‫الرئيسية‬ مقالات “يا سيسي… أنت بتشتغل ايه؟ وبتشتغل مين؟!”
مقالات - نوفمبر 1, 2017

“يا سيسي… أنت بتشتغل ايه؟ وبتشتغل مين؟!”

وما أشبه خطوات الخديوي إسماعيل بخطوات الجنرال السيسي نحو إغراق مصر بالديون على النحو الذي سيمنطق وضع سيادتها تحت الهيمنة الأجنبية.

 سيكولوجية النصاب تقوم على جذب الزبون بالوعود البراقة والآمال، وكما يقول المصريون: “يعمل البحر طحينة”، إلى أن يقبض الثمن أو مقدم الثمن وتقع الفأس في الرأس وتبدأ ما تسمى بـ”الحمرقة”.

والـ”حمرقة” يا سادة هي أن تبحث عن التفسيرات والذرائع لتبرير أكاذيبك حول الوعود التي سقتها للحصول على العربون أو الثمن، ولكي تبرر استمرارك في عملية النصب للحصول على دفعات جديدة من ضحاياك، وبمجرد الحصول على الدفعة الثانية يتحول النصاب إلى بلطجي يرهب ضحاياه الذي سيطالبونه بتحقيق وعوده.

ما أشبه اليوم بالبارحة وما أشبه خطوات الخديوي إسماعيل بخطوات السيسي نحو إغراق مصر بالديون على النحو الذي سيمنطق وضع سيادتها تحت الهيمنة الأجنبية.

لا أعرف كيف أعبر عن ضحكي الساخر كتابة، وأنا أكتب هذا المقال، وخاصة الفقرة القادمة فالخديوي إسماعيل كعادة أي حاكم زائف النوايا مرتبك الأهداف، بدأ عهده بالتنديد بسياسة سلفه سعيد وانتقاده واتهامه بالمسؤولية عن انهيار اقتصاد البلاد، وقال نصاً في خطبة العرش التي حضرها الوجهاء والمشايخ والمخدوعون في وعود الخديوي والجنرلات (للأسف لم تكن تمرد قد وُلدت بعد): “إن أساس الإدارة هو النظام والاقتصاد في المالية، وسأبذل كل جهدي في اتباع قواعد النظام والاقتصاد، وقد عزمت أن أرتب لنفسي مخصصات محدودة، لا أتجاوزها أبداً، وسأعمل على إبطال السخرة التي اعتمدت عليها الحكومة في أعمالها، وآمل أن تؤدى حرية التجارة إلى نشر الرفاهية والرخاء بين جميع طبقات الشعب، وسأعني كل العناية بتوطيد دعائم العدالة”.

تولى إسماعيل الحكم بعد سعيد وهو غاضب منه لأنه أغرق البلاد في الديون بغير مبرر، وخاصة أن مصر كانت من أغنى بلاد العالم، فقد كانت الديون في نهاية حكم سعيد ووقت تولي إسماعيل 11 مليون جنيه عام 1863م وفي نهاية حكم إسماعيل عام 1879م وصلت الديون إلى 126,354,360 جنيه وزادت السخرة!

رغم انتقاد إسماعيل لسلفه في خطاب العرش ورغم ما وعد به من تنمية ونشر الرفاهية والرخاء بين كل طبقات الشعب وإلغاء السخرة على طريقة «بكره تشوفوا مصر»!

المؤسس الثاني لمصر

لا أعلم المنطق الذي استند عليه بعض المؤرخين في وصف الخديوي إسماعيل بالمؤسس الثاني لمصر الحديثة، ولكن يبدو أن قاعدة «الصيت ولا الغنى» قد ضربت المنطق التاريخي، ما علينا في الوقت الذي افتتح إسماعيل قناة السويس كأهم مشروع اقتصادى في ذلك الوقت، كان يكبل مصر بقيود الديون من أجل مظاهر البهرجة والفخفخة وفساد الحاشية، فولد مشروع القناة مديونا ومرهونا للدول الدائنة ولا عزاء للمصريين الذين حفروا القنال بدمائهم وعرقهم، يقول السياسي الفرنسي جابرييل شارم، والذي عاصر إسماعيل واهتم بالشأن المصري آنذاك: “إن إسماعيل باشا قد اقترض في الثمانية عشر عاماً التي تولى الحكم فيها نحو ثلاثة مليارات من الفرنكات (120 مليون جنيه تقريباً)”.

ولكن الواقع أن نصف هذا المبلغ على الأقل بقي في يد الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين من مختلف الأجناس ممن كانوا يحيطون به على الدوام و”هذا هو الخراب بعينه”.

وكما وعد إسماعيل الشعب المصري بالأمان والرخاء في خطاب العرش عام 1863م، أعاد الجنرال عبد الفتاح السيسي نفس الوعد على الشعب المصري في 8 يونيو 2014 في خطاب العرش، عفوا أقصد خطاب تسلم السلطة أمام أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، وأيضا بدأ عهده بانتقاد سلفه على نفس النحو الذي انتقد إسماعيل سلفه سعيد وعلى نفس المحددات الاقتصادية ووعود الأمان والحريات.

وعد السيسي بمكافحة الإرهاب!!! ووعد بحل أزمة سد النهضة!!، ووعد بالحفاظ على سيادة الأرض وعدم التدخل الخارجي في شؤون البلاد، وفي الخطب التالية وعد بالرخاء والتنمية والقضاء على الديون وطالب بمهلة 6 أشهر.

خلال عامين فقط من الخطاب الأول للسيسي غرقت البلاد في بحار من الدماء واتسعت العمليات الإرهابية، ووصلت إلى حد مهاجمة الشرطة والجيش في مواقعهم ومقتل المئات من الجنود والضباط والمدنيين، ووقف الجنرال يواجه كل هذا بخطاب هزيل عن التحديات التي تواجه الوطن.

خلال عامين فقط من الخطاب الأول للسيسي امتلأت السجون بالمعارضين وخاصة من الشباب على نحو غير مسبوق، حتى أن الحكومة قامت ببناء سجون جديدة، وشهدت زنازين السجون أبشع حالات القسوة والتعذيب، وتكررت حالات الوفاة داخل السجون نتيجة الإهمال الصحي والقسوة. كما شهدت الساحة السياسية مشاهد التصفية الجسدية للمعارضين.

خلال عامين فقط من الخطاب الأول للسيسي فرط في جزيرتي تيران وصنافير، وأصبح للدول الكبرى يد نافذة على السيادة الوطنية، حتى أن الولايات المتحدة ألزمت الدولة المصرية بالإفراج عن سجناء محكوم عليهم قضائيا، وأرسلت طائرات لنقلهم للولايات المتحدة، وتكررت حوادث اعتداء الأجانب على المصريين وقتلهم وعدم محاسبتهم في مشهد مشابه لبرتعة الأجانب في مصر وقت الاحتلال البريطاني.

خلال عامين فقط من الخطاب الأول للسيسي تحدت إثيوبيا كل جهود الدبلوماسية المصرية واستهانت بها واستمرت في إدارة مشروع سد النهضة بالأسلوب الذي سيعرض مصر للجفاف ويهدد أمنها.

وقفزت الديون

خلال عامين فقط من الخطاب الأول للسيسي، قفزت ديون مصر الخارجية من 9.6 مليار دولار إلى 79.3 مليار دولار.

كل من الخديوى والجنرال تشدقا وتفاخرا بمشروع قناة السويس كصرح اقتصادي كبير الأول في القناة الرئيسية والثاني في القناة الفرعية، وكل منهما أفقد المشروع قيمته الاقتصادية بالديون الخارجية وما يحيط بها من فساد وعمولات حراس الحكم، وسارا في طريق التبعية والإذعان للهيمنة الخارجية تحت ضغوط الديون التي لم ير لها الشعب أى ملامح أو تأثير أو مشروع مستقبلي، بل على العكس ورث تركة الاستعمار والتبعية التي ستصبح طوقا في رقبته هو الوحيد المعنى بالتخلص منه.

في عام 1863م أمر إسماعيل بصناعة يخت ضخم في إنجلترا اسمه المحروسة بينما كانت البلاد ترزح تحت وطأة الفقر والعوز والحاجة، وفي عام 2017م أمر السيسي بشراء طائرات رافال من فرنسا، وقبلها استوردت مقاتلات بحرية من فرنسا بالديون رغم عدم حاجة مصر إليهم. ورغم انهيار الاقتصاد وزيادة الفقر وانهيار منظومة الصحة للحد الذي مات آلاف المرضي لعدم وجود العلاج ورغم تدنى منظومة التعليم والثقافة إلى حد غير مسبوق لأى دولة في العالم.

وكان كل ما يعنى السيسي هو الحصول على شرعية لحكمة برضاء دول الغرب ومنها فرنسا، وما يهم هذه الدول كعادتها منذ الحملة الفرنسية عام 1798م هو تقويض وتكبيل مصر بالديون حتى يمكن الهيمنة والسيطرة عليها في تحالف استعماري جديد من ضمنه الصهيونية العالمية.

وفي هذا الإطار انقلب هرم المنطق وأصبح رأسه لأسفل فأصبحت إسرائيل صديقا، وقطر وتركيا وإيران أعداء!!

نظم إسماعيل الحفلات مرتفعة التكاليف من أجل افتتاح القناة وأنشأ جزيرة الزمالك وأقام عليها الكبائن للصفوة وحشر الفقراء الذين حفروا المجرى الجديد للنيل وشيدوا الجزيرة في عزب فقيرة معدمة على الضفة الأخرى ليكونوا قريبا إذا تم الاحتياج لهم، بحجة تجميل مصر، وشيد قصرا لاستقبال الإمبراطورة أوجينى (فندق ماريوت الآن)… ولم تكن تصرفات سيسي 2014 بعيدة عن تصرفات إسماعيل 1863 فقد بنى العاصمة الجديدة لتكون معسكر حماية للصفوة ورجال الحكم، وبدأ في تفريغ مناطق وسط البلد من الفقراء والاستيلاء على أحيائهم بحجة تجميل القاهرة.

وانتهى عصر إسماعيل

وشهدت مصر حفلات السواحل البحرية والبهرجة في مقابل أغلبية من الشعب تدفع من قوتها ودمائها وأمالها ثمن رفاهية الصفوة وأهل الحكم وكبار رجال الجيش والشرطة ورجال الأعمال.

الخلاصة… انتهى عهد إسماعيل بتقويض وحصار مصر بالديون التي كانت طريقا للهيمنة الأجنبية على مصر انتهى إلى احتلالها بواسطة إنجلترا وبمباركة دول الغرب عام 1882م، احتلال ظل جاثم على صدور المصريين 70 عاما وتردٍّ بحال البلد مئات السنين.. فإلى أي مصير سينتهي بنا عهد السيسي وديونه التي أغرق البلاد فيها عمدا دون أي عائد أو فائدة على الشعب؟؟!

السيسي يتوجه للغرب بخطاب يحمل هدفين، الهدف الأول تبرير انتهاك حقوق الإنسان في مصر والتعذيب والسجون، والثاني دعوة لمزيد من الديون بحجة حل مشاكل المصريين فيرد على سؤال بشأن حقوق الإنسان في مصر خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي «إيمانويل ماكرون» قائلا: «مبتسألنيش ليه عن حق الإنسان في التعليم الجيد… معندناش تعليم جيد مبتسألنيش ليه عن حق العلاج الجيد… معندناش علاج جيد، ومبتسألنيش ليه عن حق التشغيل والتوظيف… معندناش… مبتسألنيش ليه عن الإسكان الجيد… معندناش… مبتسألنيش ليه عن الوعي الحقيقي اللي المفروض أن نرسخه في نفوس المصريين»، وبالطبع جاءت الإجابة للصحفيين والمتابعين صادمة فصمتوا ولسان حالهم يسأل: “يا سيسي… أنت جاى تشتغل ايه؟ وتشتغل مين؟!… دى مصالح استعمارية عشان تاخد لازم تفرط؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …