تضامنا مع ضحايانا؟ أو رفع لافتات نقول “كلنا عمر” أو “خالد” أو “مصطفى” مثلا؟ وأمريكا اعترفت قبل أربعة أيام فقط أنها تحقق في سقوط مدنيين سوريين من جراء قصف طائراتها.
***
مساجد إسلامية في فرنسا تعرضت لإطلاق رصاص ورءوس الخنازير وأمعاؤها علقت على أبواب بعضها، وكتب على أحد جدرانها الموت للعرب، واليمين المتطرف يسن أسنانه للانتقام، والجالية الإسلامية الفرنسية والأوروبية عموما في حال من القلق والخوف من هجمات ارهابية.
هؤلاء الثلاثة الذين نفذوا الهجوم على المجلة الفرنسية قتلوا برصاص الأمن الفرنسي، وذهب سرهم معهم، وكنا نتمنى لو بقي واحد منهم على قيد الحياة حتى نعرف التفاصيل كاملة، والجهة التي يمثلها، وهل هي إسلامية أو غير إسلامية لوضع حد للتأويلات والأحكام المسبقة، تماما مثلما جرى قتل محمد مراح مقتحم المدرسة اليهودية في تولوز عام 2012.
وفي كل الأحوال، فإن هؤلاء الثلاثة لا يمثلون ستة ملايين مسلم في فرنسا، ولا يجب أخذ هؤلاء بجريرة هجومهم، والتحريض بالتالي ضدهم ووضعهم في خانة الاتهام؛ لأن هذا سيؤدي إلى حرب حقيقية، ليس ضد الإرهاب، وإنما ضد السلم الاجتماعي والتعايش والاستقرار، وهي حرب سيكون الجميع وقودها دون أي استثناء، وعلى القادة الأوروبيين أن لا ينسوا أننا شركاء في البحر المتوسط، ويجب أن نحوله إلى بحيرة سلام وتعايش واستقرار.
نعم كلنا “تشارلي إيبدو” في الوقوف في وجه العنف والقتل والإرهاب، بدلا من الحوار والتعبير السلمي عن وجهة النظر، ولكننا نقول “لا” كبيرة لها في مواقفها المتطاولة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجرح مشاعر مليار ونصف المليار مسلم بالتالي، والتحريض ضد المسلمين والمهاجرين عموما.
المجلة ورئيس تحريرها ورساموها يدركون جيدا أن أكثر من 500 مسلم قتلوا في مظاهرات الاحتجاج التي انفجرت ضد نشر الرسوم المسيئة للرسول، فأعادوا نشرها استفزازا وتحديا، وشاهدنا السيدة أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، تكرم رسام الكاريكاتير الذي رسمها في احتفال عام.
منذ عام 2006 والمجلة تعيد نشر هذه الرسوم وغيرها نكاية بالمحتجين، فهل هذه “حرية التعبير”؟ نفهم ولا نتفهم النشر مرة واحدة أو اثنتين، لكن أن يتحول الأمر إلى مسلسل طويل من الإهانات والاستفزازات، فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق، مع رفضنا في الوقت نفسه أن يتم اللجوء إلى القتل لمحرري المجلة ورساميها كرد فعل على ذلك.
للمرة الألف نقول: إن المسألة ليست قضية حرية تعبير، وإلا لكانت دول وصحف غربية عديدة أعادت نشر الرسوم المسيئة، فهل الصحافة البريطانية أو شبكة تلفزيون “بي بي سي” والمحطات البريطانية الخاصة الأخرى أو صحف فرنسية محترمة مثل “اللوموند” ضد حرية التعبير عندما رفضت نشر مثل هذه الرسوم؟.
دول أوروبية عديدة اعتبرت أي محاولة لإنكار “الهولوكوست” أو التشكيك بأرقامه جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن سبع سنوات، ويقبع الآن خلف القضبان المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ في النمسا تطبيقا لهذه العقوبة، فهل “الهولوكوست” أكثر قداسة من رسول يمثل أكثر من مليار ونصف المليار مسلم؟.
حكومات وبرلمانات أوروبية غيرت قوانينها وأسقطت الجنسية عن مواطنين مسلمين متهمين بالتورط في الجهاد في الصومال وسوريا والعراق، وهؤلاء ذهبوا إلى هناك تماهيا مع سياسات هذه الحكومة ودعمها للمعارضة السورية المسلحة، وتمجيدها للجهاديين الذين يضحون بأرواحهم من أجل الإطاحة بنظام ديكتاتوري في دمشق، فلماذا لا تصدر قوانين وتشريعات تجرم من يتطاول على الرسل والأنبياء جميعا دون أي استثناء، وتعفينا من هذا المسلسل الدموي الذي يتكرر كل عام؟ ولتتوقف حرية التعبير بشكل استثنائي عندما يتعلق الأمر بالأنبياء والرسل، فأين الكارثة؟ فلعل ذلك يحقن دماء كثيرة، ويؤدي إلى التعايش والتواصل بين الشعوب وهي من أبرز تعاليم كل الديانات ورسلها.
***
المسلمون في أوروبا مواطنون لهم حقوق المواطنة مثل الآخرين، والتعرض لهؤلاء من اليمين أو اليسار أو الوسط سيصب في مصلحة المتطرفين منهم، ويجب التذكير بأن ضحايا الجماعات الإسلامية المتشددة من المسلمين أكثر عشرات آلاف المرات من المواطنين الغربيين، فهؤلاء ليسوا “عنصريين” في القتل والإرهاب، ولكن الذين يحرضون ضد المسلمين في أوروبا يفعلون ذلك من منطلق عنصري بحت.
مثلما يطالب البعض المسلمين بالانضباط والاعتدال وإدانة هجوم المجلة المذكورة، فإننا نطالب الإعلام الأوروبي وحكوماته أيضا بالحكمة والتعقل، والبعد عن كل أشكال التحريض التي تؤدي إلى إرهاب أبناء الجالية الإسلامية، وإثارة القلق في صفوفهم، والتعاطي معهم كمتهمين عليهم إثبات براءتهم، في عصر تتعاظم فيه ظاهرة الإسلاموفوبيا ومعها ظاهرة العنصرية البغيضة وأحزابها، ويكفي الإشارة إلى أن نصف الألمان يعتبرون المسلمين أعداء في آخر استطلاع للرأي.
ربما لا يعجب كلامنا هذا الكثير من الذين يقولون إنهم مع حرية التعبير، حتى من مسلمين يرفعون شعار “كلنا شارلي إيبدو، ولكننا نقوله من المنطق نفسه، أي الحق في التعبير وقول كلمة حق قد تبدو تغريدا خارج السرب.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …