‫الرئيسية‬ مقالات من هنا يأتي النصر
مقالات - مارس 7, 2018

من هنا يأتي النصر

هل أتاك حديث المبطلين الذين تواصوا على إفكهم وحض الملأ منهم أتباعهم على الصبر فيه والثبات عليه والمضيّ قدمًا في شيوعه وترويجه وغلبته؟.. استمع: “وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم..”.. امشوا واصبروا.. فما بالك بمن كان الحق مسلكه والإصلاح مسعاه وهداية الناس غايته!!

إن ثبات المؤمن في الشدائد نفحة خالصة من نفحات الله وكريم فضله ومنّته على من لطف به من عباده، مهما بلغ عمله وفطن عقله وصفى قلبه، ولو كان أكرم عباده عليه – صلى الله عليه وسلم – الذي أُلهم هذا فكان كثيرًا ما يقول: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”، في حالة عميقة من حالات العبودية الخالصة حين يذلّ لربه ويطمع في عونه الذي لا يهبه غيره “ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلاً”، “كذلك لنثبت به فؤادك”.

وهو -الثبات- مع هذا لا يُجتلب لمثقف دون أميّ ولا لأمير دون عامّي ولا لحافظ دون خاوي الوعاء ولا حتى لأصحاب السبق وإنما يوهب – وفقط – لأصحاب الصدق، صدق اليقين بالإيمان؛ فكلما حقق المسلم إيمانه كان فضل الله عليه في توثيق قلبه عظيمًا “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة”، {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أقدامكم}.
شتان بين ميدانين.. ميدان الاستماع لقصص السيرة والتاريخ وحكايات الصامدين قديمًا وحديثًا وميدان الفناء والعطاء والجلَد عند اشتداد الأزمات ونزول نوازل.

لا أزال أتحسس في ذاكرتي هذه الملاحم التي سطرها أساتذتنا إما لتجارب عايشوها أو أحاديث نقلوها وكيف كان حديث النفس آنذاك وما أحدثته هذه القصص المفعمة بالصمود والإباء عن ميادين الثبات ومواطن الصبر انفعلت معها خواطرنا وقويت بها قلوبنا واستبسلت لها إرادتنا؛ لئن دارت الدائرة لنكونن من الراسخين في الثبات والعاضّين على فكرتنا والهالكين في سبيل عزتها ونصرتها لا ينال منا فيها عدو، حتى إذا جاء الوقت فتحت الأعذار على النفس كل أبوابها، وعرفت الألسنة الحداد مهمَتها وانبرى العقل لرد أي توجيه أو نصح أو رأي، وكأن كل ما سبق هو من أساطير الأولين.

صحيح أن الطبيعة البشرية تنزع إلى رفع المعاناة واختصار الطريق وتحقيق الهدف من أقصر الطرق وتتعجل الفوز السريع وتشتاق للنصر العاجل “وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب” ولا تهوى مناكفة الشدائد وأهوال المحن “وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم”، وتحزن لترويج الإفك بحقها وافتراء الأباطيل زورًا وبهتانًا في شرفها ونزاهتها “قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون” بل قد يصل الأمر إلى الشعور بانسداد الأفق؛ بحيث لا يدري أين يمضي “إنا لمدركون”.. “إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا” وتأتي رجفة الزلزلة “مستهم البأساء والضراء وزلزلوا” بل يكون الزلزال شديدًا “ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا” حتى ليتساءل الجميع – قائدًا وجنودًا – من هول ما يقع “حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله؟!” حتى لا يكون غير اليأس العميق الذي يسبق النصر “حتى إذا استيأس الرسل ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا”.. هذا هو الطريق وتلك هي الطريقة.. إن نفاد الصبر واستعجال النصر آفة!

عن الخباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهو متوسِّدٌ بُردةً له في ظلِّ الكعبةِ ، فقلنا: ألا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: “قد كان مَن قبلكم يؤخذ الرجلُ فيحفرُ له في الأرضِ فيجعل فيها، فيجاء بالمنشارِ فيوضع على رأسِه فيجعلُ نصفين، ويمشط بأمشاطِ الحديدِ ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمرَ، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرمَوت، لا يخاف إلا اللهَ، والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون) (صحيح البخاري).

النبي الأكرم صلوات ربي عليه يرسم للأفراد، حيث يتألمون كثيرًا من هول التعذيب، صورة المشهد مبكرًا في سطور من التاريخ ملؤها الحكمة داء ووضوحًا ما كنت بدعًا من الرسل “ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا” كذلك أصحابه وجنود الحق في كل حين ما كانوا بدعًا من السابقين على الطريق {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسا والضراء}.. جماعات الحق كلها سلكت الطريق ذاته وبالطريقة ذاتها {وكاأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا ما استكانوا}.

لقد كانت سنة النبي القائد مع صحابته الأفياء في أصعب المواقف وأشدها حلكة أن ينقل قلوبهم من هذا الواقع المرير إلى أمل المستقبل المشرق؛ وما أمر سراقة يوم الهجرة وصخرة الخنذق إلا تجسيدًا عمليًا للثبات بحيث يعِد بالأمل المستكنّ في ضميره اليقظ بالله والموصول بمولاه أنه سيصدقه وعده.. لكن متى؟ وكيف؟.. إنها ليست لك!.
لما نزل قوله تعالى: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} قال ابن عباس -كما في تفسير القرطبي-: “كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين”.

وإلا فكيف يتحقق لنا صدق الإيمان من زائفه (وليمحص الله الذين آمنوا)، (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين).
إن الثبات لا يعني الاستسلام ولا الهوان ولا إعطاء الدنية، وإنما هو الإيمان في استعلائه بالنفس على حظوظها وعلى مطامع الدنيا وزخرفها، الإيمان في تحقيق روح الأخوة الصادقة المؤسسة على سلامة الصدر حتى يبلغ درجة الإيثار ويكون الخير والتعاطف والتراحم والتقدير، الإيمان في لزوم الوحدة واجتماع الصف وتحقيق المستهدف، الإيمان في استيعاب بعضنا وضمّ جهودنا وتحديد عدونا ورميه جميعًا عن قوس واحدة، الإيمان في الوقوف على حقائق الأمور وتقدير الموقف بنزاهة وصدق وأن يكون الخلاف ساحة تكامل لا حلبة انتقام، الإيمان أن تجمعنا الغاية ولو فرقتنا الوسائل.

وأختم بلمحة من فقه الراحل المربي الصامد الأستاذ مصطفى مشهور يرحمه الله من رسالته: “الجهاد هو السبيل”.
“يظن البعض أن شهادة هؤلاء الشهداء خسارة لحقت بالجماعة حيث فقدت شخصيات كان لها أثرها وتأثيرها في ساحة العمل والجهاد، وهذا ظن خاطئ، فإن شهادة الشهيد في سبيل دعوته زاد ووقود للأجيال ورمز للتضحية والفداء في سبيل الدعوة، وقدوة لأبناء الدعوة على طريق الدعوة. ويظن أعداء الله وعملاؤهم أنهم بقتل بعض الدعاة إلى الله سيقضون على دعوتهم وجماعتهم، خاصة لو كانوا من القيادات، وهم في هذا الظن واهمون مخطئون، فإنها ليست دعوة أشخاص أو جماعة أشخاص تنتهي بقتلهم، ولكنها دعوة الله ونور الله ولن يطفئ نور الله بشر، والله سبحانه وتعالى يجمع عليها الصادقين المخلصين يعوض بهم الصف ليواصلوا العمل والجهاد حتى تتحقق الأهداف التي قامت من أجلها الجماعة.. وليعلم شبابنا المسلم أن المعركة بين الحق والباطل معركة شرسة وممتدة زمانًا ومكانًا لتشمل الساحة الإسلامية، وليعلموا أن الجهاد هو السبيل وأن التضحية بالنفس والمال أمر حتمي، وأن فرصة الجهاد والاستشهاد ستزداد خلال عشرات السنين القليلة القابلة كمقدمات لمرحلة الجهاد والتمكين بإذن الله كما حدث في عهد الدولة الإسلامية الأولى بعد مرحلة الإيذاء والتعذيب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …