‫الرئيسية‬ أخبار وتقارير فورين بوليسي: معضلة واشنطن مع جيش مصر تُحسم بدعم الديكتاتورية
أخبار وتقارير - يناير 9, 2015

فورين بوليسي: معضلة واشنطن مع جيش مصر تُحسم بدعم الديكتاتورية

حذر تقرير لمجلة “فورين بوليسي” من مخاطر مواجهة جيش مصر صراعين عبر جبهتين مختلفتين في سيناء وليبيا، وحذر من عدم نجاح الجيش في كسر الهجمات الإرهابية في سيناء برغم اتباعه سياسة الأرض المحروقة هناك، وأرجع هذا لخلل في منظومة الجيش وسعيه لتكديس السلاح دون عقيدة قتالية جديدة تعتمد على تقليل حجم السلاح الثقيل، ورفضه النصائح الأمريكية، لعدم ثقة الضباط المصريين بالولايات المتحدة وأهدافها في بلدهم.

وفي تقرير بعنوان “كيف نقنع جنرالات مصر بقبول الرؤية الأمريكية لتغيير عقيدة الجيش؟”، حذر الباحث “ستيف كوك” من أن عقيدة الجيش المصري القتالية لا تزال كما هي، والمؤسسة العسكرية المصرية تفضل خوض حروبها بالطريقة ذاتها التي خاضتها قبل 41 عاما، وترفض تغيير عقيدتها القتالية رغم النصائح الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن عدد قتلى الجيش المصري منذ تصاعد وتيرة العمليات التي أعلنت عنها الجماعة المعروفة باسم أنصار بيت المقدس في سيناء بلغ 190 قتيلا، وهو أعلى رقم يتكبده الجيش المصري منذ انقلاب عام 2013.

وفي آخر عملية لأنصار بيت المقدس، التي سجلها على الفيديو ونفذها في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وقتل فيها 30 جنديا مصريا، وقد سجل التنظيم، الذي أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر ولاءه للدولة الإسلامية في العراق والشام، تفاصيل العملية والتي أرفقها بأناشيد إسلامية، وسجل الاشتباكات والآثار التي تركتها العملية لاحقا من جثث متفحمة ودبابات محروقة ومدمرة بين أشجار النخيل، حيث كانت تقع نقطة الجيش المصري التي هوجمت.

ويرى ستيف كوك أن الأزمة الجارية في شبه صحراء سيناء تزيد من خطورتها الأزمة التي تتجمع للغرب منها في ليبيا المتفجرة، ما يعني أن مصر قد تواجه تمردين على جبهتين.

فشل في سيناء

ويقول تقرير “فورين بوليسي، “إنه لا يوجد ما يوحي بأن شيئا مما عمله المصريون قد نجح في سيناء، بما في ذلك سياسة الأرض المحروقة، في الرد على الهجمات الإرهابية وتفريغ القرى من أهلها بشكل كامل، وهي سياسات تسير ضد المبادئ الأساسية لحرب مكافحة التمرد”.

وأضافت أنه “حتى يتم تحقيق انتصار على الجهاديين في مصر، تحتاج مصر من الولايات المتحدة ردا مختلفا عن الرد الذي تنفذه الآن في العراق، بعدما قررت الولايات المتحدة نشر ثلاثة آلاف جندي ومستشار عسكري، وتقوم بضرب مقاتلي الدولة الإسلامية من الجو، ويحدد هذا (الرد المصري المطلوب لأمريكا) بأمرين هما: المال والثقة”.

وهنا سرد التقرير ما اعتبره “الصورة الساخرة الكاريكاتيرية” عن الجيش المصري لدى أمريكا، وهي “أنه مجموعة من الضباط يركزون جهدهم وتفكيرهم على شراء دبابات “إم1 إي1” ومقاتلات “إف-16″ من الولايات المتحدة”.

مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة تحاول، وطوال العقد الماضي، دفع المصريين باتجاه تغيير عقيدتهم القتالية وتكييفها”، للاستجابة لما تدعوها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) “تهديدات القرن الحادي والعشرين”، مثل الإرهاب وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، إلا أن “المسئولين الأمريكيين لم ينجحوا كثيرا في إقناع المصريين بتغيير الاتجاه”.

وأشار التقرير إلى برقيات وزارة الخارجية الأمريكية التي سربت عبر وثائق ويكيليكس، والتي كشفت كيف وقف المسئولون العسكريون المصريون في وجه جهود نظرائهم الأمريكيين، قائلا: “على ما يبدو لا يزال الأكلاشيه القديم الذي تتبعه المؤسسة العسكرية المصرية لخوض حروبها سيظل كما هو في آخر حروبها بالطريقة ذاتها التي خاضتها قبل 41 عاما”.

خلاف حول العقيدة القتالية

وحول الخلاف الأمريكي المصري فيما يخص “العقيدة القتالية”، الذي يتلخص في رغبة أمريكا في أن تقلص مصر شراء الطائرات والدبابات، وتعتمد عقيدة قتالية مختلفة، يشير تقرير “فورين بوليسي” لما يسميه “عناد القاهرة الظاهر”، ويصف موقف مصر بأنه “مرتبط أكثر بالرغبة اللاعقلانية والمتعطشة للحصول على معدات عسكرية جديدة”.

ويشير لقول ضابط مصري أثناء نقاش خاص حول العقيدة القتالية المصرية “أي جيش سيكون لدينا إن لم تكن لدينا طائرات ودبابات؟ لا نريد أن نكون قوة شرطة”، موضحا أنه “مما لا شك فيه أن الضابط كان يحاول تجنب موضوع يفضل الضباط المصريون عدم مناقشته (أي زيادة شراء الطائرات والدبابات)، ولكنه يكشف عن عدم ثقة الضباط العميقة بالولايات المتحدة وأهدافها في مصر”.

وذكر أنه “بعد أكثر من عقد شهد توترا بين واشنطن والقاهرة، ما يحتاجه الضباط هو أن يحصلوا على تأكيدات من الولايات المتحدة بدعمهم، وأفضل ما يعبر عن هذا الدعم هو تزويدهم بطائرات “إف-16″ وأباتشي ودبابات متقدمة”، و”حتى تفعل الولايات المتحدة أمرا يبدد شكوكهم، فلن تحقق أي شيء مع المصريين في القضايا المتعلقة بسيناء وأمن الحدود التي تضر بمصالح البلدين”.

فقدان الثقة بين الطرفين

ويستغرب “كوك” من عدم ثقة الضباط المصريين بواشنطن، منوها بأنه “منذ السبعينات من القرن الماضي، أنفق دافعو الضرائب الأمريكيون 40 مليار دولار أمريكي على وزارة الدفاع المصرية، وعندما نشر المصريون 35 ألف جندي في السعودية عام 1990، للمشاركة في عملية “عاصفة الصحراء”، قامت إدارة الرئيس جورج بوش مع الدائنين العرب لمصر بإلغاء عشرين مليارا من الديون المستحقة على مصر”.

وأضاف أن واشنطن أٌقنعت “نادي باريس” بإعفاء مصر من دفع 10 مليارات دولار أخرى، أو نصف الديون المستحقة على مصر للدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واليابان، وعندما خاضت مصر في التسعينات من القرن الماضي حربا ضد الإرهاب وقفت الولايات المتحدة إلى جانب مصر.

تعليق السلاح لمصر لم يضرها

ونوه التقرير إلى أنه “في الحالات التي حاولت فيها الولايات المتحدة فرض عقوبات على مصر، فإنها فعلتها بطريقة لا تؤثر على أمن المصريين”، بحسب تقرير فورين بوليسي.

وأضاف “قد يكون الرئيس باراك أوباما قد علق تسليم مصر 20 طائرة “إف-16” و10 مروحيات أباتشي و125 دبابة “إم1 إي1” و20 صاروخا من نوع “هاربون” في الأيام التي أعقبت الانقلاب على حكومة محمد مرسي، ولكن هذا القرار لم يترك إلا أثرا هامشيا على قدرة مصر لمحاربة الجهاديين في سيناء، كما أن أمريكا سلمت مصر مؤخرا مروحيات الأباتشي، إلا أن “إف-16” والدبابات وصواريخ “هاربون” لا تزال في المخازن”.

وتابع التقرير أنه “حتى لو كانت هذه المعدات مهمة لعمليات مكافحة التمرد في سيناء، وهو أمر محل نقاش، إلا أن المصريين لديهم الكثير منها، إذ تعد مصر رابع دولة في العالم تمتلك طائرات “إف-16″، حيث بحوزتها 220 طائرة، ولديها العشرات من مروحيات أباتشي وأسطول من الدبابات، ومع ذلك وبناء على الدعم الأمريكي السابق، فلدى المؤسسة العسكرية أسباب جيدة لتشك في الولايات المتحدة”.

أسباب الشكوك المصرية في أمريكا

وتحدد دراسة “فورين بوليسي” عددا من الأسباب التي تري أنه بسببها يشك الضباط المصريون في نوايا أمريكا حينما تطالبهم بتغيير عقيدة الجيش القتالية أبرزها:

1- أن الجميع في مصر يحلو لهم وصف الدعم الأمريكي لمصر بالكريم، لكنه بطيء ومكلف للمصريين، فالمبلغ الذي خصصته الولايات المتحدة لمصر، وهو 1.3 مليار منذ عام 1987 لا يمثل إلا نصف قيمته الأصلية بسبب التضخم، وعليه فلا تستطيع مصر شراء ما تريده مثلما كانت تفعل في السابق.

2- يرى المصريون أن التعاون الاستراتيجي بين مصر وإسرائيل هو الأفضل منذ عام 1979، أي منذ توقيع معاهدة السلام، إلا أن المصريين يعبرون عن غضبهم من “المعاملة التفضيلية” التي تعامل بها واشنطن إسرائيل، فالأسلحة التي تمنحها للمصريين، تظل أقل قيمة مما يستطيع الإسرائيليون شراءه، وكمثال قد تبدو طائرات “إف-16” متشابهة، إلا أن الالكترونيات المتوفرة في الطائرات الإسرائيلية تجعلها أكثر قدرة من تلك المرسلة للمصريين.

ويرى كوك أنه بعيدا عن تفاصيل الدعم العسكري، فالمؤسسة العسكرية المصرية لم تفهم سبب لومها على الديكتاتورية التي حكمت من خلالها مصر، حتى قبل انتفاضة عام 2011، التي أطاحت بحكم حسني مبارك.

عدم الثقة في الأمريكان زادت

ويبين كاتب التقرير أنه “بدءا من جورج دبليو بوش وإدارته، توصلت قيادة الجيش المصري والنخبة المصرية بشكل عام لنتيجة أن الولايات المتحدة لم تعد مخلصة للنظام الذي كان سائدا، وتأكدت هذه الشكوك عندما حدثت الثورة وتكيفت الولايات المتحدة مع انتصارات الإخوان المسلمين في صناديق الاقتراع”.

ويقول: إن قرار باراك أوباما بتعليق تسليم المساعدات العسكرية بعد انقلاب رئيس الجيش عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح في 3 يوليو 2013 بمرسي، جاء ليزيد من تصلب مواقف الضباط المصريين أكثر.

وأضاف أن “الضباط المصريين يرفضون الاعتراف بحقيقة أنهم كانوا المستفيدين والداعمين الرئيسيين للنظام غير الديمقراطي، وينسون ما قالته واشنطن من أن سياساتهم أنتجت تشددا، وجعلت الولايات المتحدة هدفا للإرهابيين”، ولكنها- أي واشنطن- “تواصل تقديم المحاضرات للمصريين وتقرعهم على نتائج سياساتهم التي جلبت الدمار والموت”.

وتتهم المجلة مصر بأنها تتبع سياسة قمعية “تصنع تشددا وتسهم في العنف الذي يحاول المسئولون في القاهرة قصدا تجاهله”، ولكن “النفاق والإصلاح الذاتي الموجه من الأمريكيين يظهر للمصريين أن واشنطن لم تعد ملتزمة بمصر كما كانت في الماضي”.

وتنوه المجلة بأن أساس العلاقات بين واشنطن والقاهرة إما لم يعد موجودا، والذي كان يقوم على احتواء الاتحاد السوفييتي السابق واستخدام مصر قاعدة في حال نشأت أزمة في الخليج الفارسي، أو أنها لم تعد ملحة ومهمة كما كانت في العقود السابقة، منذ معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.

ويشدد تقرير المجلة الأمريكية على أن العلاقات المتغيرة مع واشنطن تدفع وزارة الدفاع المصرية لتعاون وتنسيق وثيق مع الإسرائيليين والإماراتيين، وتتجه كذلك لمغازلة الروس، وهو أمر مثير للقلق.

وينوه تقرير فورين بوليسي إلى أن العلاقات الأمريكية- المصرية ستستمر بالتغير، وإن المنطق الذي قامت عليه خلال العقود الثلاثة الماضية لم يعد قويا كما كان؛ لأن الطبيعة القمعية التي يحكم من خلالها السيسي أدت إلى توتر العلاقات أكثر مع واشنطن.

لا حل للمعضلة إلا بالمال

ويختم التقرير بتحديد طبيعة المعضلة بين الطرفين، مؤكدا “أن هناك قضايا أمنية تهم وتؤثر على مصالح البلدين، وبينها استمرار الملاحة البحرية في قناة السويس وقمع الجماعات الجهادية في سيناء والحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل، وهذا كله يحتاج لدرجة من الثقة بين واشنطن والقاهرة، والطريقة الوحيدة لإقناع المصريين بأن الولايات المتحدة تقف معهم وبقوة ضد الإرهاب هي تزويدهم بالمال”.

ومع أن كاتب التقرير يرى أن هذا (استمرار دعم أمريكا لمصر بالمال والسلاح)، “قد يكون تفكيرا منحرفا لأنه منحرف بالفعل”، بحسب تعبيره، فهو يري أنه “من أجل دفع المصريين للتعامل مع مشكلة الإرهاب بطريقة فاعلة، يجب على واشنطن تخصيص أموال أكثر لدعم مصر عسكريا”، مشيرا إلى أن “رزمة المساعدة العسكرية تأتي ضمن المساعدة التي تبلغ 1.3 مليار دولار، ما يقلل من فاتورة شراء المعدات ذات السعر العالي مثل الدبابات والطائرات”.

ويؤكد أن “واشنطن بحاجة لإظهار التزامها لمساعدة المصريين في معالجة الأزمة الأمنية من خلال زيادة رزمة المساعدات المالية، وإضافة مساعدات مالية جديدة تخصص فقط لمكافحة التمرد؛ أي تزويدهم بالتكنولوجيا والتدريب والاستشارة، وبناء عليه فسيحصل المصريون على الدبابات والطائرات، ولن يخشوا من تحول جيشهم إلى قوة شرطة”، كما يقولون.

ويشدد على أن “تحالف مكافحة الإرهاب والمؤيدين لإسرائيل ولوبي الصناعة العسكرية سيكونون سعداء لو عادت العلاقات العسكرية مع مصر كما كانت في الماضي”.

الديمقراطية أم المصالح؟

ولكنه يعود ليقول: إن “فكرة زيادة المساعدة المالية لمصر من الصعب هضمها”، ويتساءل: “كيف نعطي أموالا إضافية لقيادة سجنت عشرات الآلاف، وقتلت ما بين 1000 – 2500 شخص، وتقيد حرية التعبير، وتجبر المعارضة على منفى اختياري، وهذا كله باسم مكافحة الإرهاب؟”.

ويقول: إن هناك من ينتقد تقديم دعم للجيش المصري باعتباره سيدعم عودة العلاقات الأمريكية – المصرية لأسوأ مما كانت عليه في عهد مبارك، “لأن أمريكا ستظهر بمظهر من تكافئ السيسي على قمعه”.

ولكن الداعمين لفكرة الدعم العسكري للجيش المصري حاليا يبرر هذا “بأنها طريقة لدفع النظام كي يغير أسلوبه، ولا يلتفتون كثيرا لشعبية السيسي، وتفكيك قطاع كبير من المجتمع المصري ووقفه عن النشاط والحراك”، ولأن التعاون العسكري القوي بين مصر وإسرائيل يؤدي لنتائج سلبية، بحسب المجلة.

وفي الختام تقول فورين بوليسي “لا توجد إجابات سهلة لهذه المعضلات كلها، ولكن علينا التذكر بأن قدرة واشنطن لدفع النظام لتغيير تصرفاته أثبتت مرة بعد مرة أنها محدودة، وأن هدف سياسة أمريكا الخارجية ليس فقط نشر الديمقراطية ولكن التصدي للإرهاب، وفي هذه القضية (الإرهاب) يمكن أن تترك الولايات المتحدة شيئا مفيدا، هذا إن كانت مستعدة لدفع الثمن”.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …