لماذا غابت الذكرى الـ 18 لرحيل الشيخ كشك عن الإعلام المصري؟
بعد 18 عامًا على رحيل الشيخ عبد الحميد كشك، تطل ذكراه باهتة في وسائط الإعلام المصرية التي لطالما احتفت بالفنانين والمغنيات ولاعبي الكرة، فيما غيّبت عمدا أو سهوا ذكرى فارس المنابر ومحامي الحركة الإسلامية.
ورغم ذلك، لا تزال تسجيلات الشيخ وخطبه يحفظها محبوه عن ظهر قلب، مبدين إعجابهم بجرأته في الحق، وشجاعته التي كثيرا ما وضعته في موقع الاصطدام بالسلطة وخاصة بعد معاهدة كامب ديفيد حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام، وأخذ يستعرض صور الفساد في مصر في الحياة العامة.
إنه الشيخ عبد الحميد كشك، الكفيف المبصر أو كما يلقب بفارس المنابر، أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي، الذي لم يكتف بدور الداعية فقط فطرق باب السياسة، ودخل في دروبها، ولم ينج منه أحد من الرؤساء الثلاثة (عبد الناصر والسادات ومبارك)، حتى أصابته ويلاتها وسجن في المعتقلات، حيث اعتقل عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي، وتعرض للتعذيب رغم أنه كان كفيفا.
ورغم منع كشك من الخطابة، بسبب انتقاداته اللاذعة للزعماء ومن معهم من مسئولين خذلوا الناس، أو سقطوا في شرك الفساد، فقد رفض كشك عروض دول الخليج واستقدامها إياه؛ في الوقت الذي يهرول فيه دعاة هذا العصر نحو الدول العربية، لكن الشيخ تحمل مصيبته في بصره وفقره، ورفض أن يسافر بحزم معتبرا أن “الخروج من مصر وترك الدعوة فيها يشبه التولي يوم الزحف”.
نبوءة القذافي
كما أن انتقادات كشك للزعماء لم تقف الحدود حائلا أمامها، فطالت انتقاداته زعماء ليبيا والسودان وإيران ودول الخليج، حيث واجه فساد بعض الحكام من فوق منبره ومن هؤلاء الذين واجههم الشيخ، وكان لهم نصيب من التنبؤات التي تنبأ بها وتحققت بعد وفاته بما يقارب الثلاثين عامًا موتة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي أعادت وفاته إلى الأذهان الخطبة الشهيرة التي تحدث فيها الشيخ كشك عن لفظ الأرض له ورفضها لجسد القذافي بعد موته.
وفي خطبته تلك قال الشيخ موجها كلامه للقذافي: “غدا ستموت، وما أدراك أنك بعد موتك ستأكلك الأرض؟ سيأبى التراب أن يأكلك، وسنقول لك بعد موتك يا قذافي: لفظ الثرى جثمانه وتطهرا، ورماه في جيف المجاري منكرا، لا تحسبوا تحت التراب عظامه، أبت المقابر أن تكون له ثرى”.
لم يكن أحد حينها أن نبوءة الشيخ الكفيف ستتحقق نصًّا، وسيؤتى بالقذافي من مواسير المجاري، وسيظل جثمانه معروضا أمام العامة أياما عدة في ثلاجة عرض بعدما رفضوا دفنه، وفي النهاية جرى دفنه في مكان مجهول بعدما الشيخ صادق الغرياني مفتي ليبيا الصلاة عليه في مساجد المسلمين، أو إقامة صلاة الجنازة من قبل عامة المسلمين وشيوخ المسلمين والعلماء والأئمة.
تسجيلات كشك
ورغم أن للشيخ كشك أكثر من 2000 خطبة مسجلة، على مدار أربعين عاما، فإنه لم يسجل له أنه أخطأ ولو لمرة واحدة في اللغة العربية.
ويعد الشيخ كشك أول من نجح في الانتشار الواسع في مختلف بلدان العالم الإسلامي، بداية من مصر والدول العربية ومرورا بمسلمي أوروبا وإندونيسيا والجمهوريات الإسلامية التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي وماليزيا وغيرها من بلدان آسيا، في الزمن الذي لم يكن فيه فضائيات ولا شبكات الإنترنت التي تنقل الخبر في أجزاء من الثانية.
ووصف ذلك الانتشار الواسع لخطبه، كتاب «جيلز كيبل» الذي يحمل اسم «النبى والفرعون» حيث ورد به فصل كامل من عشرين صفحة عن الشيخ كشك، ويتحدث عن هذا الانتشار الرهيب الذي حققه الشيخ في الدول الإسلامية المختلفة قال جاء فيه: (إنهم يستمعون لكشك في القاهرة، وفى الدار البيضاء، وفى مارسيليا، فهو نجم الدعوة الإسلامية، وقد كان لكشك بالطبع مقلدوه، ولكن لم يتوافر لأحدهم أحباله الصوتية التي لا تُضاهَى، أو ثقافته الإسلامية الواسعة، وقدرته غير العادية على الارتجال، وروحه الجسور في نقده للأنظمة، والديكتاتورية العسكرية، ولمعاهدة السلام مع إسرائيل، ولتواطؤ الأزهر).
والشيخ عبد الحميد كشك ولد بمصر عام 1933م في قرية شبرا خيت من أعمال محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية، وفقد بصره في سن مبكرة بسبب مرض أصابه، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الثامنة من عمره، وحصل على الشهادة الابتدائية، ثم حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية بتفوق والتحق بكلية أصول الدين وحصل على شهادتها بتفوق أيضًا.
وفي أوائل الستينيات عين كشك خطيب مسجد الطيبي التابع لوزارة الأوقاف بحي السيدة بالقاهرة، ثم إمام مسجد عين الحياة بشارع مصر والسودان في منطقة دير الملاك، وتعرض للاعتقال عام 1966 خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وقد أودع سجن القلعة ثم نقل بعد ذلك إلى سجن طرة وأُطلق سراحه عام 1968، وقد تعرض للتعذيب رغم أنه ضرير لكنه احتفظ بوظيفته إمامًا لمسجد عين الحياة.
معارضته أموال الخليج
وفي عام 1972 ذاع صيت الشيخ كشك بشكل غير مسبوق، وحضر الصلاة معه حشود هائلة من المصلين، لكن صدامه مع السلطة عاد مجددا عام 1976 بعد معاهدة كامب ديفيد، حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام، واستعرض صور الفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة، وقد ألقى القبض عليه عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس المصري محمد أنور السادات، وقد أفرج عنه عام 1982 ولم يعد إلى مسجده الذي منع منه كما منع من الخطابة أو إلقاء الدروس.
ولم يغادر الشيخ عبد الحميد كشك مصر إلى أي من البلاد العربية أو الإسلامية إلا لحج بيت الله الحرام عام 1973م، وتفرغ للتأليف حتى بلغت مؤلفاته 115مؤلفًا، على مدى 12 عامًا أي في الفترة ما بين 1982 وحتى صيف 1994، منها كتاب عن قصص الأنبياء وآخر عن الفتاوى وقد أتم تفسير القرآن الكريم تحت عنوان (في رحاب القرآن)، كما أن له حوالي ألفي شريط كاسيت هي جملة الخطب التي ألقاها على منبر مسجد (عين الحياة).
وكان للشيخ كشك بعض من آرائه الإصلاحية للأزهر إذ كان ينادي بأن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخابات لا بالتعيين وأن يعود الأزهر إلى ما كان عليه قبل قانون التطوير عام 1961 وأن تقتصر الدراسة فيه على الكليات الشرعية وهي أصول الدين واللغة العربية والدعوة، وكان الشيخ عبد الحميد يرى أن الوظيفة الرئيسية للأزهر هي تخريج دعاة وخطباء للمساجد التي يزيد عددها في مصر على مائة ألف مسجد. ورفض كذلك أن تكون رسالة المسجد تعبدية فقط، وكان ينادي بأن تكون المساجد منارات للإشعاع فكريًا واجتماعيًا.
وقد لقي ربه وهو ساجد قبيل صلاة الجمعة في 6/12/1996 وهو في الثالثة والستين من عمره رحمه الله رحمة واسعة.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …